منذ سبعينيات القرن الـ19، كان لدى العسكريين الألمان اهتمام خاص حول ما العمل إذا ما وجدت ألمانيا نفسها في حالة حرب مع كل من فرنسا وروسيا، كانوا يرون أن ساعتها ستصبح حرب بلادهم على جبهتين، مما يجبر برلين على تقسيم مواردها وزيادة مخاطر انهزامها، لذلك كانت استراتيجيتهم المفضلة هي التخلص من أحدهما بسرعة قبل التعامل مع الآخر.
لكنّ ذلك الأمر كان حينها صعباً، فقد شيّد الفرنسيون سلسلة من الحصون والدفاعات على طول حدودهم الشرقية مع ألمانيا. جعلت هذه التحصينات أي غزو ألماني لفرنسا خياراً صعباً. بحيث يستغرق أسابيع إن لم يكن شهوراً وربما ينطوي على خسائر كبيرة، لذلك لجأ الألمان إلى خطة شليفن كحلٍّ لهذه المشكلة.
خطة شليفن حين أراد جنرال ألماني هزيمة فرنسا وروسيا في 40 يوماً
في عام 1905، كان شليفن رئيساً لهيئة الأركان العامة الألمانية، حينها كانت أوروبا قد انقسمت فعلياً إلى معسكرين، ألمانيا والنمسا وإيطاليا (التحالف الثلاثي) من جانب، وبريطانيا وفرنسا وروسيا (الوفاق الثلاثي) من ناحية أخرى.
كان شليفن يعتقد أن المنطقة الأكثر حسماً لأي حرب مستقبلية في أوروبا ستكون في القطاع الغربي، وحدّد شليفن على الخريطة فرنسا على أنها أخطر خصم لألمانيا.
أشار شليفن إلى أن روسيا تفتقر إلى نظام سكك حديدية كافٍ، وبالتالي ستستغرق التعبئة الكاملة للقوات الروسية عدة أسابيع، ربما تصل إلى ثلاثة أو أربعة أشهر، لذا فإنّ أي قتال محتمل على الحدود الروسية الألمانية يمكن أن يتعامل معه الألمان لبضعة أسابيع.
وضع شليفن نصب عينيه إيجاد طريقة لغزو فرنسا والاستيلاء على باريس وإجبار الفرنسيين على الاستسلام بغضون شهرين. بعد ذلك، يمكن لألمانيا أن تحول اهتمامها الكامل إلى روسيا.
خلص شليفن إلى أن الهجوم المفاجئ القوي والناجح ضد فرنسا سيكون كافياً لتأجيل دخول بريطانيا في الحرب، وهذا من شأنه أن يتيح لألمانيا الوقت لنقل الجنود الذين كانوا يقاتلون في الحملة الفرنسية الناجحة إلى روسيا لمواجهة الروس.
خطط شليفن أيضاً للهجوم على فرنسا عبر بلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا. كانت هذه الدول محايدة وتفتقر إلى قوات عسكرية كبيرة ولها حدود غير محمية إلى حد كبير مع فرنسا.
كانت بلجيكا قد أعلنت حيادها من قبل بريطانيا في عام 1839، لذلك اعتمدت خطة شليفن للنجاح على عدم دعم بريطانيا لبلجيكا.
بمجرد الوصول إلى شمال فرنسا، كانت أربع جيوش من القوات الألمانية تكتسح الجنوب الغربي وتهبط باتجاه باريس، حينها تكون معظم القوات الفرنسية متمركزة على طول الحدود الألمانية، لذلك سيتم تطويقها ومحاصرتها وإجبارها على الاستسلام.
توقع شليفن ومساعدوه أن هذه الخطة يمكن أن تؤدي إلى نصر ألماني في أقل من 40 يوماً.
لماذا فشلت خطة شليفن في تحقيق النصر لألمانيا؟
تم تبني خطة شليفن من قبل الجنرال الألماني هيلموت فون مولتك، رئيس الأركان العامة الألمانية، بعد جدلٍ أثير حولها داخل القيادة الألمانية، إذ لم تلقَ الخطة دعماً من القيادة العليا الألمانية، فقد كان يعتقد بعض العسكريين أن غزو الدول المحايدة ينطوي على مخاطر، ومن المرجح أن يجتذب دولاً أخرى إلى الحرب، كما تطلبت خطة شليفن أيضاً عدداً هائلاً من الجنود والمعدّات، لذلك اعتبر الكثيرون منهم أنه من الإسراف المشي في الخطة.
مع ذلك، عندما اندلعت الحرب في عام 1914، تمسّك مولتك بخطة شليفن مع إجراء بعض التعديلات المهمة عليها، بما في ذلك تقليل القوات الألمانية التي تشكل الهجوم السريع في فرنسا والغزو عبر بلجيكا، مع إخراج هولندا من الخطة.
في أغسطس/آب 1914، دخلت القوات الألمانية بلجيكا، تماشياً مع نسخة فون مولتك المعدلة من خطة شليفن، رفضت بلجيكا مرور الألمان عبرها وحاربت الجنود الألمان القادمين.
علاوة على ذلك، أدى انتهاك الأراضي المحايدة لبلجيكا إلى دفع إنجلترا إلى الحرب منذ أن وعدت بالدفاع عن بلجيكا بموجب معاهدة لندن لعام 1839.
بعد مواجهة مقاومة شرسة في بلجيكا، ومع وجود جنود من الإمبراطورية البريطانية في القتال إلى جانب فرنسا، تباطأ الهجوم الألماني السريع المخطط له.
من جهة ثانية، كانت استجابة روسيا أسرع مما افترض شليفن في خطته، إذ أثبتت موسكو أيضاً أنها أكثر مهارة في تعبئة جيشها مما توقعه القادة العسكريون الألمان، بحيث تمكنت روسيا من مهاجمة شرق بروسيا في غضون 10 أيام في أغسطس /آب 1914 وليس ستة أسابيع كما افترض شليفن.
كانت خطة شليفن من الناحية العسكرية ناجحة جزئياً، لأنها تجاوزت الحدود الفرنسية شديدة التحصين وسمحت ببعض الاختراق السريع إلى فرنسا.
في غضون شهر، وصلت الفرق الألمانية إلى نهر مارن، شمال شرق باريس، لكنهم وصلوا في الحقيقة مرهقين من الاشتباكات على طول الطريق.
على الجبهة الشرقية، تمكن الروس من شن هجوم ضد ألمانيا أسرع مما كان متوقعاً، استغل الفرنسيون ذلك بتنظيم وتحريك قواتهم بسرعة، ليتوقف التقدم الألماني في نهاية المطاف في معركة مارن التي استمرت أسبوعاً كاملاً في سبتمبر/أيلول 1914.
أدى هذا الفشل إلى استمرار حرب الخنادق على الجبهة الغربية، خصوصاً في تلك المعارك المروعة من الاستنزاف، مثل معركة السوم ومعركة فردان، حيث فاق عدد قوات الحلفاء في النهاية عدد الألمان.
وبالرغم من فشلها في الحرب العالمية الأولى، حاول الزعيم النازي أدولف هتلر تطبيق خطة شليفن مرة أخرى في الحرب العالمية الثانية، قبل أن يتراجع في آخر لحظة.