شهدت أكبر عملية استسلام في تاريخه.. ” باتان” أول معركة برية للجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية

تم النشر: 2022/11/10 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/10 الساعة 12:47 بتوقيت غرينتش
توفي حوالي 26 ألف جندي فلبيني وحوالي 1500 أمريكي بسبب الجوع والمرض بعد مسيرة باتان الموت /wikipedia commons

كانت الفلبين ملكية استعمارية للإسبان بداية من عام 1521، وظلت في حيازة إسبانيا حتى عام 1898، وهو العام الذي انتصرت فيه الولايات المتحدة في الحرب الإسبانية الأمريكية.

في تلك الأثناء قاتل العديد من الفلبينيين جنباً إلى جنب مع قوات الأمريكية، معتقدين أنه عندما تنتهي الحرب، ستمنح لهم الولايات المتحدة الاستقلال، لكن لسوء حظ الفلبينيين أن ذلك لم يحدث.

انتهى الأمر بشراء الولايات المتحدة الأمريكية مستعمرة الفلبين من الإسبان كجزء من تسوية تلك الحرب، لتصبح بعدها الفلبين مستعمرة أمريكية.

بحسب موسوعة الحرب العالمية الثانية، كان هناك فلبينيون استمروا في القتال ضد الولايات المتحدة في فترة طويلة من القرن العشرين، في محاولة منهم للضغط على أمريكا من أجل الحصول على استقلالهم كدولة حرة وذات سيادة، وفي الوقت ذاته، كان هناك فلبينيون آخرون استفادوا من بعض البرامج التي أنشأتها الولايات المتحدة في مستعمرتها بالفلبين.

من بين الخدمات التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للفلبيين الموالين لها، السماح لهم بالعمل في أمريكا، كما سمحت بتأسيس الكشافة الفلبينية في عام 1901، ومنحت الفلبينيين الفرصة للمساعدة في حماية والدفاع عن الفلبين والولايات المتحدة في المحيط الهادئ.

 وقد سمح هذا أيضاً للفلبينيين بالانضمام إلى الجيش الأمريكي، وهو الأمر الذي كان يمثل مشكلة كبيرة لبعض الفلبينيين الذين رأوا أنفسهم أمريكيين وجزءًا من الولايات المتحدة، وليس مجرد مستعمرة أمريكية، وخلال عام 1920 أصبحت الكشافة الفلبينية رسمياً جزءاً من الجيش الأمريكي.

معركة باتان
قام الجنود الفلبيين بالتحالف مع الجيش الأمريكي ضد اليابان /wikipedia commons

بحلول عام 1941 وقبل أن تدخل الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية رسمياً، خضع منتسبو الكشافة الفلبينية لعدد من التدريبات المكثفة للغاية وكان يُنظر إليهم على أنهم وحدة عسكرية رفيعة المستوى ومدربة تدريباً عالياً.

كانت الكشافة الفلبينية تحظى باحترام كبير في الفلبين ومن قبل الجيش الأمريكي، ما جعلها تلعب دوراً مهماً في أمن المحيط الهادئ والدفاع عنه خلال الحرب العالمية الثانية.

في يوليو/تموز 1941 تم إنشاء قوات الجيش الأمريكي في الشرق الأقصى (USAFFE)، والتي كانت تتألف غالبيتها من الفلبينيين، إذ كان عددهم في ذلك الجيش حوالي 100 ألف جندي إضافةً إلى 22 ألف جندي أمريكي.

بعد بيرل هاربر.. اليابان تغزو الفلبين انتقاماً من الأمريكيين

كان خليج مانيلا بالفلبين أحد أفضل موانئ المياه العميقة في المحيط الهادئ، وكان بالنسبة لليابانيين نقطة إمداد مثالية لغزوهم المخطط لجنوب المحيط الهادئ.

بمجرد دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية بعد معركة بيرل هاربر، تم تكليف USAFFE بالرد على اليابانيين وتأخير الهجوم الياباني عند مصب خليج مانيلا. 

بعد ساعات من هجومهم في 7 ديسمبر/كانون الأول 1941، على القاعدة البحرية الأمريكية في بيرل هاربر، بدأ الجيش الياباني في شنّ هجومه على الفلبين.

بحسب الموسوعة البريطانية، شرعت الطائرات اليابانية في قصف المطارات والقواعد والموانئ وأحواض بناء السفن، ركزت القوات اليابانية على تحييد طائرات الولايات المتحدة ومطاراتها في لوزون، مع وصول فرق عمل يابانية إلى لوزون في 10 ديسمبر/كانون الأوّل.

معركة باتان
نجح الجيش الأمريكي والفلبيني في الصمود 99 يوماً أمام اليابانييفي معركة باتان /wikipedia commons

بحلول 13 ديسمبر/كانون الأول، تم تدمير جميع طائرات القوات الجوية والبحرية التابعة للجيش الأمريكي تقريباً في الفلبين، وسحب اللواء لويس إتش بريريتون الذي كان قائداً لسلاح الجو في جيش الشرق الأقصى، قاذفاته الثقيلة المتبقية من طراز B-17 إلى داروين الأسترالية، وذلك حسب ما ورد في تقرير لـ thestrategybridge.

بعد الهجمات الأولية للجيش الياباني على خليج مانيلا، صرح الجنرال دوجلاس ماك آرثر، القائد الأعلى لجميع قوات الحلفاء في المحيط الهادئ، في برقية أرسلها إلى قيادته في واشنطن، أنه مستعد لصد قوة الغزو الرئيسية لليابان بـ 130 ألف جندي خاص به.

كان ادعاء ماك آرثر في الحقيقة واهماً، فقد كانت قواته تتكون من عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الفلبينيين غير المدربين والمجهزين بشكل جيد، ونحو 22 ألف جندي أمريكي الذين ليس لديهم خبرة قتالية.

نجح الجيش الياباني في التغلب بسرعة على القوات الأمريكية والفلبينية، الأمر الذي دفع الجنرال ماك آرثر إلى الانسحاب إلى شبه جزيرة باتان.

معركة باتان.. النقطة السوداء في تاريخ الجيش الأمريكي

كانت شبه جزيرة باتان تشبه الإبهام على الساحل الغربي الأوسط لجزيرة لوزون، عبر الخليج من مانيلا، يبلغ طولها حوالي 48 كم وعرضها 24 كم، مع مجموعة من الجبال في المنتصف.

في 6 يناير/كانون الثاني 1942، بدأت معركة باتان، بحصار البحرية اليابانية باتان وكوريجي دور المجاورة، ما منع أي طعام أو ذخيرة أو دواء من الوصول إلى القوات الأمريكية.

كان الجنرال ماك آرثر قد خطط بشكل سيئ للانسحاب إلى جزيرة باتان وترك وراءه أطناناً من الأرز والذخيرة.

رأى الجنرال ماك آرثر أن خطته تقضي بضرورة الاحتفاظ بشبه جزيرة باتان وجزيرة كوريجي دور في الفلبين حتى تتمكن قواته البحرية من جلب التعزيزات والإمدادات من الولايات المتحدة، وبمجرد وصول تلك التعزيزات، سيهاجم الشمال من باتان، ويهزم الجيش الياباني، ويندفع قدماً إلى الجزر اليابانية وينتصر في النهاية. 

لذلك كان الجنرال ماك أرثر يعد الفلبينيين بأنه سيكون هناك المزيد من القوات والطائرات والإمدادات القادمة لمساعدتهم، وما عليهم سوى الصمود.

معركة باتان
نصب تذكاري يخلد ضحايا معركة باتان / shutterstock.

لكن لسوء الحظ، لم تتحقق هذه الوعود أبداً، ما ترك الفلبينيين بلا حماية إلى حد كبير في أعقاب هجوم اليابانيين على باتان.

ولأسابيع طويلة، عاشت القوات الأمريكية والفلبينية في باتان على نصف حصة غذائية، وبحلول أبريل/نيسان 1942 فقد العديد من الجنود ما يصل إلى 30% من وزن أجسامهم.

مع نفاد الإمدادات الطبية، دمرت الملاريا والدوسنتاريا والأمراض المدارية الأخرى صفوف القوات الأمريكية والفلبينية، كان الجنود الذين سلموا من المرض والجوع عبارة عن رجال لا يستطيعون المشي مسافة 100 ياردة دون ارتباك.

ومع ذلك، صمدت قوات الحلفاء من الفلبينيين والأمريكيين لمدة 99 يوماً. على الرغم من استسلامهم في نهاية المطاف في 9 أبريل/نيسان 1942.

كان حصار باتان أول معركة برية كبرى للأمريكيين فى الحرب العالمية الثانية، وواحدة من أكثر الهزائم العسكرية تدميراً في التاريخ الأمريكي.

كانت القوة الموجودة في باتان، والتي يبلغ تعدادها 76 ألف جندي فلبيني وأمريكي، هي أكبر جيش يخضع للقيادة الأمريكية يستسلم على الإطلاق في تاريخ الجيش الأمريكي.

مسيرة باتان الموت.. حين أجبر اليابانيون الجيش الأمريكي على السير على طريق الموت

بعد ثلاثة أشهر من بدء معركة باتان، بدأت مسيرة باتان الموت، ما أجبر 76 ألف جندي فلبيني وأمريكي على الخروج في مسيرة عبر الفلبين.

في البداية تفاجأ اليابانيون من حجم الجيش الذي تم أسره، فقد كانوا يعتقدون أن هناك حوالي 25 ألف جندي من الحلفاء فقط، وليس 76 ألفاً، لذلك قاموا بتقسيم جيش الحلفاء إلى مجموعات أصغر من 100 إلى 1000 رجل، وأخذوا أسلحتهم وأمروهم بالبدء في المسيرة.

أُجبر السجناء الأمريكيون والفلبينيون على السير إلى سان فرناندو، على بعد 60 كيلومتراً في المناطق الاستوائية لنقلهم إلى معسكر أودونيل، مع تحمل الحرارة والرطوبة والأمطار، ودون رعاية طبية كافية.

استمرت المسيرة ستة أيام، ولا أحد متأكداً من عدد الجنود الذين لقوا حتفهم على طول الطريق، لكن حجم التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى يتراوح بين 5 آلاف و10 آلاف.

معركة باتان
توفي حوالي 26 ألف جندي فلبيني وحوالي 1500 أمريكي بسبب الجوع والمرض في معسكر أودونيل بعد معركة باتان /wikipedia commons

بحسب موقع uso الأمريكي والحكومي، عندما وصل الأسرى إلى معسكر أودونيل، كانت الظروف أسوأ. كانت المنشأة عبارة عن معسكر سابق للجيش الفلبيني، تم تصميمه لاستيعاب حوالي 10 آلاف رجل، لكن اليابانيين حشروا 60 ألفاً من الناجين من مسيرة باتان الموت في المعسكر.

كان معدل الوفيات في معسكر أودونيل نتيجة المعاملة السيئة والظروف القاسية نحو 400 رجل في اليوم.

إجمالاً، توفي حوالي 26 ألف جندي فلبيني وحوالي 1500 أمريكي بسبب الجوع والمرض في المعسكر.

حسب trista history، تم إنقاذ السجناء الذين نجوا في أوائل عام 1945 عندما استعاد الحلفاء الفلبين، كما تم إعدام الضابط الياباني المسؤول عن المسيرة، الجنرال ماساهارو هوما، لارتكابه جرائم حرب ضد الإنسانية.

من بين حوالي 22 ألف جندي أمريكي أسرتهم القوات اليابانية في شبه جزيرة باتان، عاد حوالي 15 ألفاً فقط إلى الولايات المتحدة، بمعدل وفيات يزيد على 30%.

تحميل المزيد