في الصباح الباكر من يوم 30 يونيو/حزيران 1908، وقع انفجار هائل فوق منطقة سيبيريا الروسية. قطع صوت الانفجار السكون الطبيعي لمنطقة غابات الصنوبر، وتسبّب في دمارٍ هائل، لدرجة أنه سوَّى الأرض بغابة تبلغ مساحتها 2150 كيلومتراً مربعاً، وذلك بعد أن قطع 80 مليون شجرة في رمشة عين.
علاوة على ذلك، حطمت موجة الصدمة القوية النوافذ على بعد مئات الكيلومترات وجعلت نفس المساحة خاليةً من السكان، كما سجلت محطات أرصاد جوية مختلفة في أوروبا موجات زلزالية وضغطية، وفي الأيام التي تلت الانفجار لوحظت ظواهر جوية غريبة، مثل غيومٍ متوهجة فضية اللون، وغروب شمس ملون، وتألق غريب في الليل.
أفاد شهود عيان بأنهم رأوا لحظة الانفجار، كرة نارية ذات ضوء مُزرقٍ وساطع مثل الشمس تتحرك عبر السماء، في حين قال آخرون إنّ وميضاً وصوتاً مشابهاً لنيران المدفعية تبع ذلك المشهد الغريب.
أفادت الصحف الروسية بعدها عن اصطدامٍ نيزكي على أساس روايات شهود العيان وفرضية الدكتور أركادي فوزنيسينسكي (1864-1936)، مدير مرصد الأرصاد الجوية في إيركوتسك من عام 1895 إلى عام 1917.
في وقتٍ تكهنت فيه الصحف العالمية حينها بحدوث انفجار بركاني محتمَل، شبيه بثوران بركان كراكاتوا عام 1883.
ومع ذلك، مرت عقود طويلة دون أن يتمكن أي شخص من تفسير الحدث.
اصطدام نيزكي.. الفرضية الأولى لتفسير حدث تونغوسكا
بعد 13 عاماً من حدوث حدث تونغوسكا، أصبح عالم المعادن الروسي ليونيد أليكسجويتش كوليك (1883-1942) مهتماً بدراسة الظاهرة، إذ كان يحدوه الأمل في استعادة المعادن الثمينة المفترضة من النيزك الذي كان يعتقد أنه سببٌ في الانفجار.
سافر كوليك إلى مدينة كانسك، حيث اكتشف تقارير أخرى في الأرشيفات المحلية، تشير معظمها إلى رواية اصطدام نيزكي.
في مارس/آذار 1927، وصل كوليك إلى موقع وانوارا، ثم في 13 أبريل/نيسان، اكتشف كوليك مساحة كبيرة تبلغ 2150 كيلومتراً مربعاً مغطاة بجذوع الأشجار المتعفنة، ولم يبقَ منها أي شجرة تقريباً، كانت تلك المنطقة هي غابة تونغوسكا.
على الرغم من المسح المكثف، لم يحدد كوليك وفريقه حفرة واحدة كبيرة التأثير كما هو متوقع، ولكنهم وجدوا بعض الحفر الدائرية التي فُسرت على أنها حفر تصادم للشظايا، ومع ذلك، لم يتم اكتشاف أي مادة نيزكية في منطقة الدراسة بأكملها.
في خريف عام 1927، قام كوليك بنشر تقرير أولي عن رحلته الاستكشافية إلى غابة تونغوسكا في العديد من الصحف الروسية والعالمية، ومن حينها أصبحت الغابة المدمرة مشهورة في العالم، وأصبح الانفجار معروفاً باسم "حدث تونغوسكا".
صاغ كوليك إحدى الفرضيات الأولى لشرح الظاهرة، حيث اقترح أن مادة صلبة انفجرت بالفعل في الغلاف الجوي، ما تسبب في الانفجار والدمار المرصود.
فشلت الرحلات الاستكشافية اللاحقة عام 1929 في العثور على مواد من خارج كوكب الأرض.
فرضيات أخرى لتفسير حدث تونغوسكا
في عام 1934 اقترح علماء سوفييت تبايناً في فرضية النيزك، يتكون المذنب في الغالب من الجليد، وسوف يتبخر بالكامل في انفجار في الغلاف الجوي.
أدى عدم وجود دليل مباشر إلى ظهور العديد من التكهنات والافتراضات الجادة إلى حدّ ما: صاغ المهندس ألكسندر كاسانتسوز بين عامي 1945 و1959، استناداً إلى الانطباع الذي تركته القنابل الذرية الأولى، وهو تفسير غير عادي يتضمن انفجاراً نووياً من أصل محتمل خارج كوكب الأرض.
ونشر علماء الفيزياء الأمريكيون عام 1973 في مجلة نيتشر، فرضية لا تقلّ غرابة، إذ قال هؤلاء إن ثقباً أسود صغيراً اصطدم بالأرض، ما تسبب في حدوث نوع من انفجار المادة والمادة المضادة.
واقترح كلٌّ من الفيزيائي الفلكي الألماني، فولفغانغ كوندت وجيسون فيبس مورغان، من جامعة كورنيل في إيثاكا وباولا فانوتشي من جامعة فلورنسا في السنوات الأخيرة فرضية حدوث انفجار بركاني "فيرنشوتس".
وفقاً للفرضية تلك، فإنّ المناطق ذات القشرة الأرضية السميكة أو المكونة من صخور مقاومة مثل منطقة تونغوسكا المغطاة ببازلت تميل إلى زيادة الضغط في عمقها حتى يتشقق الغطاء إلى أجزاء، وتتسرب الغازات الساخنة إلى الغلاف الجوي مسببة انفجاراً هائلاً.
في عام 2007، اقترح الباحث لوكا جاسبريني وفريقه البحثي من جامعة بولونيا بحيرة صغيرة كفوهة تصادم محتملة لجزء من النيزك الذي تسبب في الانفجار.
هذه البحيرة كانت بحيرة Cheko التي كانت عميقة بشكل غير عادي بالنسبة لمنطقة تكونت نتيجة ذوبان التربة الصقيعية، ومن الواضح أنه لم يتم الإبلاغ عن البحيرة سابقاً في عام 1908.
انفجار تونغوسكا هو الأكبر في التاريخ
كان أحد الجوانب الغامضة لانفجار تونغوسكا هو أنه لم يعثر أحد على فوهة بركان، ولكن حتى دون فوهة البركان، ما زال العلماء يصنفونها على أنها حادث اصطدامي.
امّا اليوم فأغلب العلماء يعتقدون أن الجسم المتسبب في حدث تونغوسكا لم يضرب الأرض أبداً، بل انفجر في الغلاف الجوي، ما تسبب في ما يُعرف باسم انفجار الهواء، كان هذا النوع من الانفجار الجوي كافياً لإحداث أضرار جسيمة في الغابة الكبيرة في المنطقة.
قرر العلماء أن الجسم الذي تسبّب في حادثة تونغوسكا، كان على الأرجح كويكباً صخرياً بحجم مبنى مكون من 25 طابقاً.
كان الكويكب يسافر بسرعة حوالي 54 ألف كيلومتر في الساعة، وانفجر على ارتفاع 5 إلى 10 كم فوق سطح الأرض.
ناسا تعمل على الاستعداد لعدم تكرار حدث تونغوسكا من جديد
في الواقع، تكرر حدث تونغوسكا بشكل أساسي مرة أخرى، لكن هذه المرة كان على نطاق أصغر، ففي 15 فبراير/شباط 2013، بعد 105 أعوامٍ عن حادثة تونغوسكا، حدث انفجار جوي مماثل، وإن كان أصغر فوق مدينة تشيليابينسك الروسية.
قدم حدث تشيليابينسك أدلة حيوية حول ما حدث خلال حدث تونغوسكا، كما أوضحت ناسا، وصلت أدلة جديدة للمساعدة في حل لغز تونغوسكا.
في عام 2019، نشر العلماء بحثاً جديداً حول حدث تونغوسكا في سلسلة من الأوراق في عدد خاص من مجلة Icarus. وقد ألهم البحث ورشة عمل عقدت في مركز أبحاث أميس التابع لناسا في وادي السيليكون، وبرعاية مكتب تنسيق الدفاع الكوكبي التابع لـ"ناسا".
كان موضوع ورشة العمل هو إعادة فحص الحالة الباردة الفلكية لحدث تأثير تونغوسكا عام 1908.
في العقود الأخيرة، وبسبب حدث تونغوسكا، وتأثيرات أخرى أصغر، توصل علماء الفلك إلى أخذ احتمالية حدوث تأثيرات كارثية للمذنبات والكويكبات على محمل الجد.
وبات لدى "ناسا" الآن برامج لمراقبة الأجسام القريبة من الأرض (NEOs)، ويناقش علماء "ناسا" في اجتماعات منتظمة ما يمكن أن يحدث إذا وُجد جسم كبير في مسار تصادم مع الأرض.
كما تعمل "ناسا" على مهمتين فضائيتين للوقاية كوكب الأرض من كارثة شبيهة بحدث تونغوسكا، وذلك من خلال إطلاقها مهمة DART التابعة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021. والتي اصطدمت بقمر ديديموس الصغير بين 26 سبتمبر/أيلول و1 أكتوبر/تشرين الأوّل 2022، لاختبار كيف يمكن دفع جسم في الفضاء، وتغيير مساره.