في وقتنا الحالي باتت رؤية شخص يرتدي نظارات أمراً شائعاً مثل رؤية شخص يرتدي وشاحاً خلال فصل الشتاء، ويدين الأشخاص الذين يرتدون النظارات كثيراً إلى الحضارات السابقة التي طوّرت هذا الابتكار لتصحيح النظر وحماية العين من الغبار والأتربة العالقة في الجو.
فقد مرّ تطوير واختراع النظارات بالعديد من المحطات عبر التاريخ، لنصل إلى الأنواع والأشكال الحالية من النظارات الطبية والشمسية.
النظارات كانت عبارة عن قرون بشقوق صغيرة عن الشعوب البدائية
كون العين من الأعضاء الحساسة والتي تتعرّض يومياً لحجم هائلٍ من الأخطار، كان من الضروري أن تكون حمايتها في دائرة اهتمام الشعوب القديمة، ففي العصور القديمة التي سبقت اختراع الكتابة سنة 3400 قبل الميلاد، كانت شعوب استوطنت شمال الكرة الأرضية أوّل الشعوب التي اهتدت لفكرة لحماية العيون من الشمس والثلوج والضباب الكثيف.
فحسب aviator-sunglasses، كانت شعوب الإنويت البدائية التي كانت تعيش في الجزء الشمالي من قارة أمريكا الشمالية، أوّل من اخترع فكرة النظارات، وإن لم تكن بالشكل الذي هي عليه الآن طبعاً.
كانت الشمس المنخفضة في الأفق في خطوط العرض الشمالية، تمثل تحدياً خطيراً لأي شخص في تلك المنطقة يحاول التدقيق في أي شيء، وذلك بسبب خط الرؤية المباشر لأشعة الشمس الساطعة التي تذهب مباشرة إلى عيونهم، تمّ تكثيف الوهج القاسي، من خلال انعكاس ضوء الشمس على الماء والثلج والجليد.
كان من المهم على شعوب الإنويت أن يقضوا فترة النهار كله في البحث عن الطعام وجمعه لفصل الشتاء المظلم الطويل القادم، لذلك كان من الضروري عليهم حماية أعينهم وتسهيل رؤية فريستهم.
كان ذلك الدافع الذي أدى بشعوب الإنويت البدائية إلى ابتكار حل يحمي أعينهم، ويجعل صيدهم وفيراً، قام الإنويت بتقطيع مقطع عرضي من قرون الفظ (حيوان بحري)، ثم قاموا بتسويته ثم عمل شقوق فيه للرؤية من خلالها، ثم استخدموا خيطاً صغيراً لربطه على الرأس، كان ذلك أوّل اختراع يشبه النظارات الحالية.
تمّ استعمال ذلك الاختراع من شعب الإنويت في قضاء فصل الشتاء، ومواجهة الضباب الكثيف والثلوج الغزيرة.
نيرون استعمل الزمرد والصينيون استعملوا الكوارتز للرؤية
مع اختراع الزجاج في القرن الأوّل للميلاد، بدأت فكرة النظارات في التطوّر أكثر، ففي روما، تذكر بعض المصادر التاريخية أنّ الفيلسوف الروماني التراجيدي سينيكا الذي وُلد في السنة الـ4 قبل الميلاد، وتوفي عام 65، كان قد استخدم كرة زجاجية مملوءة بالماء كمكبر لقراءة النصوص الرومانية.
كما تذكر مصادر أخرى أن الإمبراطور الروماني الشهير نيرون كان يشاهد المصارعة من خلال قطع الزمرد لتصحيح قصر نظره.
وخلال القرن الـ12، استخدم الصينيون قطعاً مسطحة من الكوارتز الرمادي الذي يشبه لون الدخان لمساعدتهم على الرؤية بشكل أوضح، وكانت هذه القطع تعرف باسم "أي تاي" والتي تعني الغيوم الداكنة التي تغطي الشمس.
الحسن بن الهيثم المبدع الرائد لفكرة أول نظارة طبية في العالم
اهتم المسلمون بتطوير النظارات فكان العالم المسلم الحسن بن الهيثم المختص في علم البصريات خلال القرن الـ10م، مهتماً بذلك، وقام بتطوير علم البصريات تطويراً جذرياً، ويعد كتابه المناظر ثورة في عالم البصريات، بعدما توصل إلى نظريات جديدة أصبحت نواة علم البصريات الحديث.
ويعد ابن الهيثم أول من درس عدسة العين وأقسامها وتشريحها، ورسمها وأطلق عليها أسماء أخذها الغرب، أو ترجمها إلى مختلف لغاته، منها: القرنية (Cornea) والخلط الزجاجي (Vitreous Humour) والشبكية (Retina) والخلط المائي (Aqueous Humour).
كما بحث في قوة التكبير في العدسات؛ مما جعله المبدع الرائد لفكرة أول نظارة طبية في العالم، والممهد الأول الذي ساعدت بحوثه البصرية على إصلاح عيوب الإبصار في العين وتعديلها.
فد قام ابن الهيثم بإجراء تجارب عديدة على الزجاج ليصنع منه نظارة تعينه على القراءة بعد أن ضعف بصره، فتوصل إلى اختراع عدسة محدبة تظهر الكلام والاشكال بحجم أكبر وأوضح، ثم أخذ ابن الهيثم يطور عدساته، آخذاً بعين الاعتبار تفاوت قوة الإبصار بين عين وأخرى، فكانت النظارة عبارة عن قرص من الزجاج المحدب يثبّت أمام العين أثناء القراءة لتكبير الخط.
عصر النهضة يزيد من تطوّر وشعبية النظارات
شهد القرن الثالث عشر ظهور النظارات لأوّل مرة بالشكل الذي هي عليه الآن بوضع العدسات الزجاجية في إطار، بحيث تم وضع العدسات الزجاجية البدائية في إطارات خشبية أو جلدية (أو في بعض الأحيان، إطارات مصنوعة من قرن حيوان) ثم تمّ تثبيتها بخيط في مؤخرة الرأس أو تركها تطفو على الأنف، واستخدم تلك النظارات الرهبان في الغالب، وازدادت شعبيتها وتحسنت التكنولوجيا خلال عصر النهضة.
يعتقد المؤرخون أن الإيطالي سالفينو دارمات كان أوّل من صنع نظارات للعين يمكن ارتداؤها في العام 1284، كانت تلك النظارات المبتكرة أكثر تعقيداً من النظارات التي نرتديها اليوم، كانت تلك النظارات مصنوعة خصيصاً لتصحيح النظر.
كان أول تصوير فني معروف لاستخدام النظارات هو لوحة توماسو دا مودينا عام 1352، صوّرت لوحته الفنية تلك رهباناً يقرؤون ويكتبون المخطوطات، بينما يستخدم أحد الرهبان عدسة مكبرة، ويرتدي راهب آخر نظارة مثبتة على أنفه بحسب glasseshistory..
وبعد اكتشاف عجينة زجاجية شفافة في القرن الـ14، أصبحت العدسات ميسورة التكلفة، مما يسهل تسويقها خارج مدينة البندقية. بعد ذلك، تم تصميم النظارات الأولى ذات العدسات ثنائية الوجه (مفيدة لتحسين الرؤية من مسافة بعيدة).
في ذلك الوقت، كانت النظارات تتكون من عدستين تمّ تجميعهما باستخدام إطار معدني أو جلدي من أجل استخدامها.
جعل اختراع الطباعة في القرن الـ14، القراءة أكثر شعبية وسهولة، مما أدى إلى زيادة الطلب على النظارات بشكل كبير.
بحلول القرن الـ16، كانت إطارات النظارات مصنوعة من مواد فاخرة، مثل القرون والجلد وعظام الحيتان.
تمّ إجراء بحث لإيجاد طرق لا تتطلب من الشخص حمل نظارته أثناء استخدامها، مما أدى إلى نماذج بها مشبك الأنف.
بعد قرن من الزمان، تم تثبيت الإطارات بشريط حول الرأس.
وبين عامي 1727 و1730 تم اختراع أول نظارات ذات فروع، وذلك بفضل طبيب العيون البريطاني، إدوارد سكارليت . كانت مصنوعة من أغصان صلبة، مع حلقات في النهايات.
في القرن الـ18، ظهرت العدسات ثنائية البؤرة أيضاً، مما جعل من الممكن تصحيح قصر النظر في الجزء العلوي من العدسة وقصر النظر المرتبط بالشيخوخة في الجزء السفلي. يصادف هذا القرن أيضاً وصول lorgnette و monocle، اللذين تمّ تصنيعهما من مواد ثمينة واعتبرت من المجوهرات.
في عام 1873، اكتشف جون ويسلي حياة السيلولويد، وهو أول شكل اصطناعي من البلاستيك. تم استخدام هذه المادة لاحقاً لصنع أشكال إطارات لم يسبق رؤيتها من قبل.
في الخمسينيات من القرن الماضي، أصبحت النظارات أكثر شهرة من أي وقت مضى، وذلك بفضل نجوم السينما الذين ارتدوها بفخر.
ولم تدخل العدسات البلاستيكية السوق حتى الثمانينيات من القرن الماضي، وكان هذا بمثابة ثورة في عصر النظارات.
حتى اليوم، تعتبر النظارات الطبية واحدة من أفضل إكسسوارات الموضة. يستمر تطوير التقنيات الجديدة للعدسات والعدسات اللاصقة وحتى مواد الإطار عاماً بعد عام.