ترك لنا القدماء -لا سيما في منطقة الشرق- العديد من النصوص والأعمال الأدبية الخالدة والمغرقة في القدم. وعندما نتحدث عن الأعمال الأدبية فإننا لا نقتصر بهذا التعبير على الشعر أو النثر وغيرهما من الفنون الأدبية المعروفة اليوم، بل نشمل في حديثنا أيضاً النتاج الفكري الإنساني من فلسفة وتأملات في معاني الحياة الدنيا والآخرة.
نجد العديد من هذه النصوص في منطقتي مصر وبلاد الرافدين، وكان للحضارة اليونانية كذلك إسهام كبير في هذا الجانب.. تعالوا نعرفكم على أبرز وأقدم الأعمال الأدبية في التاريخ:
"ملحمة غلغامش".. أقدم الأعمال الأدبية في التاريخ
تعتبر ملحمة غلغامش أقدم عمل أدبي معروف في العالم، وثاني أقدم النصوص الدينية المتبقية من حقبة ما قبل الميلاد، إذ تحتل نصوص الأهرام الدينية المرتبة الأولى.
كتبت ملحمة غلغامش في بلاد الرافدين منذ ما يزيد على 4000 عام، إذ يرجح أنها كتبت ما بين عامَي 2750 و2350 قبل الميلاد، وقد اكتشفت لأول مرة عام 1853 في موقع أثري عُرف فيما بعد، بأنه كان المكتبة الشخصية للملك الآشوري آشوربانيبال في نينوى في العراق.
والقصيدة مكتوبة باللغة الأكادية على 11 لوحاً طينياً، ومحفوظةٌ اليوم بالمتحف البريطاني، وتحمل في نهايتها توقيع شخص اسمه شين إيقي أونيني، الذي يعتقد البعض أنه كاتب الملحمة التي تعتبر أقدم قصة كتبها الإنسان.
تروي الملحمة الشعرية قصة غلغامش، وهو ملك آشوري نصفه بشر ونصفه الآخر إله، ويحكم مملكة أورك حكماً جائراً ومتغطرساً، فتخلق الآلهة كائناً من طين يدعى إنكيدو؛ ليواجه غلغامش ويثنيه عن أفعاله.
جدير بالذكر أن العراق استعاد مؤخراً لوحاً مسمارياً مسروقاً عمره 3500 عام يروي جزءاً من "ملحمة غلغامش"، وقد اختفى هذا اللوح في التسعينيات ووجد طريقه إلى الولايات المتحدة ثم أعيد إلى موطنه الأصلي.
حكاية الملاح التائه، من مصر القديمة
تعد "حكاية الملاح التائه" أحد أقدم أعمال الأدب المصري القديم التي يعود تاريخها إلى عصر الدولة الوسطى. كُتبت القصة باللغة الهيروغليفية على أوراق البردي في الفترة من نحو عام 2000 قبل الميلاد إلى عام 1900 قبل الميلاد.
القصة غير عادية من عدة جوانب: بدايتها المفاجئة، وشخصياتها الغامضة، وحبكتها المعقدة، إذ تحتوي عدة قصص متشابكة بعضها مع بعض، إضافة إلى نهايتها المتشائمة.
وتحمل هذه الحكاية حكمة، مفادها الاستمرار في المثابرة على الرغم من المعاناة والظروف الصعبة.
تروي القصة حكاية حملة استكشافية فاشلة عبر نهر النيل إلى إفريقيا. كان على قائد الحملة إبلاغ الملك بفشلها، لكن ذلك كان صعباً عليه للغاية، ولتشجعيه يخبره أحد أفراد الطاقم كيف نجا من وضع أسوأ، حيث غرق بمفرده في مهمة سابقة، ووجد نفسه مضطراً إلى مواجهة إله على شكل ثعبان عملاق.
ومثل جميع النصوص الأدبية التي تنتمي إلى حقبة المملكة الوسطى، تميزت قصة الملاح التائه بكونها مكتوبة بطريقة الشعر السردي، وتعج بالاستعارات والتشبيهات الأدبية. عُثر على البردية التي كتبت عليها قصة الملاح التائه بأحد متاحف مدينة سانت بطرسبرغ الروسية في القرن الـ19، لكنها محفوظة حالياً في موسكو.
"شريعة حمورابي" منذ 3700 عام
"شريعة حمورابي" هي مجموعة قوانين بابلية كُتبت في أواخر عهد الملك حمورابي، سادس ملوك بابل الذي حكم من عام 1792 قبل الميلاد حتى عام 1750 قبل الميلاد.
نقشت شريعة حمورابي على مسلة كبيرة من حجر الديورانت الأسود، طولها 225 سم، وقطرها 60 سم. وجدت في مدينة سوسة عاصمة عيلام الإيرانية، في أثناء حفريات البعثة التنقيبية الفرنسية (1901-1902). وهي موجودة في متحف اللوفر الفرنسي.
وسبب وجود الوثيقة في عيلام هو أن ملك العيلاميين، شوقروك ناخون تا، غزا بلاد بابل في القرن الثاني عشر ق.م، ونقل كل ما استطاع نقله إلى عيلام، وحُرم البابليون من هذه الوثيقة حتى قدوم كورش الكبير الذي ضم عيلام إلى ملكه عام 540 ق.م.
في قمة المسلة يُوجد نقشٌ بارز بارتفاع قدمين ونصف القدم لحمورابي واقفاً يتسلّم القانون -الذي رُمِزَ إليه بصولجان وشريط- من إله العدل البابلي الجالس: شماش. وما تبقى من سبع أقدام وخمس بوصات مُغطى بصفوف من النصوص المسمارية المحفورة.
وتُقدّم شريعة حمورابي عدداً من أقدم الأمثلة على عقيدة "العين بالعين"، أو قوانين القصاص.
جدير بالذكر أنه تم العثور على نسخ مختلفة من أجزاء من قانون حمورابي على ألواح طينية ربما يكون بعضها أقدم من شاهدة البازلت الشهيرة الموجودة الآن في متحف اللوفر.
"كتاب الموتى"
كتاب الموتى هو نص جنائزي مصري قديم مكتوب على ورق البردى وتم استخدامه منذ بداية الدولة الحديثة (نحو 1550 قبل الميلاد) إلى نحو 50 قبل الميلاد، حسب ما نشره موقع مجلة Smithsonian.
تمت ترجمة الاسم المصري الأصلي للنص إلى "كتاب يوم القدوم" أو "كتاب الظهور في النور".
وكلمة "كتاب" هي المصطلح الأقرب لوصف مجموعة النصوص الفضفاضة التي تتكون من تعاويذ سحرية تهدف إلى مساعدة الشخص الميت في رحلته عبر العالم السفلي إلى الحياة الآخرة والتي كتبها العديد من القساوسة على فترة 1000 سنة.
وجرت العادات بأن يوضع كتاب الموتى في نعش أو حجرة دفن المتوفى، كجزء من تقليد النصوص الجنائزية.
تم استخلاص بعض التعاويذ في الكتاب والتي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد. كما تم تأليف التعاويذ الأخرى في وقت لاحق من التاريخ المصري، ويرجع تاريخها إلى الفترة الانتقالية الثالثة (القرن الحادي عشر إلى السابع قبل الميلاد).
وقد أُسندت مهمة تأليف هذه النصوص إلى عدة مؤلفين، حيث طُلب من كل مؤلفٍ كتابة جزء معين من الكتاب بحسب تخصصه -وهو ما يعني عدم وجود نسخ متطابقة، لكن جميع النصوص الدينية والجنائزية الموجودة بكتاب الموتى كانت تُستخدم في مصر القديمة بغرض إرشاد المتوفى في رحلته إلى العالم الآخر.
"الأوديسة" منذ نحو 2700 عام
"الأوديسة" واحدة من ضمن ملحمتين إغريقيتين كتبهما الشاعر الإغريقي القديم هوميروس، في أكثر من 12 ألف بيت في الفترة ما بين عام 725 قبل الميلاد وعام 675 قبل الميلاد. ولطالما أشاد بها النقاد وأجمعوا على أنها أروع عمل أدبي لآلاف الأعوام، ففي القرن الخامس قبل الميلاد، كتب الكاتب المسرحي الإغريقي أخيلوس أن مسرحياته "لا تعدو أن تكون فتات من مأدبة هوميروس".
تعتبر الأوديسة جزئياً تتمة لقصيدة الإلياذة، لكنها تركز على قصة البطل الإغريقي أوديسيوس، الذي كان معروفاً باسم أوليسيس في أساطير الرومان، وكان ملكاً لمدينة إيثاكا.
وتروي الملحمة كذلك قصة رحلته إلى بلاده بعد سقوط طروادة، والمغامرات التي تواجهه في الطريق الذي يستغرق 10 سنوات.
ألهمت مغامرات أوليس كبار الكتاب، من الشاعر الإيطالي دانتي إلى الشاعر والروائي الأيرلندي جيمس جويس، والشاعرة والروائية الكندية مارغريب آتوود. إلا أن أوليس لم يكن ينشد هدفاً دينياً سامياً، على الرغم من كثرة الآلهة والوحوش التي تغص بها القصيدة. فلم يخض لجج البحار بحثاً عن أشياء عجيبة وجديدة، كأرض لم تطأها قدم أو صوف ذهبي، وهو رمز السلطة في الأساطير الإغريقية. إنما كان هدفه الوصول إلى بيته بعد حرب دامت عشرة أعوام.
كتب هوميروس ملحمة "الأوديسة" بأسلوب مختلف قليلاً عن ملحمة الإلياذة، وهو ما أثار نظرية، مفادها أنَّ العملين الأدبيين (الأوديسة والإلياذة) كانا لمؤلفين مختلفين وليس المؤلف نفسه، هوميروس.
يعتقد آخرون أنَّ التعبيرات الأقرب إلى اللغة البسيطة وتقليل التركيز على قوة الآلهة في ملحمة "الأوديسة" قد يرجعان ببساطة إلى مراحل مختلفة من حياة هوميروس.
"ميديا" منذ 2450 عاماً
"ميديا" هي مسرحية تراجيدية يونانية قديمة كتبها يوربيديس نحو عام 431 قبل الميلاد، تعبّر عن النضالات الاجتماعية والسياسية في تلك الحقبة.
كان يُنظر إلى شخصية "ميديا" -ومعناه "البارعة الماكرة"- باعتبارها مصدر خطورة، لأنَّها كانت تدافع عن حقها ونفسها بصفتها امرأة، وتحدت سلطة الرجل في وقت كان فيه ذلك شيئاً مخالفاً للوضع الراهن.
تشير بعض النظريات إلى أنَّ يوربيديس قد تأثر في أعماله بأفكار صديقه المقرب سقراط، وذلك بسبب الزوايا الفلسفية الظاهرة في الحبكات الدرامية لمسرحياته، لاسيما تلك المتعلقة بتأثيرات العاطفة والمشاعر.
"الندوة" منذ 2400 عام
الندوة هو نص فلسفي قديم كتبه أفلاطون نحو عام 385 قبل الميلاد، ويدور حول الحب ونشأته ومعانيه وطبيعته، ويعتبر هذا النص أصل ما يسمى اليوم بالحب الأفلاطوني.
يتخيل أفلاطون في هذا النص حواراً بين مجموعة من الرجال الحاضرين في الندوة والذين يتناقشون حول الحب، إذ يلقي كل منهم كلمة في مديح الحب ومعانيه.
ومن الجدير بالذكر أن الندوات اليونانية القديمة كانت عبارة عن تجمعات حماسية يجتمع فيها أصدقاء مقربون من أعلى المستويات الاجتماعية لتبادل الشعر والأحاديث عن مختلف موضوعات الحياة العامة وغناء الأناشيد في حب الآلهة أو حتى إلقاء النكات والثرثرة للهروب من رتابة حياتهم اليومية.
"قصة غنجي" منذ 1000 عام
على الرغم من أنَّ "قصة غنجي" أصغر حجماً كثيراً من بقية الأعمال الأدبية القديمة الأخرى الموجودة في تلك القائمة، فإنها عادةً ما تُدرج باعتبارها أول رواية مكتوبة على الإطلاق (لكن هذا يعتمد بدرجة كبيرة على تعريفك للرواية). تعد أيضاً "قصة غنجي" الكتابَ الوحيد في هذه القائمة من تأليف امرأة، وفقاً لمجلة Mental Floss الأمريكية.
كُتبت القصة، التي تتحدث عن قصة حياة أمير يُدعى "هيكارو نو غنجي"، نحو عام 1000 ميلادياً، وهي فترة في اليابان معروفة بثرائها الشعري والخيال القصصي بفضل كتابات سيدات البلاط اليابانيات.
اعتاد الرجال الكتابة باللغة الصينية خلال هذه الحقبة، بدلاً من الكتابة بنظام الكتابة المقطعية المستخدم من جانب النساء. أشار الصينيون إلى اليابان باسم "Queen Country" خلال تلك الفترة، وذلك يعود جزئياً إلى المستوى العالي من التعليم الذي تمتعت به النساء.