إذا كانت أوروبا تعيش حالياً أزمة طاقةٍ جعلتها غارقة بالتفكير في كيفية قضاء فصل الشتاء البارد، فقد عاشت أمريكا نفس الشعور قبل نصف عقدٍ تقريباً، حين عصفت أزمة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي بالعالم، وذلك على خلفية حرب الدول العربية ضد إسرائيل سنة 1973.
فلم تكن حرب أكتوبر/تشرين الأوّل 1973، بين إسرائيل والعرب محصورة في قناة السويس ومرتفعات الجولان، فتداعياتها طالت الغرب فيما عُرف حينها بـ"أزمة النفط"، إثر قرار منظمة "أوابك" منع تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل.
خلال تلك الحرب، وفي سجال الحرب الباردة، قام الاتحاد السوفييتي بإمداد حلفائه في مصر وسوريا بالسلاح، وردت الولايات المتحدة الأمريكية بجسر جوي ضخم للإمدادات لمساعدة إسرائيل، وذلك حسب bill of rights institute.
وبينما كان القتال لا يزال مستمراً، في 17 أكتوبر/تشرين الأوّل 1973، أرادت المملكة العربية السعودية وأعضاء منظمة البلدان العربية المصدرة للبترول (أوابك)، استخدام ورقة النفط لمعاقبة داعمي إسرائيل، وذلك من خلال الإعلان عن خفض إنتاج النفط بنسبة 5%.
قام الرئيس الأمريكي نيكسون بمعية الكونغرس بتقديم 2.2 مليار دولار إضافية للإسرائيليين في رد على خطوة السعودية بخفض الإنتاج.
أدى ذلك بالسعودية والدول العربية إلى المضي قدماً، وذلك من خلال فرض حظر على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية الداعمة لتل أبيب، وهو القرار الذي تسبب في أول أزمة نفطية في سبعينيات القرن الماضي.
نجح الحظر العربي لتصدير النفط عام 1973، في وضع الاقتصاد الأمريكي في أزمة، مما تسبب في نقص الوقود، وتضاعف أسعار النفط أربع مرات، والطوابير الطويلة في محطات الوقود. واستمر تأثير تلك الأزمة بين الأمريكيين لعقود، فكيف واجهت أمريكا تلك الأزمة؟
أزمة النفط تُجبر أمريكا على إنشاء وزارة للطاقة
بالرغم من رفع الحظر النفطي العربي على أمريكا في شهر مارس/آذار 1974، لكن أسعار النفط ظلت مرتفعة، واستمرت آثار أزمة الطاقة على أمريكا طوال العقد. فبالإضافة إلى ضبط الأسعار وتقنين البنزين، فقد تمّ فرض تسقيف للسرعة، كما تمّ اعتماد التوقيت الصيفي على مدار العام للفترة 1974-1975.
علاوة على ذلك، سعت واشنطن أيضاً إلى إصدار العديد من القوانين التشريعية خلال السبعينيات، تهدف إلى إعادة تعريف علاقة أمريكا بالوقود الأحفوري ومصادر الطاقة الأخرى من أجل الخروج من هذه الأزمة.
في خطاب ألقاه في أبريل/نيسان 1977، اقترح الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إنشاء وزارة الطاقة، وهي إحدى الإصلاحات السياسية العديدة التي أعلن عنها في برنامجه الإنتخابي، والتي تهدف إلى التعامل مع التحدي المتمثل في مشهد الطاقة المتغير بشكل كبير بحسب تقرير لـhistory.
قال الرئيس كارتر في خطابه للأمريكيين: "أزمة الطاقة لم تطغَ علينا بعد، لكنها ستفعل إذا لم نتحرك بسرعة، يحتاج كل من المستهلكين والمنتجين إلى سياسات يمكنهم الاعتماد عليها حتى يتمكنوا من التخطيط للمستقبل. هذا هو أحد أسباب عملي مع الكونغرس لإنشاء وزارة جديدة للطاقة، لتحل محل أكثر من 50 وكالة مختلفة لديها الآن بعض السيطرة على الطاقة".
في وقت لاحق من ذلك العام، وقّع كارتر على قانون تنظيم وزارة الطاقة لعام 1977، وقد وضعت الوكالة الجديدة برامج الطاقة الفيدرالية تحت سقف واحد، و"وفرت إطاراً لخطة طاقة وطنية شاملة ومتوازنة".
في الأول من أكتوبر/تشرين الثاني عام 1977، بدأت وزارة الطاقة في مهامها، وعُيّن وزير الدفاع السابق جيمس شليسنجر على رأس أول إدارة لها.
نجحت هذه الوزارة الجديدة في وضع الحكومة الأمريكية في أفضل وضعٍ لتنسيق سياساتها في مواجهة أزمة الطاقة.
ابتكار نوافذ موفرة للطاقة
بعد تأسيسها في سبعينيات القرن الماضي، قامت وزارة الطاقة الأمريكية حديثة النشأة، بتمويل بحثٍ علميٍ لإنشاء طلاءات نوافذ منخفضة الانبعاثية، والتي توجد الآن في العديد من المباني الزجاجية الشفافة. كان ابتكار طلاءات النوافذ المنخفضة الانبعاثية، استجابة مباشرة لأزمة الطاقة التي عصفت بأمريكا خلال تلك الفترة.
ولتجسيد ذلك الابتكار، قام مصنع لورنس بيركلي، وهو مختبر وطني تابع لوزارة الطاقة بمكتب العلوم الذي تديره جامعة كاليفورنيا، بالتعاون مع صنّاع النوافذ بالعمل من أجل ابتكار نوافذ موفرة للطاقة، وبالفعل نجح المشروع في تحقيق هدفه.
أثبتت النوافذ الجديدة فعاليتها في منع ارتفاع درجة الحرارة في الأماكن المغلقة في الصيف وحبس الحرارة خلال فصل الشتاء.
كانت أكثر من نصف مبيعات النوافذ بالنسبة للاستخدام التجاري، و80%من المبيعات النوافذ الموجهة للاستخدام المنزلي تتضمن طلاءات منخفضة الانبعاث الكربونية.
كانت وزارة الطاقة الأمريكية تعمل من أجل تسويق ابتكارها لمواجهة أزمة الطاقة، وذلك من خلال الترويج بأن التكنولوجيا يمكن أن تقلل من استخدام الطاقة بنسبة تصل إلى 40%.
وفقاً للأكاديمية الأمريكية للعلوم، فإن التحول إلى النوافذ منخفضة الانبعاثات قد وفر للمستهلكين الأمريكيين مليارات الدولارات.
كما كانت هناك مجموعة من التحسينات الأخرى في التكنولوجيا للاستخدام اليومي، مثل التطورات في المصابيح الموفرة للطاقة والمصابيح الكهربائية.
تقشف في استعمال الوقود، ألواح شمسية فوق أسطح البيت الأبيض
أجبرت أزمة الطاقة رؤساء الولايات المتحدة على جعل كفاءة الطاقة والحفاظ عليها من الأولويات الوطنية، وفي عزّ أزمة الطاقة، وبعد شهرين فقط من توليه منصبه، ألقى الرئيس الأمريكي جيرالد فورد، خطاباً أمام الكونغرس في 8 أكتوبر/تشرين الأوّل 1974، حيث وضع خطته للحد من التضخم، والتي أطلق عليها اسم Whip Inflation Now، المعروفة اختصاراً باسم WIN. تضمنت خطابه رسالة للأمريكيين من أجل الحفاظ على الطاقة، إذ قال فورد: "للمساعدة في توفير الوقود الشحيح في أزمة الطاقة، قلل من سيارتك، وقم بتسخين أقل لمحركها".
نفس النهج انتهجه الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، والذي ظهر سنة 1977 على شاشة التلفزيون وهو يرتدي سترة صوفية بجانب مدفأة، وهو يحث الأمريكيين على الحفاظ على منظم الحرارة عند 65 أثناء النهار، و55 في الليل للمساعدة في اقتصاد الغاز الطبيعي في فصل الشتاء.
وفي خطابه في أبريل/نيسان 1977، حذر كارتر من "كارثة قومية" محتملة، ما لم يكن الأمريكيون مستعدين لتقديم تضحيات تتضمن الحد من استهلاك الطاقة، في ذلك الصدد قال كارتر: "باستثناء منع الحرب، هذا هو التحدي الأكبر الذي ستواجهه بلادنا".
اتخذ كارتر أيضاً خطوات رمزية لإظهار التزامه بسياسته لمواجهة أزمة الطاقة في السبعينيات، من خلال قيامه بتركيب الألواح الشمسية على قمة الجناح الغربي للبيت الأبيض في عام 1979.
ففي 20 يونيو 1979، قامت إدارة كارتر بتركيب 32 لوحاً من الألواح الشمسية لاستخدامها في تسخين المياه.
عملت الألواح بشكل مثالي طوال سنوات كارتر المتبقية كرئيس، وكانت قيد الاستخدام حتى عام 1986، عندما اختار الرئيس الجمهوري رونالد ريغان، الذي كان يعارض نظرية أزمة الطاقة والطاقات المتجددة، عدم تركيبها بعد إعادة ترميم سطح البيت الأبيض، بحسب scientific american.