عاشت الجزائر في الفترة الممتدة بين سنتي 1866 و1868 إحدى أقسى الأزمات في تاريخها، إلى درجة أن سُميت تلك الفترة بـ"عام الشر"، فخلالها اجتمعت الكوارث الطبيعية وظروف الاحتلال مع الأوبئة والمجاعات، لتفتك بسدس الجزائريين حينها.
الجراد والأوبئة والزلازل والمجاعات تفتك بالجزائريين في عام الشر
كان عقد الستينيات من القرن التاسع عشر من أصعب السنوات التي مرّت على الجزائريين، وعلاوة على سياسة الأرض المحروقة التي كان ينتهجها الاحتلال الفرنسي، لم ترحم الكوارث الطبيعية الجزائريين.
في سنة 1864، بدأت أسراب الجراد في اجتياح مساحاتٍ واسعة من الجزائر، ليصل هذا الاجتياح إلى قمته مع بداية 1866، حتى أطلق على هذا العام اسم "عام الجراد"، بحسب ما ورد في بحث علمي بعنوان "مجاعة 1866 -1868 في الجزائر من خلال جريدة المبشر الاستعماري".
التهم الجراد في طريقه الأخضر واليابس، وتسبب في إتلاف المحاصيل الزراعية، وبدأت معه مظاهر المجاعة.
لم تقتصر مخاطر الجراد على إتلاف المحاصيل وتفقير الجزائريين، فقد تسبب انتشاره في ظهور بعض الأوبئة مثل الطاعون.
كان انتشار الجراد في السابق مؤشراً على بداية الطاعون، وهو ما حدث مع الجزائريين سنة 1866، فقد تسبب الطاعون في مقتل آلاف الجزائريين في تلك السنة.
كما انتشر وباء الكوليرا بكثافة بداية من سنة 1866، فقد لقي أزيد من 22 ألف جزائري حتفه بسبب وباء الكوليرا في صيف 1867، بحسب أطروحة للدكتوراه بعنوان "تاريخ الطب في الجزائر في ظل الاستعمار الفرنسي".
وزاد انتشار وباء التيفوس في الجزائر خلال تلك الفترة من مصائب الجزائريين، إذ إنه بين سنتي 1866 و1867، أصاب مرض التيفوس نحو 500 ألف شخص، وقد تزامن ذلك مع المجاعة والقحط التي عرفتها الجزائر.
في هذا الصدد يقول صالح العنتري في كتابه "مجاعات قسنطينة"، إنه "في سنة 1866م، ظهر مرض الهواء الأصفر "الكوليرا"، وتلته "الحمى التيفودية"، والتي مات بسببها خلق كبير، كان سببه الجنود الفرنسيين والجزائريين الذين شاركوا في حرب القرم وكان مصدره مرسيليا وأفينيون وباريس، وتزامن هذا الوباء والمجاعة التي عرفتها الجزائر خلال ذلك العام".
وإلى جانب كل ذلك، عادت الطبيعة لتزيد من ثقل كاهل الجزائريين، وذلك بعد أن تعرضت منطقة البليدة وبعض نواحي سهول متيجة إلى زلزال عنيف يوم الثاني من يناير/كانون الثاني 1867، الذي سوى مناطق كثير من الجزائر بالأرض، ودمر ما تبقى من مزارع الجزائريين في سهول متيجة.
وفوق كل ذلك تعرضت الجزائر في سنوات 1866 إلى غاية 1868، إلى موجة جفاف غير مسبوقة، تسببت في مجاعة كبيرة فتكت بمئات الآلاف من الجزائريين.
عام الشر تسبب في قتل سدس الجزائريين
هذه السلسلة من الأزمات الصحية والغذائية والطبيعية التي شهدتها الجزائر منذ ربيع عام 1866، واستمر بعضها لنحو ثلاث سنوات، تسببت في وفاة أكثر من نصف مليون جزائري، وهو ما نسبته 17% من الجزائريين الذي كان تعدادهم حينها نحو 2.9 مليون نسمة، أي أنّ سدس الجزائريين ماتوا في ثلاث سنوات بسبب المجاعة، بحسب ما ورد في تقرير لصحيفة nouvel obs الفرنسية.
بينما ترتفع تلك النسبة في بعض التقديرات التي تقدّر ضحايا عام الشر بنسبة 30.7% من الجزائريين.
أجبرت المجاعة والأزمات الطبيعية الجزائريين على أكل جذور الحشائش وأوراق الأشجار، بل وصل بهم الأمر إلى أكل جثث الموتى من شدة الجوع.
في كتابه الذي يحمل عنوان "قرن من الأهواء الجزائرية"، يقارن الكاتب بيير دارمون، الخبير في تاريخ الطب، بين ضحايا عام الشر وضحايا فرنسا في الحربين العالميتين بالقول إنه "إذا قارنا هذه الأرقام بالنسبة لبلد مثل فرنسا في بداية القرن الحادي والعشرين، فكأنها شهدت مقتل 11 مليون نسمة!، أي بما يعادل أكثر من خمسة أضعاف قتلاها في الحرب العالمية الأولى، وأكبر 10 مرات من قتلاها في الحرب العالمية الثانية".
يرجع المؤرخ الجزائري الراحل أبو القاسم سعد الله في كتابه "الحركة الوطنية الجزائرية"، أسباب هذه المجاعة إلى جملة من العوامل، لخصها في النمط التقليدي للزراعة، والسياسة الاستعمارية التي حطمت الجزائريين، زيادة على انعكاسات الثورات الشعبية التي اندلعت خلال تلك الفترة والتي عاقبت فرنسا عموم الجزائريين عليها بالاستيلاء على مقدراتهم وماشيتهم.
استغلال فرنسي لأزمات الجزائريين خلال عام الشر
واقترن عام الشر الذي شهدته الجزائر بدءاً من عام 1866، بشخصية المبشر الفرنسي الكاردينال لافيجري، الذي وظّف هذه الأزمات وما انتهت إليه من مآسٍ في مقدمتها الأطفال اليتامى بعد أن حصد الموت آباءهم.
ففي سنة 1867م، قام الكاردينال لافيجري بتأسيس دار الأيتام العربية، ليستقبل فيها الأطفال الجزائريين الصغار من 8 سنوات إلى 10 سنوات للتكفل بهم.
كما قام لافيجري مع عدد من أساقفة الجزائر والجماعات البروتستانتية بحملة جمع تبرعات لصالح ضحايا المجاعة بالجزائر، ثم استغلها في نشر التنصير بين الفقراء والجوعى والأيتام.
ولعلّ أبرز صورة بقيت عالقة في ذاكرة الجزائريين عن مجاعة عام الشر، كانت صورة ذلك الكاردينال وهو يجوب شوارع الجزائر حاملاً خبزاً في يده اليمنى والصليب في اليسرى يدعو للمسيحية.