في ليلة 8 فبراير/شباط الباردة من عام 1904، كان سرب المحيط الهادئ التابع للبحرية الإمبراطورية الروسية يرسو بهدوء في ميناء بورت آرثر الواقع في طرف شبه جزيرة لياودونغ الواقعة في جنوب الصين، قبل أن يتعرّض لهجوم مباغت وساحق من قبل البحرية اليابانية، ومع طلوع شمس يوم الـ9 من فبراير/شباط، كانت سفن الطوربيد التي كانت تحمي الأسطول الروسي القوي الذي كانت الإمبراطورية الروسية تطمح إلى التوسع في شرق آسيا من خلاله قد دمّرت، لتندلع بعدها ما تسمى الحرب الروسية اليابانية التي جعلت من اليابان إحدى القوى العظمى في العالم، وأرّخت لأول نصر لقوة آسيوية على قوة أوروبية في العصر الحديث، كما مهدت الطريق أمام صراع عالمي هو الأكبر في التاريخ.
ما أسباب معركة بورت آرثر؟
في عام 1904 كانت الإمبراطورية الروسية التي يحكمها القيصر نيكولاس الثاني، واحدة من أكبر القوى الإقليمية في العالم. ومع ذلك، كانت الإمبراطورية الروسية بحاجة إلى ميناء للمياه الدافئة في المحيط الهادئ لأغراض التجارة وكذلك قاعدة للبحرية المتنامية، وذلك بعدما أجبرت مراكز الشحن الخاصة بها في سيبيريا على الغلق بسبب الشتاء.
وضع القيصر نيكولاس الثاني نصب عينيه شبه جزيرة كوريا وشبه جزيرة لياودونغ الصينية لحلّ هذه المشكلة، وبالفعل استأجرت الإمبراطورية الروسية ميناء بورت آرثر في شبه جزيرة لياودونغ من الصين، لكنها أرادت أن تكون لها قاعدة عمليات بحرية في كوريا.
في المقابل، كان القلق الياباني يتضاعف بشأن النفوذ الروسي في المنطقة منذ الحرب الصينية اليابانية الأولى عام 1895، خلال تلك الحرب قدمت روسيا دعماً عسكرياً لأسرة تشينغ في الصين.
في البداية سعى اليابانيون إلى عقد صفقة مع الروس، وعرضوا من خلالها التنازل عن السيطرة على منشوريا الواقعة شمال شرق الصين، على أن يكون لليابان تأثير على كوريا.
رفضت روسيا عرض اليابان وطالبت بأن تكون كوريا منطقة محايدة، ثم سرعان ما أرادت روسيا السيطرة على منشوريا وكوريا معاً، الأمر الذي أدى إلى انهيار المفاوضات بين البلدين.
بحسب history today، كان الروس واثقين من كسب أي حرب بسهولة ضد اليابانيين، ورحبت عناصر مقرّبة من الإمبراطور الروسي باحتمال نشوب الحرب، واعتبروها وسيلة مثالية لحشد المشاعر الوطنية للروس وراء القيصر نيكولاس الثاني.
أوقف اليابانيون المفاوضات في الـ6 من فبراير/شباط 1904، وبعد يومين، اختار اليابانيون خوض الحرب، وشنوا هجوماً مفاجئاً على البحرية الروسية في بورت آرثر في 8 فبراير/شباط 1904.
معركة بورت آرثر.. البداية الفعلية للحرب الروسية اليابانية
أدى انهيار المفاوضات حول الطموحات المتنافسة في كوريا والصين إلى نشوب حرب بين روسيا واليابان في عام 1904، كان أسطول المحيط الهادئ الروسي الراسي في "بورت آرثر" يشكل تهديداً حقيقياً لتحركات القوات اليابانية إلى البر الرئيسي لآسيا.
رداً على ذلك، شن اليابانيون هجوماً مفاجئاً على السفن الحربية الروسية الراسية في بورت آرثر في منشوريا.
وفقاً لـ history، تمّ التخطيط للهجوم من قبل الأدميرال الياباني توغو هيهاتشيرو، بحيث وصلت 10 مدمرات يابانية مسلحة بطوربيد إلى بورت آرثر بعد منتصف ليل 9 فبراير/شباط 1904.
لتقوم بنسف طوربيد Retvizan و Tsesarevich، وهما من أقوى البوارج في الأسطول الروسي، والطراد Pallada.
بعد صدمة الهجوم الأوّلي، قام الروس بتشغيل الكشافات وجلبوا أسلحتهم، ما أجبر اليابانيين على وقف الهجوم في حوالي الساعة الـ2 صباحاً.
في صباح اليوم التالي توجه الجنرال توغو نحو بورت آرثر مع بقية سفنه الحربية، واثقاً من إنهاء السرب البحري الروسي. لكن الأسطول الروسي استطاع المقاومة وإجبار اليابانيين على الانسحاب الجزئي.
عندما انسحب الأسطول الياباني إلى مسافة آمنة، ادعى الروس النصر في المعركة، لكن سفنهم الحربية ظلت محاصرة في بورت آرثر.
في 12 أبريل/نيسان 1904، تمكنت البوارج الروسية بيتروبافلوفسك وبوبيدا من مغادرة بورت آرثر لكنها اصطدمت بألغام بعد خروجها مباشرة إلى البحر، غرقت بتروبافلوفسك، بينما عادت بوبيدا وهي تعرج إلى الميناء بأضرار بالغة.
بينما انتقمت روسيا من هذا الهجوم بألغام بحرية وضعتها على محيط بورت آرثر، وتسببت في إصابة بالغة بسفينتين حربيتين يابانيتين، رغم ذلك احتفظت اليابان بالسيطرة على بورت آرثر، واستمرت في قصف الميناء قصفاً عنيفاً.
خلال الأشهر التالية، قاتلت سفن حربية توغو عدة طلعات جوية روسية، وفي شهر مايو/أيار، هبطت القوات اليابانية وفرضت حصاراً كلياً على بورت آرثر.
في أواخر أغسطس/آب، تم إرسال قوات من شمال روسيا لمساعدة الأسطول في بورت آرثر وتم دفعها من قبل اليابانيين، أطلقت المدافع اليابانية النار بلا هوادة على السفن الروسية الراسية في خليج لياويانغ.
وبحلول نهاية عام 1904، أغرقت البحرية اليابانية كل سفينة في الأسطول الروسي في المحيط الهادئ، وسيطرت على حامية على تل يطل على الميناء.
في أوائل يناير/كانون الثاني 1904، قرر اللواء الروسي أناتولي ستيسل، قائد حامية بورت آرثر، الاستسلام، وبذلك حقق اليابانيون انتصاراً كبيراً في الحرب.
أدين أناتولي ستيسل في وقت لاحق بالخيانة، وحُكم عليه بالإعدام لقراره الاستسلام في بورت آرثر، رغم أنه تم العفو عنه في النهاية.
معركة بورت آرثر التي غيّرت موازين القوى العالمية
بحسب الموسوعة البريطانية، كانت الخسائر في معركة بورت آرثر كبيرة، فقد خسر الروس حوالي 150 ضحية، بينما خسر اليابانيون حوالي 100، جندي، أما في مرحلة الحصار فقد كانت الخسائر أكبر، فقد خسر الروس 31306 ضحايا، بينما خسر اليابانيون 57780 ضحية.
ورغم ذلك، لم تتوقف الحرب الروسية اليابانية عند معركة بورت آرثر، فقد استمرت المعارك بين البلدين لأشهر بعدها، وكان الانتصار في أغلبها حليفاً لليابانيين.
في النهاية، كانت الحرب الروسية اليابانية حرباً وحشية بشكل خاص، وأعطت صورة جلية عن الصراعات العالمية التي ستتبعها، إذ يعتبرها بعض المؤرخين الحرب التي مهدت للحرب العالمية الثانية.
تسببت تلك الحرب في مقتل أكثر من 150 ألف شخص في ظرف سنة فقط، من بينهم 20 ألف مدني صيني.
لم ينتهِ القتال بين الروسيين واليابانيين إلا من خلال معاهدة بورتسموث، التي توسط فيها الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت في بورتسموث، بنيو هامبشاير، خلال ربيع وصيف عام 1905، والتي فاز على إثرها الرئيس الأمريكي روزفلت بجائزة نوبل للسلام سنة 1906، لدوره في إيقاف الحرب بين روسيا واليابان.
بموجب شروط المعاهدة، التي وقعها الطرفان في 5 سبتمبر/أيلول 1905، سلمت روسيا بورت آرثر لليابانيين، مع الاحتفاظ بالنصف الشمالي من جزيرة سخالين، التي تقع قبالة ساحل المحيط الهادئ.
والأهم من ذلك، وقف روزفلت إلى جانب القيصر نيكولاس في رفضه دفع تعويضات لليابان، واتهم اليابانيون الأمريكيين بخداعهم، وتبع ذلك أعمال شغب مناهضة لأمريكا في طوكيو، كما أن ذلك أدى إلى تشكيك اليابانيين في وقت لاحق بدور أمريكا في الشؤون الآسيوية خلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية.
كما وافق الروس على الانسحاب من منشوريا والاعتراف بالسيطرة اليابانية على شبه الجزيرة الكورية، لتقوم الإمبراطورية اليابانية بضم كوريا بعد خمس سنوات، وهو عمل سيكون له تداعيات مهمة أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.
وبالرغم من أن التوترات في المنطقة لم تنتهِ بعد، إلا أن معركة بورت آرثر غيّرت ميزان القوى العالمية، فهي المرة الأولى في التاريخ الحديث التي تهزم فيها دولة آسيوية دولة أوروبية في قتال عسكري. كما أنه يمثل بداية الحرب التي تشارك فيها القوى العالمية في منطقة المحيط الهادئ.