تعتبر مليكة الفاسي من أشهر النساء المغربيات في فترة الحماية الفرنسية؛ بسبب دورها الكبير ومساهمتها -رفقة أعضاء الحركة الوطنية، التي كانت تنتمي لها- في استقلال المغرب، فكانت العنصر النسائي الوحيد الذي وقّع على وثيقة المطالبة بالاستقلال عام 1944.
وإضافة إلى دورها السياسي، كانت الفاسي أول مغربية في العصر الحديث تدافع عن قضايا المرأة، وتطالب بحقها في التعليم، كما أنها سلطت الضوء على العديد من القضايا الأخرى، من خلال مقالاتها التي كانت تنشر باسم مستعار، من بينها موضوع الزواج التقليدي.
أول كاتبة صحفية مغربية سلَّطت الضوء على قضايا المرأة
وُلدت مليكة الفاسي في 19 يناير/كانون الثاني سنة 1919، بين أحضان إحدى العائلات العريقة في مدينة فاس، المتواجدة وسط المغرب؛ إذ كان والدها المهدي الفاسي يعمل قاضياً، فيما كرست والدتها وقتها لتربية أطفالها بأحسن طريقة.
كان والد مليكة الفاسي يرى ضرورة تعليم ابنته، كما هو الحال مع إخوتها من الذكور؛ وعياً منه بحقها في التعليم، في الوقت الذي كانت فيه أغلب الفتيات المغربيات غير متعلمات، فكانت بداية تعليمها في كُتَّاب خاص بالفتيات بين 1928 و1930، وبعد ذلك أكملت دراستها على يد أستاذ خاص في المنزل.
كان لنشأتها في أسرة مهتمة بالشأن السياسي المغربي، والدفاع عن القضايا الوطنية، خلال فترة الحماية الفرنسية، دور في جعلها تهتم بالعديد من قضايا بلادها، أهمها المتعلقة بحقوق المرأة، ودورها في المجتمع، بعيداً عن النظرة السائدة، التي تحصر المرأة في الزواج، وتربية الأبناء، والاهتمام بشؤون المنزل.
في سنة 1934، شرعت مليكة الفاسي في كتابة مقالات نُشرت في كل من مجلة "المغرب"، ثم جريدة "العلم" المغربية، وكانت توقِّع مقالاتها باسم مستعار، هو: "باحثة الحضارة"، مقتبسة اسمها المستعار من الكاتبة المصرية ملك حفني ناصف، التي كانت تكتب مقالات باسم "باحثة البادية".
فكانت أغلب مقالات الفاسي تكشف الستار عن وضع المرأة المغربية، وأهمية انخراطها في مختلف المجالات السياسية، فكانت بذلك أول صحفية في المغرب.
لم تحصر نفسها في كتابة المقالات فقط، فقد كانت مليكة الفاسي تكتب القصص، والروايات، والأعمال المسرحية، وأشهرها قصة "الضحية" التي نُشرت سنة 1941، والتي تسلط الضوء على موضوع إجبار النساء على الزواج بالطريقة التقليدية.
دخلت القصر الملكي ونسَّقت بين الحركة الوطنية وملك المغرب
تزوجت مليكة الفاسي، سنة 1934، من ابن عمها محمد غالي الفاسي، الذي كان يشغل منصب أستاذ في إحدى الثانويات في مدينة الرباط، ومؤسس جمعية خاصة للدفاع عن قضايا المغرب ضد الحماية الفرنسية، فزاد اهتمامها ووعيها بالقضايا الوطنية، وضرورة استقلال المغرب.
وفي عام 1937، انضمت الفاسي إلى "كتلة العمل الوطني"، التي ينتمي لها أغلب أفراد عائلتها، والتي كان هدفها مقاومة الاستعمار، فكانت المرأة الوحيدة، ومؤسسة الحركة النسوية داخل الكتلة الوطنية.
وفي 1942، تم تعيين زوجها من طرف ملك المغرب محمد الخامس، في منصب أستاذ بالمدرسة المولوية، وهي المدرسة التي تأسست خلال فترة الحماية الفرنسية داخل القصر الملكي بالرباط، وكانت متخصصة بتدريس الأمراء والأميرات، بعدما حاول الملك المغربي إرسال ابنه الأمير مولاي الحسن إلى فرنسا من أجل التعليم، ولم يتمكن من ذلك بسبب الحرب العالمية الثانية.
وكان تقلُّد زوجها هذا المنصب سبباً في دخول مليكة الفاسي القصر الملكي، فأصبحت علاقتها بالأسرة الملكية مقربة جداً، تحولت إلى درجة الصداقة مع زوجة الملك محمد الخامس، لالة عبلة.
وبسبب الاعتقالات التي طالت أفراداً من كتلة العمل الوطني، أصبح منزل مليكة الفاسي في الرباط عبارة عن مقر سري لعقد اجتماعات المنخرطين في "كتلة العمل الوطني"، وأعضاء من حزب الاستقلال، الذي تم تأسيسه من طرف علال الفاسي، وهو أحد أعضاء الكتلة الوطنية، الذي انشق عنها بسبب خلافات مع مؤسسيها، إضافة إلى محمد الخامس، الذي كان يحضر متخفياً من أجل التنسيق معهم.
كما كانت مليكة الفاسي تدخل القصر الملكي في الرباط، ولقاء الملك، والتنسيق معه باسم الحركة الوطنية، دون إثارة شكوك المستعمر الفرنسي، الذي كان غير مبالٍ بها، أو سبب ترددها على القصر، لكونها امرأة.
وقَّعت على وثيقة الاستقلال وقابلت ملك المغرب قبل نفيه
في عام 1944، تمكنت مليكة الفاسي من ضم اسمها، والتوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال التي كتبت من طرف أعضاء الحركة الوطنية، بالتنسيق مع الملك محمد الخامس، وقدمت إلى سلطات الحماية الفرنسية، والمقيم العام بالمغرب غابرييل بيو، والقنصليين العامين لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
أثار وجود اسم مليكة بين الموقّعين على الوثيقة نوعاً من الجدل، وذلك لكونها امرأة، وأحد أفراد عائلة الفاسي، إذ لم يتوقع أحد من الموقّعين، من بينهم رجال دين، أن يسمح لها أفراد عائلتها بضم اسمها للائحة أسماء الرجال.
وقبل يوم واحد من نفي الملك محمد الخامس من طرف الحماية الفرنسية إلى مدغشقر، وفي تاريخ 19 أغسطس/آب 1953، تمكنت الفاسي من مقابلته، وحصلت على عدة تعليمات منه، من أجل الاستمرار في مقاومة الفرنسيين، إذ كانت آخر من يلتقيه قبل النفي.
وخلال فترة المقاومة المسلحة، التي عُرفت بثورة الملك والشعب، وكانت السبب في عودة الملك محمد الخامس إلى المغرب، كانت مليكة الفاسي مستمرة في مهمتها الخاصة بتعليم المرأة وتوسيع دورها في المجتمع، فتمكنت من فتح فرع خاص بالفتيات داخل جامعة القرويين في فاس، وتنظيم قافلة خاصة بمحاربة الأمية في عدة مدن مغربية، والتي أشرفت عليها بشكل خاص، كما تمكنت من الحصول على رخصة قيادة السيارة سنة 1955.
رفضت الوزارة وعملت على محاربة الأمية
بعد عودة الملك محمد الخامس من المنفى سنة 1955، كانت مليكة الفاسي من بين أفراد الوفد الذي استقبله في المغرب، فتقدم لها بالشكر على ما قامت به خلال فترة غيابه.
وبعد استقلال المغرب، الذي حصل عليه في تاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1956، تم تعيين زوج مليكة الفاسي أول وزير للتعليم في المغرب، فيما قدمت مذكرة للملك محمد الخامس من أجل إعطاء حق التصويت للنساء، والتي قوبلت بالموافقة.
كما أنها أسست، رفقة مجموعة من الحقوقيات من مدينة الرباط، جمعية "مواساة"، التي تهتم بالفقراء، ومرضى السرطان، والمحتاجين وعائلاتهم، بالإضافة إلى قسم خاص بمحاربة الأمية، ودار للأيتام تضم 120 فتاة. وتعتبر هذه الجمعية واحدة من أولى الجمعيات التي تم اختيارها للحصول على منحة من هيئة المؤسسات الوطنية التي أنشأها جلالة الملك محمد السادس، وحصلت على منصب رئيسة لها سنة 1962.
وبعد حصول زوجها على منصب وزير التعليم، اقترح ملك المغرب تنصيبها وزيرة للشؤون الإجتماعية، إلا أنها رفضت ذلك، مشيرة إلى رغبتها في العمل بشكل حر، بعيداً عن أي تنصيب حكومي، من الممكن أن يقيد عملها في المجال الخيري، ومحاربة الأمية.
وخلال فترات متفاوتة من الزمن، حصلت على ميدالية اليونسكو على مساهمتها في محاربة الأمية، كما حصلت على ميدالية من الجامعة المغربية للتعليم الأساسي ومكافحة الأمية، إضافة إلى ميدالية من الحكومة الروسية لمساهمتها في الصداقة المغربية – الروسية.
كما حصلت على وسام من درجة قائد من طرف الملك محمد السادس في 11 يناير/كانون الثاني 2005، خلال الذكرى 61 لتقديم وثيقة الاستقلال.
في سنة 2007، اشتد المرض عليها، وفي يوم 17 مايو/أيار من السنة نفسها، توفيت مليكة الفاسي، وتم دفن جثمانها بضريح الحسن الأول بالرباط؛ حيث دفن زوجها محمد الفاسي.