اندلعت بسبب دلو خشبي فارغ! ماذا تعرفون عن الحرب الإيطالية التي تسببت بمقتل ألفي شخص في يومٍ واحد؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/12 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/12 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
لم تدم أكثر من يومٍ واحد/ مواقع التواصل

كثيرة هي الحروب أو المعارك التي عرفتها البشرية على مرّ التاريخ، وتفاوتت أسبابها بين سياسية ودينية واقتصادية. حروبٌ دامية أزهقت ملايين الأرواح، ومنها ما استمرّ لسنواتٍ وعقودٍ، وحتى قرونٍ طويلة. 

وفي غضون ذلك، دائماً ما تكون هناك أسباب غير مباشرة كانت بمثابة الفتيل الذي أشعل شرارة الحرب. 

ومع أن الأسباب المباشرة عادةً ما تكون مهمة لإقناع الناس بالالتحاق في المعارك، مثل الأيديولوجيات والاختلافات الدينية أو الأزمات الدبلوماسية، إلا أنه -وفي بعض الأحيان- اندلعت حروب لأسبابٍ لن تصدّق تفاهتها. 

هل سمعتم يوماً عن الحرب التي اندلعت بسبب "دلو"؟ نعم هذا صحيح! 

دلو خشبي، ليس له أي رمزية تاريخية أو اجتماعية أو إنسانية، تسبّب في إطلاق شرارة حربٍ راح ضحيتها نحو ألفي شخص. حدث ذلك في العام 1325 بين مدينتين من أكثر المدن المتنافسة في إيطاليا بالعصور الوسطى: بولونيا ومودينا.

حجر أساس حرب الدلو وُضع قبل قرنين

لم تكن إيطاليا في العصور الوسطى بلداً موحداً بالشكل الذي نعرفه اليوم، ولم تتحد بالكامل حتى العام 1871. فقد كانت مقسّمة إلى مدنٍ ودوقيات وممالك، تخضع كلّ واحدةٍ منها إلى حُكمٍ ذاتي ومستقلّ، وقد تميزت كلّ منها بتقاليدها ولغتها وسياستها الخاصة.

ونظراً لوجود هذا الكم الهائل من الاختلافات، لم يكن غريباً على المقاطعات الإيطالية أن تخوض صراعاتٍ ضدّ بعضها البعض، لا شك أن أغربها على الإطلاق كانت تلك الحرب المعروفة باسم "حرب الدلو الخشبي".

يمكن القول إن حجر الأساس لحرب الدلو الخشبي كان قد وُضِعَ قبل قرنين من بداية المعركة. ووفقاً لموقع War History Online الأمريكي، فإن ملك ألمانيا فريدريك بارباروسا، الإمبراطور الروماني المقدس، قرر أن يصبح ملكاً على إيطاليا في العام 1154. 

أعلن بارباروسا أنه ممثل الله المختار على الأرض، الأمر الذي أدخله في خلافٍ كبير مع الطليان، الذين جادلوا بأن البابا هو من منحه لقب الإمبراطور الروماني المقدس، ما يعني أن البابا هو ممثل الله المختار.

ورغم أن البابا كان بالفعل المسؤول الأول عن منح التقدير الروحاني لحكام أوروبا المسيحيين، فإن ردّ بارباروسا على مزاعم الطليان جاء عبر احتلال مدن ميلان، وتورتونا، وبافيا، وبولونيا، وتوسكانا.

واصل بارباروسا حصاره على إيطاليا بعد فشل المحادثات مع البابا ألكسندر الثالث، حتى هُزِمَ على يد الرابطة اللومباردية الموالية للبابا، في معركة لينيانو عام 1176. فعاد إلى ألمانيا من بعدها تاركاً هدية وداعٍ لإيطاليا، تمثلت في الانقسام السياسي الكبير بين مدنها طيلة قرون، ليكون بمثابة الشرارة التي أشعلت حرب الدلو العجيبة عام 1325.

بارباروسا/ Getty Images
بارباروسا/ Getty Images

كيف بدأت حرب الدلو؟

بعدما رفع بارباروسا حصاره عن إيطاليا، برز صراع حاد بين الغويلفيين والغيبلينيين؛ وهما فصيلان متعارضان: الأول موالٍ للبابا، والثاني مؤيد للإمبراطور الروماني. وقد أدى هذا الانقسام السياسي إلى ظهور الاستياء والتنافسات بين المدن الإيطالية، مما جعل المناوشات والنزاعات واقعاً مألوفاً طيلة القرون التي أعقبت حقبة بارباروسا.

خضعت مدينة بولونيا لهيمنة الغويلفيين الموالين للبابا، بينما كانت غالبية سكان مودينا تنتمي إلى الغيبلينيين الموالين للإمبراطور. وأسفر هذا التنافس الكبير بين المدينتين عن غاراتٍ متبادلة طيلة سنوات، حتى فاض الإناء بما فيه. 

وفي إحدى ليالي عام 1325، تسلل عددٌ من جنود مودينا إلى داخل جدران مدينة بولونيا وعثروا هناك على دلوٍ خشبي في بئرٍ عامة، فقرروا مصادرة الدلو والخروج به من المدينة وهم سعداء بانتصارهم.

بمجرد اكتشاف الدلو المفقود، ثارت ثائرة سكان بولونيا وبدأوا يطالبون بإعادته. لكن سكان مودينا لم يرضخوا لطلب بولونيا، فشعر سكانها بالغيظ، ما دفعهم لإعلان الحرب الشاملة ضد مودينا. وبدأت حرب الدلو في تلك اللحظة.

مودينا كانت الطرف الأضعف في حرب الدلو، فمواردها وقواتها أقلّ من بولونيا بكثير. وفي حين حشدت بولونيا أكثر من 32 ألف جندي، لم تحشد مودينا سوى 7 آلاف فقط.

منطقة إيميليا-رومانيا حيث وقعت حرب الدلو/ وكيبيديا
منطقة إيميليا-رومانيا حيث وقعت حرب الدلو/ وكيبيديا

طلبت بولونيا دعم الوحدات العسكرية لمدن الغويلفيين الشمالية الأخرى، كما تمكنت من إقناع البابا بالوقوف في صفها ودعمها بشكلٍ مباشر ونشط؛ حيث أعلن البابا يوحنا الثاني والعشرون أن كبير قضاة مودينا من المهرطقين، وتقدّم لقيادة جيشٍ من المشاة ضدّ مودينا.

بدا ظاهرياً أن جنود مودينا في طريقهم نحو هزيمةٍ حتمية على يد جيش بولونيا وحلفائها، لكنها كانت تحظى بأفضليةٍ بارزة تتمثل في الجنود الألمان المدرّبين على أعلى مستوى ضمن صفوف جيشها، بفضل دعم الغيبلينيين في مودينا للإمبراطور الروماني المقدس (الذي كان ألمانياً). 

وربما كان جيش بولونيا أكبر عدداً وعتاداً من الناحية العملية، لكن قواته تألفت من ميليشيات غير مجهّزة ومدرّبة في الأغلب.

ووقعت المواجهة بين مودينا، بجنودها الأكثر خبرة، وبين بولونيا خارج مدينة زابولينو. فنجحت قوات مودينا في التفوق على جنود بولونيا سريعاً، نتيجة حالة الفوضى وانعدام التنظيم التي ضربت صفوف جنود بولونيا. 

لم تدم هذه المعركة سوى يوم واحد، وأسفرت عن مقتل نحو 2000 جندي من كلا الطرفين. فضلاً عن ذلك، أُجبرت بولونيا على الانسحاب بعدما لم تتمكن قواتها من تحقيق النصر رغم تفوقها العددي، لتتلقى بذلك إهانة ثانية. 

وتزامناً مع ذلك، ذكر موقع ati الأمريكي أن سكان مودينا واصلوا التهكُّم على سكان بولونيا بتنظيم المباريات العشارية الساخرة حول أسوار مدينتهم، وتقول الروايات إنهم سرقوا دلواً ثانياً على سبيل الاحتياط.

الدلو المتنازع عليه/ وكيبيديا
الدلو المتنازع عليه/ وكيبيديا

التداعيات طويلة الأمد للحرب العجيبة

لا شك أن حرب الدلو كانت تتعلق بما هو أكثر من ذلك، ولم يكن الدلو سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، ويرجح بعض المؤرخين أن قصة سرقة الدلو هي اختراع بولوني للهجوم على مودينا. 

والحرب بين المدينتين استمرت حتى يناير/كانون الثاني 1326، عندما جرى توقيع هدنةٍ بين الخصمين لتسوية الأمور مؤقتاً. لكن الصراع بين الغويلفيين والغيبلينيين استمرّ لقرنين بعدها، حتى تعرضت إيطاليا للغزو من شارل الأول، ملك إسبانيا عام 1529.

لكن دلو بولونيا لم يعد إلى مدينته مطلقاً. فقد استعرض سكان مودينا الدلو بكل فخرٍ في برج الناقوس (برج جيرلاندينا) داخل كاتدرائية المدينة، لمجرد دغدغة مشاعر البولونيين. ولا يزال الدلو معروضاً هناك حتى يومنا هذا. 

لكن الدلو المعلّق على البرج الآن هو نسخة طبق الأصل عن الحقيقي، بينما يُعرض الدلو الحقيقي داخل متحف قصر بلدية سان جيمنيانو. وحتى بعد مضي 700 عام، لا يزال هذا الدلو سبباً للمشاكسات المرحة بين المدينتين.

تحميل المزيد