“النوع الوحيد الذي يصنعه العمال البيض”.. قصّة أقدم بنطال جينز عمره 142 عاماً

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/14 الساعة 19:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/14 الساعة 19:39 بتوقيت غرينتش
Instagram/ أقدم بنطال جينز عمره 142 عاماً وعلاقته بقانون الاستبعاد الصيني

بيع بنطال جينز من ماركة Levi يعود إلى قبل نحو 142 عاماً وتحديداً لعام 1880، في مزاد علني مُقابل 76 ألف دولار، ليصبح أغلى ما تمّ بيعه في التاريخ من هذا النوع من الملابس.

ووفقاً لما ذكرته مجلة The Economic Times، فإنّ شاباً يبلغ من العمر 23 عاماً يدعى كايل هوبرت فاز بالمزاد الذي أقيم في نيو مكسيكو، إذ دفع قيمة 90% من قيمة البنطال الأثري، بينما ساهم تاجر الجينز زيب ستيفينسون بالـ10% المتبقية.

وكان مزاد بنطال الجينز هو الحدث البارز في Durango Vintage Festivus، وهو سوق ملابس عتيقة يُقام سنوياً في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية، لمدة 3 أيام.

ليبلغ السعر الإجمالي، بما في ذلك علاوة الشراء، 87400 دولار مقابل الجينز.

وعلى الرغم من كون عمره أكثر من قرن من الزمان، فإنّ الجينز الذي يبلغ خصره 38 بوصة وطوله 32 بوصة يُقال إنه في حالة "جيدة يمكن ارتداؤه".

وتُظهر الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعيّة بنطالاً مرقطاً بالشموع التي يستخدمها المنقبون للإضاءة، ومرقع عند ساقه، مع وجود جيب خلفي واحد فقط، وهي مواصفات كانت تتوفر في تلك الحقبة.

البنطال الأثري عثر عليه عالم آثار الدنيم مايكل هاريس في منجم مهجور في الغرب الأمريكي قبل عدة سنوات.

النوع الوحيد الذي يصنعه العمال البيض!

المثير للاهتمام في البنطال هو أنه يحمل عبارة مطبوعة على جيبه الداخلي مكتوب فيها: "النوع الوحيد الذي يصنعه العمال البيض"، في إشارة واضحة إلى قانون الاستبعاد الصيني 1882 والذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية لمنع العمال الصينيين من دخول أمريكا لمدة 10 سنوات خلال تفشي التمييز ضد العرق الصيني.

ووفقاً لما ذكرته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، فإنّ ماركة Levi الشهيرة كانت قد تبنت سياسة العمل المعادية للصين في تلك الفترة من خلال طباعة الشعار المشحون عنصرياً على مُعظم منتجاتها.

إذ اعتقدت الشركة أنّ الشعار "سيحسن المبيعات ويتوافق مع آراء المستهلكين في ذلك الوقت"، وفقاً للمتحدث الرسمي باسم Levi، الذي أكد أيضاً أنه تم إلغاء هذه السياسة في تسعينيات القرن التاسع عشر.

قانون الاستبعاد الصيني 1882

كان قانون الاستبعاد الصيني لعام 1882 أول قانون مهم يقيد الهجرة إلى الولايات المتحدة، إذ عزا العديد من الأمريكيين على الساحل الغربي انخفاض الأجور والمشاكل الاقتصادية إلى وجود العمال الصينيين، على الرغم من أن الصينيين يشكلون 0.002% فقط من سكان البلاد.

لذلك أقر الكونجرس قانون الاستبعاد الصيني لتهدئة مطالب العمال وتهدئة المخاوف بشأن الحفاظ على "النقاء العرقي" للبيض.

ووفقاً لما ذكره موقع History التاريخي الأمريكي فقد بدأت الهجرة الصينية إلى أمريكا خلال حروب الأفيون في منتصف القرن التاسع عشر بين بريطانيا العظمى والصين، والتي تركت الصين مثقلة بالديون.

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الفيضانات والجفاف في نزوح الفلاحين من مزارعهم، وغادر الكثيرون البلاد بحثاً عن عمل.

وعندما تم اكتشاف الذهب في وادي ساكرامنتو بكاليفورنيا في عام 1848، دخلت زيادة كبيرة في المهاجرين الصينيين إلى الولايات المتحدة للعمل هناك.

وفي عام 1854 قضت المحكمة العليا الأمريكية بأن الصينيين، مثل الأمريكيين السود والأمريكيين الأصليين، لم يُسمح لهم بالإدلاء بشهاداتهم في المحكمة، ما يجعل من المستحيل فعلياً على المهاجرين الصينيين السعي لتحقيق العدالة ضد العنف المتزايد.

وبحلول عام 1870، دفع عمال المناجم الصينيون 5 ملايين دولار إلى ولاية كاليفورنيا من خلال ضريبة ترخيص عمال المناجم الأجانب، ومع ذلك فقد واجهوا تمييزاً مستمراً في العمل وفي أماكن سكنهم.

ومن أجل الحد من تدفق المهاجرين الصينيين إلى الولايات المتحدة -وخاصة كاليفورنيا- علّق قانون الاستبعاد الصيني لعام 1882 الهجرة الصينية لمدة 10 سنوات، وأعلن أن المهاجرين الصينيين غير مؤهلين للحصول على الجنسية.

وقع الرئيس تشيستر أ. آرثر عليه ليصبح قانوناً في 6 مايو/أيار 1882، وعلى الرغم من أن الأمريكيين الصينيين الموجودين بالفعل في البلاد طعنوا في دستورية القانون التمييزي فإن جهودهم باءت بالفشل.

وفي عام 1892 اقترح عضو الكونجرس عن ولاية كاليفورنيا توماس جيه جيري "قانون جيري" الذي عزز قانون الاستبعاد الصيني على الهجرة الصينية لمدة 10 سنوات إضافية، بالإضافة إلى الحكم على المهاجرين الذين يتم القبض عليهم وهم لا يحملون الشهادات بالأشغال الشاقة والترحيل، الأمر الذي خفض بشكل حاد من أعداد الصينيين.

احتجت الحكومة الصينية على هذه القوانين التمييزية، لكن مع تزايد المشاعر المعادية للمهاجرين في الولايات المتحدة، لم يكن هناك الكثير مما يمكنهم فعله.

ظل المهاجرون الصينيون وعائلاتهم المولودة في أمريكا غير مؤهلين للحصول على الجنسية حتى عام 1943، عندما رفع الحظر على دخولهم في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة متورطة في الحرب العالمية الثانية، وسعت إلى تحسين العلاقات مع حليف آسيوي مهم وهو الصين.

من اخترع بناطيل الجينز؟

يُعتبر يوم 20 مايو/أيار 1873، هو عيد ميلاد الجينز الأزرق، فعلى الرغم من أن سراويل الجينز كانت موجودة كسترات للعمال لسنوات عديدة، فقد كان وضع المسامير في هذه السراويل التقليدية لأول مرة هو الذي خلق ما يسمى الآن الجينز.

كان الجينز الأزرق في الواقع اكتشافاً عارضاً في القرن الثامن عشر، عندما حاول أشخاص في نيم بفرنسا تكرار نسيج إيطالي قوي يدعى سيرج.

فصنعوا نسيجاً سموه "serge de Nimes" أو، كما أطلق عليه اختصاراً دنيم Denim.

ووفقاً لما ذكره موقع JeansTrack، فقد بدأ تاريخ الجينز الأزرق حقاً عندما جلب المهاجر ليفي شتراوس الدنيم إلى أمريكا.

فقد وُلد شتراوس في بافاريا بألمانيا في فبراير/شباط 1829، وفي أواخر الأربعينيات في القرن التاسع عشر، هاجر إلى نيويورك لأخويه الأكبر سناً، اللذين كانا يمتلكان متجراً لبيع البضائع الجافة كشركة عائلية.

من هناك، ذهب ليفي شتراوس إلى سان فرانسيسكو في مارس/آذار عام 1853، لافتتاح فرع للشركة على الساحل الغربي؛ دار ليفي شتراوس وشركاه بالجملة.

قبل وصوله إلى هناك، كانت حمى تعدين الذهب قد بدأت في كاليفورنيا في عام 1848، وبالطبع زاد احتياج عمال المناجم إلى ملابس قوية تتحمل ظروف العمل القاسية.

وكان جاكوب ديفيس أحد الخياطين الذين حاولوا صنع ملابس من شأنها تحمل تلك الظروف.

سكن ديفيس في ولاية نيفادا (شرق سان فرانسيسكو وكاليفورنيا)، وكان قد اشترى الأقمشة والبراغي (مسامير لولبية) التي يضعها في البناطيل الجديدة من دار ليفي شتراوس وشركاه.

فقد كانت المشكلة الوحيدة التي واجهت ديفيس هي أن البناطيل تتمزق من الجيوب، لذا عزز زوايا الجيوب بتلك المسامير المعدنية التي جعلتها أقوى. 

طلبت منه زوجة عامل محلي أن يصنع لزوجها بنطلوناً لا تتفكك أجزاؤه أو تتقطع. 

حاول ديفيس التفكير في طريقة لتقوية البناطيل، وتوصل إلى فكرة وضع المسامير المعدنية في نقاط الضغط، مثل زوايا الجيب. 

حاول جاكوب ديفيس تسجيل براءة الفكرة، إلا أنه لم يكن لديه المال الكافي لتقديم الأوراق، ولذا في حوالي عام 1872، عرض ديفيس على ليفي أن تحمل براءة الاختراع اسميهما معاً في مقابل تحمل ليفي للتكاليف.

فبعث ديفيس برسالة إلى ليفي، كشف فيها عن الطريقة الفريدة التي يستخدمها لصنع البناطيل، مستخدماً المسامير فيها لتجعلها تدوم لفترة أطول.

تحمس ليفي للفكرة، وفي 20 مايو/أيار 1873، تلقى الرجلان براءة اختراع رقم 139121 من مكتب الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية.

عقب ذلك أصبح ديفيس المشرف على إنتاج البنطلون الجديد في مصنع ليفي شتراوس وشركاه.

بعد فترة وجيزة، تم تصنيع أول جينز من الدنيم؛ النسيج التقليدي لملابس الرجال، في غضون فترة زمنية قصيرة للغاية حقق نجاحاً رائعاً.

مشاكل البيئة التي تتسبب بها صناعة الجينز

على الرغم من أن بناطيل الجينز هي حاجة مهمة في حياتنا اليومية، إذ يرتديه النساء والرجال على حد سواء، وحتى الأطفال، فإنّ لصناعته آثاراً ضارة على البيئة.

إذ يُصنع قماش الجينز من مادة خام تدعى "الدنيم"، والتي تصنع بدورها من القطن، ويكون لونها أزرق نيلياً باستخدام مستخلصات من زهرة النيلة الزرقاء. 

يتميز الدنيم بأنه مادة شديدة الحساسية وسريع التآكل مقارنة بالمنتَج النهائي للجينز، الذي يحافظ على ملمسه وشكله فترة أطول بكثير. ويكتسب الدنيم قوته هذه بعد خضوعه لعمليات المعالجة في المعامل والمصانع.

بشكل عام فإن أي منتج مصنوع من الجينز مثل البناطيل مثلاً، يكون مصنوعاً من خلال مزج الدنيم بألياف صناعية مثل البوليستر، ولكن بنسب لا تكاد تُذكر.

ولذلك سنركز حديثنا بشكل أكبر، على الدنيم وطريقة تصنيعه ومعالجته.

تقول تاتيانا شلوسبرج المراسلة البيئيّة السابقة في صحيفة New York Times الأمريكية ومؤلفة كتاب "الاستهلاك غير الواضح"، وهو كتاب جديد عن الأثر البيئي الخفي للمنتجات: "إنّ الدنيم يصنع بشكل أساسي من القطن، المعروف بدوره بأنه من المحاصيل العطشى جداً، والتي تستهلك كميات خياليّة من الماء".

وأضافت وفقاً لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية الأمريكية NRDC، أن إنتاج كيلوغرام واحد فقط من القطن يتطلب 7660 غالوناً (28957 لتراً) من الماء، إذ إن غالون الماء الواحد، وفقاً لوحدة القياس الأمريكية، يساوي 3.75 لتر.

في حين يحتاج "دنيم" يكفي لتصنيع بنطال جينز واحد إلى نحو 700 غرام من القطن، ما يعني أن إنتاج بنطال الجينز الواحد يحتاج 20269 لتراً من الماء.

أما إذا أردنا إجراء مقارنة بسيطة مع منتجات أخرى مثل الطماطم مثلاً، فإنَّ إنتاج 1 كيلوغرام منها يحتاج 76 غالوناً (235 لتراً) من الماء.

من أجل صناعة قماش الجينز، يخضع الدنيم للعديد من عمليات الغسل الكيميائية المكثفة.

ويقول نشطاء في مجموعة Green Peace البيئية، والذين قاموا بمتابعة التدفقات الخارجة بالقرب من مرافق الصباغة والتشطيب في أكبر مدن إنتاج الدنيم بالعالم وهي Xintang الصينية، إن هناك 5 معادن ثقيلة في العينات التي أخذوها من مياه الأنهر هناك، وهي: الكادميوم والكروم والزئبق والرصاص والنحاس.

ويقول موقع Ecowatch إن هذه المواد الكيميائية الموجودة في المياه لا تبقى مكانها وحسب؛ بل إنها قد تنتقل إلى المحيطات، لتؤثر على سلاسل الغذاء.

وتشير التقديرات، وفقاً للموقع ذاته، إلى أن 70% من أنهار وبحيرات آسيا ملوثة بـ2.5 مليار غالون من مياه الصرف الصحي التي تنتجها صناعة الدنيم في تلك القارة.

في حين تعتبر مدينة Xintang الصينية بمثابة عاصمة الدنيم في العالم، إذ إنّ واحدة من كل 3 قطع ملابس مصنوعة من الجينز في العالم، يكون مصدرها هذه المدينة حتماً، حتى إن أنهار المدينة في عام 2013 أصبحت مصبوغة تماماً بلون الجينز ورائحتها الكريهة فاقت الوصف.

تحميل المزيد