تعدُّ الفلبين البلد الـ12 بين أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانها أزيد من 120 مليون نسمة، غالبيتهم يدينون بالديانة المسيحية؛ إذ تشير التقديرات إلى أنّ ما يقرب من 90% من الفلبينيين مسيحيون، و80 % منهم يتبعون المذهب الكاثوليكي، أمّا الإسلام فلا تتجاوز نسبة معتنقيه الـ5٪ من الفلبينيين، يعيش أكثر من نصفهم في جزيرة مينداناو الجنوبية الكبيرة.
حالياً، يصل عدد المسلمين في الفلبين إلى نحو 13 مليون نسمة، ويتركز تواجدهم في المناطق الجنوبية من فلبين، مثل جزيرة مينداناو وأرخبيل سولو وجزيرة بالاوان، ويتناقص عددهم في الجزر الوسطى والشمالية حيث تعيش أغلبية من النصارى الكاثوليك والبروتستانت والبوذيين والوثنيين.
هذه الوضعية كانت نتيجة 333 عاماً قضتها الفلبين تحت الحكم الاستعماري الإسباني، تليها 42 عاماً من الاحتلال الأمريكي.
فقبل دخول المسيحية إلى الفلبين، لعب الإسلام دوراً مهماً في تشكيل تاريخ الفلبين وكان الديانة الأولى والوحيدة قبل الاحتلالين الإسباني والأمريكي للفلبين.
في الواقع، لاحظ بعض المؤرخين المهتمين بالتاريخ الفلبيني أنه لولا "فترة" 375 عاماً من الحكم الاستعماري الإسباني والأمريكي للفلبين، لكانت اليوم الفلبين دولة مسلمة.
الإسلام أوّل ديانة تدخل الفلبين
بحسب مقال لموقع mackenzieinstitute، يعزو المؤرخون إدخال الإسلام إلى الفلبين إلى رجلٍ عربيٍّ يدعى كريم المخدوم أو"المخزومي"، والذي كان يشتغل تاجراً، والذي وصل في وقت مبكر من عام 1380 إلى جزيرة سولو التي أصبحت تُعرف اليوم بمقاطعة سولو في جنوب الفلبين. هناك أسسّ المخدوم أول مسجد في الفلبين في جزيرة سيمينول وهو المسجد الذي لا يزال قائماً حتى الآن بالفلبين.
ومع ذلك، يشير بعض المؤرخين إلى أنّ الفلبين عرفت الإسلام قبل ذلك التاريخ بفترة طويلة، ففي القرن الـ10، وصل التجار العرب والمسلمون إلى شرق القارة الآسيوية وإلى الفلبين، حيث استقرّ بعضهم واندمج مع السكان المحليين، ونجحوا في نشر الإسلام بينهم.
بحلول القرن الـ15، اعتنق معظم سكان منطقة سولو الإسلام، مما أدى بعد ذلك إلى إنشاء دولة إسلامية، يشار إليها باسم سلطنة سولو، التي تأسست في 17 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1450م، كانت هذه السلطنة جزءاً من إمبراطورية بروناي حتى استقلالها في 1578م.
كان أوّل سلطان لسلطنة سولو الإسلامية هو الشريف الهاشم سيد أبو بكر، الذي كان في الأصل سلطاناً من أصولٍ عربية، إذ وُلد بمكة، وهاجر إلى سولو حيث تزوّج أحد أبناء العائلات الحاكمة في الجزيرة، ليؤسس بعهدها أوّل كيانٍ إسلاميٍّ في جزيرة سولو، وسمى نفسه بـ "بادوكا مهاساري مولانا السلطان شريف الهاشم".
خلال النصف الأوّل من القرن الـ18، سيطرت سلطنة سولو على مقاطعات تاوي تاوي، وسولو، وباسيلان، والجزء الغربي من شبه جزيرة زامبوانجا، والجزء الجنوبي من بالاوان وهي المناطق التي صارت اليوم تُعرف بالفلبين، إضافة إلى جزيرة بورنيو التي أصبحت حالياً تعرف باسم ماليزيا.
ولم تكن سلطنة سولو الوحيدة التي أقامها المسلمون في الفلبين، فقامت في سنة 1475 سلطنة مينداناو الإسلامية التي أسّسها الشريف محمد كابونسوان، والتي شملت جزيرة مينداناو ومنطقة "لاناو"، و"كوتاباتو"، و"داباو"، والجزر المجاورة.
فبعد أن استقر "شريف كابونسوان" في "منداناو"، بدأ يوطد سلطته في المنطقة، ويقوم بنشر الإسلام، حتى استطاع تحويل جميع سكان مينداناو إلى الدين الإسلامي في فترة وجيزة.
وعند دخول المسلمين إلى عاصمة الفلبين الحالية، أطلقوا عليها اسم "أمان الله" قبل أن تتحوّل إلى اسم مانيلا، وفيها أقام المسلمون إحدى أكبر ممالكهم في الفلبين، وهي مملكة مانيلا التي كانت أكثر المناطق تطبيقاً للشريعة الإسلامية.
ومع دخول القرن الـ16، كانت الفلبين عبارة عن تجمعٍ من الممالك والسلطنات الإسلامية، وكان أغلبية الفلبينيين مسلمين ويعملون في نشر الإسلام بشرق القارة الآسيوية.
وإلى غاية ذلك التاريخ، كان الإسلام ينتشر بقوة كبيرة في الفلبين وباقي أرجاء شرق القارة الآسيوية، لكن ذلك الانتشار سيعرف انحساراً شديداً مع دخول المنطقة والعالم أجمع في تغييرات جيوسياسية كبيرة بصعود قوة مسيحية كبيرة تمثلت في الإمبراطورية الإسبانية التي تزعمت لواء نشر المسيحية في ذلك الوقت.
وبالتالي، ما يعرف الآن باسم جمهورية الفلبين، لم تظهر للعلن إلّا في النصف الثاني من القرن الـ16، وبالضبط في عام 1565، عندما قام القائد العسكري الإسباني ميغيل لوبيز دي ليجازبي، بالنزول إلى سواحل جزر البلد وبدأ استعماره.
الغزو الإسباني الذي جعل الفلبين مسيحية
قبل ذلك التاريخ، كانت الفلبين عبارة عن جزر وممالك مسلمة، كل جزيرة لها اسمها، وكيانها السياسي.
وعندما احتلها الإسبان، ادعوا اكتشافها وأطلقوا عليها اسم (الفلبين) تخليداً لملكهم فيليب الثاني، الذي أمر بالغزو الإسباني لهذه الجزر.
استغرق الأمر حوالي نصف قرن لإسبانيا لغزو بقية الجزر، وبالتالي فإن الدولة القومية المعروفة باسم الفلبين اليوم لم تظهر إلى الوجود حتى نهاية القرن الـ16 وأوائل القرن الـ17، وهو ما يؤكد أنّ الإسلام كان أقدم بكثير من الفلبين الحديثة.
وقبل بداية الاستعمار الإسباني للفلبين، وصل الرحالة والمبشِّر الصليبي الإسباني ماجلان إلى جزيرة سيبو بوسط الفلبين الشرقي في مارس/آذار 1521م، وهو التاريخ الفعلي لبداية المسيحية في الفلبيين.
فقد نجح ماجلان في توقيع تحالفٍ مع سلطان تلك الجزيرة، دخل على إثره حاكم جزيرة سيبو إلى المسيحية، وسرعان ما أعلن ماجلان حملته لنشر المسيحية في أرجاء الفلبين، لكنّ جهوده انتهت بمقتله في معركة جرت في ساحل الجزيرة ماكتان، ونتيجة لذلك هرب بقية رفاق ماجلان، وعادوا إلى إسبانيا.
بعد مقتل ماجلان، أرسل ملك إسبانيا فيليب الثاني بعثة عسكرية ثانية إلى الفلبين بقيادة القائد العسكري ميغيل لوبيز دي ليجازبي، الذي انطلق من شمال الفلبين برفقة عدد من الوثنيين الذين نجح في تحويلهم إلى المسيحية ليخوض حروباً شرسة، واستطاع أن يغزو كامل الفلبين ويرتكب جرائم بشعة في حق المسلمين، ذكَّرتهم بوحشية الإسبان في الأندلس.
أطلق الإسبان على المسلمين في الفلبين اسم "المورو"، وهو نفس المصطلح الذي كان يطلقه الإسبان على مسلمي الأندلس والمغرب الإسلامي.
وصاحب حملة ليجازبي إلى الفلبين خمسة من الرهبان الكاثوليك المتحمسين، وبدأوا التبشير بالكاثوليكية في جزيرة سيبو وفي غيرها من الجزر. وبعد أن تمكن الإسبان من إخضاع شمال البلاد، توافدت البعثات التنصيرية إلى الفلبين بكثافة، وأقيمت الكنائس في العاصمة ومدن الأقاليم، وأعلن رجال الدين الإسبان سياسة أحادية مفادها: القتل أو التنصر.
كما اعتمد الإسبان على سياسة التفريق وبثّ الكراهية بين المسيحيين والمسلمين في الفلبين، فثار الشمال الفلبيني المسيحي في أكثر من مرة على الجنوب ذي الغالبية الإسلامية.
ومع ذلك، لم يكن الإسبان قادرين على ممارسة سيطرة فعالة على المناطق الإسلامية، وبقيت سلطنة سولو خاضعة للحكم الإسلامي.
الغزو الأمريكي يجعل الإسلام أقلية في الفلبين
بعد الفشل الإسباني في جعل كلّ الفلبين خاضعة للحكم المسيحي طيلة 333 عاماً، ترك للأمريكيين الذين هزموا إسبانيا في معركة خليج مانيلا عام 1898، واستحوذوا على الفلبين بموجب معاهدة باريس التي أبرمت في نفس العام، أمر السيطرة بشكل فعال على المناطق الإسلامية في الفلبين.
استغرق الأمر من الأمريكيين 17 عاماً حتى ينجحوا في ذلك، ففي عام 1915، وقّع الأمريكيون مع سلطنة سولو اتفاقية كاربنتر، التي بموجبها اعترفت السلطنة بسيادة الولايات المتحدة مقابل السماح لهم بالبقاء على الإسلام.
رغم ذلك طالب المسلمون باستقلال سلطنتهم عن الفلبين ورفضوا أن يحكموا من طرف الأغلبية المسيحية.
استمر الاحتلال الأمريكي للفلبين قرابة نصف القرن، استطاعت من خلالها أمريكا أن تجعل المسلمين يعيشون في أقليات بالجنوب، فحتى جزيرة مينداناو وسولو ذات الأغلبية المسلمة صار بها المسلمون أقلية في فترة الاحتلال الأمريكي.
وتلا الاحتلال الأمريكي احتلالٌ ياباني قصير للفلبين أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم يتغير حينها وضع المسلمين بالفلبين.
في سنة 1946، منحت الفلبين استقلالها، بعد أن صارت بها الأغلبية الساحقة لمعتنقي المذهب الكاثوليكي المسيحي، ومنذ تلك الفترة لم تنتهِ مآسي المسلمين في الفلبين، بعد أن تكررت العمليات العسكرية الحكومية ضدّ المسلمين في الفلبين، خصوصاً في فترة حكم الديكتاتور فرديناند إي ماركوس الذي انتخب رئيساً عام 1965م؛ لتظهر العديد من المنظمات المسلحة كان أشهرها "الجبهة الوطنية لتحرير مورو"، التي أنشئت في عام 1968م، بقيادة نور ميسواري، وسلامات هاشم، لتبدأ مرحلة مقاومة جديدة ضد الحكومة الفلبينية هدفها الحصول على الاستقلال، لا تزال مستمرة حتى اللحظة.