إبراهيم عبد المجيد لـ”عربي بوست”: أتمنى ألا أرى معتقلي رأي بمصر، ووسائل التواصل كشفت انتشار الرجعية

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/03 الساعة 10:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/03 الساعة 10:06 بتوقيت غرينتش
الأديب المصري إبراهيم عبد المجيد - وسائل التواصل

يحتل الكاتب والأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد مكانة مميزة في قلب ومركز خريطة الأدب العربي، فقد استطاع بأعماله التي تجاوزت العشرين رواية، وخمس مجموعات قصصية، "تشريح" النفس البشرية المصرية والعربية، كاشفاً عن مكنوناتها، ومفصلاً لأزماتها على كل المستويات.

فتح الأديب الكبير قلبه وعقله لـ"عربي بوست" في مقابلة خاصة، أشار فيها إلى أنه لا يأبه بما يسمى المحرمات والممنوعات والتابوهات، وأنها لا تمثل عائقاً أمامه، فما يهمه هو الصدق الفني، بعيداً عن أي اعتبارات أخرى.

وأكد عبد المجيد خلال المقابلة أن كثيراً من الأدباء المصريين والعرب، يستحقون الحصول على جائزة نوبل، لكن تقف الصورة السلبية للمواطن العربي في الخارج، واتهامها بالإرهاب، فضلاً عن السلوك المشين للنظم الديكتاتورية الحاكمة، في طريق حصولهم عليها.

وأشار عبد المجيد إلى أنه برغم محنة السجن وقسوته، إلا أن الكثيرين نجحوا في التحرر من مشاعر الألم وإحساس الوجع النفسي والبدني، واستطاعوا تحويلها إلى أعمال إيجابية في العلم والثقافة، وكافة مجالات الإبداع.

كان الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد، المولود عام 1946، في سنوات شبابه الأولى، انضم إلى أحد الأحزاب الشيوعية السرية، لكن سرعان ما تركه، بعدما تأكد له أن قيود الأيديولوجية والالتزام الحزبي، تمثل عبئاً كبيراً على نزاهة العمل الأدبي وتحرره وتجرده وإنصافه.

حصل إبراهيم عبد المجيد على جائزة نجيب محفوظ في دورتها الأولى عن روايته "البلدة الأخرى" عام 1996 من الجامعة الأمريكية، وجائزة أحسن رواية من معرض القاهرة للكتاب عن رواية "لا أحد ينام في الإسكندرية" عام 1996 كذلك.

كما حصل إبراهيم عبد المجيد على جائزة الدولة للتفوق عام 2004، وجائزة الدولة التقديرية 2007، وجائزة ساويرس في الرواية لكبار الكتاب عام 2011، وجائزة كتارا للرواية العربية عام 2015 عن رواية "أداجيو"، وجائزة الشيخ زايد عن "ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع" عام 2016، وأخيراً جائزة النيل هذا العام 2022.

إلى نص المقابلة بالكامل:

بعد فوزك بالجائزة الأرفع في مصر وهي جائزة النيل، ما هو هدفك التالي؟

الجوائز ليست هدفي ولم أتقدم في حياتي لجائزة بنفسي، عدا أول جائزة في القصة القصيرة عام 1969 بنادي القصة بالإسكندرية وكانت على مستوى الجمهورية، وفزت بالجائزة الأولى وكانت ثلاثة جنيهات اشتريت بها كلها نسخاً من جريدة أخبار اليوم التي نشرت القصة كاملة ووزعتها على الناس.

بعد ذلك مضى أكثر من ربع قرن، وفزت بجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية عام 1996، التي لم أتقدم لها أصلاً،  واختاروا هم روايتي "البلدة الأخرى". بعد ذلك كل الجوائز التي حصلت عليها كانت عبر ترشيحات جهات ثقافية أو دور نشر وليس تقديماً مني.

هدفي الوحيد بل أملي-  فليس الأمر في يدي- هو أن ينعم عليّ الله وعلى زوجتي وأولادي بالصحة، وأن أرى بلادي في وضع أجمل وأفضل، تتمتع بالتعليم المجاني، والرعاية الصحية الكاملة والمجانية، لا سجون بها ولا معتقلين بسبب الرأي، أو اختلاف وجهات النظر، أو أي سبب آخر غير جنائي.

في ظل الممنوعات والمحرمات والتابوهات.. هل استطعت البوح بكل ما تريده؟

طبعاً استطعت، لأني لا أضع ذلك في ذهني أثناء الكتابة، أنا يهمني الصدق الفني في المشاعر والمواقف حتى لو خرجت عن المألوف، وعموماً الخارج عن المألوف هو المادة الأصح للرواية والقصة، المهم أن يكون صادقاً مع الشخصيات وثقافتها ولغتها.

الكاتب لا يكتب مشاعره، لكن يجسد ما تمليه عليه شخصياته، فإذا كان بينها الجنس أو الإلحاد أو السياسة فلا يعني ذلك أن هذه أفكار الكاتب، لكنها حياة شخوص الرواية.

هل يمكن أن تمثل الأيديولوجية أو الالتزام الحزبي عبئاً وقيداً على الكاتب.. أم يمكن أن تفيده؟

يمكن أن تمثل قيوداً إذا خضع لها الكاتب، ويمكن أن تدفعه للوقوف في فخ الحديث المباشر، لا تقديم مواقف وأحداث يُترك تفسيرها للقارئ.

مررت أنا بذلك في بداية حياتي حين كنت منتمياً في السبعينيات إلى حزب شيوعي سري قبل السماح بالأحزاب، فكثيراً ما قمت بتمزيق ما أكتبه، لاكتشافي أنها كتابات مباشرة، فضلاً عن أنها تعكس آرائي وأفكاري واتجاهاتي بوضوح شديد، فكان قراري ترك العمل الحزبي، والتحرر من قيود الأيديولوجية،  ووجدت نفسي أكتب في رواية "المسافات" القائمة على أساطير وعجائب، وكنت أقول لنفسي فرحاً "وجدتها.. وجدتها".

هل لك طقوس خاصة في الكتابة.. هل يمكن أن تحدثنا عنها؟

طقوسي بسيطة جداً، لا أكتب إلا بعد منتصف الليل حتى الفجر، وأسمع الموسيقى الكلاسيك وضوء الغرفة يكون أبيض، لا شيء غير ذلك. أشعر وأنا وحدي في الليل ومع الموسيقي، أنه لا يوجد غيري بالكون، خلقني الله الآن ومعي أبطال وشخوص الرواية يؤنسون وحدتي.

كيف استقبلت مجموعتك "أشجار السراب" التي تضم 18 قصة من أعمالك التي لم يسبق نشرها؟ كيف كان إحساسك؟

دائماً أستقبل أيّ كتاب جديد لي كما لو أني أنشر لأول مرة، فأتركه جواري على السرير عدة أيام ينام في حضني كأني طفل صغير مع هديته.

في "الهروب من الذاكرة" يكتشف السجناء بعد خروجهم أن الحياة خارج السجن تشبه الحياة داخله، ما الذي أوصلنا إلى ذلك؟ ولماذا صارت الحياة سجناً كبيراً لا ينتهي؟

كثيرون يستطيعون النجاة من هذه المشاعر. الرواية تتحدث عن هؤلاء الذين يصممون على النجاة بأنفسهم، والاحتفاظ بصفاء قلوبهم وعقولهم، البعض نجح، والآخر فشل.

قابلت في حياتي كثيرين دخلوا السجون، وقضوا بها عدة سنوات، ولما خرجوا ملأوا الدنيا بالعلم والثقافة. أتذكر اعتقالات عام 1959 التي اعتقل خلالها آلاف المفكرين والأدباء والفنانين من الجنسين، وأمضوا بالمعتقلات خمس سنوات، وكيف حين خرجوا ازدهرت بهم الحياة الثقافية والسياسية.

قابلت في حياتي مساجين جنائيين أيضاً خرجوا من السجن وتقدموا في حياتهم، وغيروها للأفضل. ما نعرفه عن "متلازمة ستوكهولم" ليس بالضرورة أن تشمل كل الناس، والرواية عن هذه الاستثناءات وخاصة هؤلاء الذين يقبعون في السجن هذه الفترة، بتهم سياسية لا يعرفون عنها شيئاً، وماذا ينتظرهم في الخارج، فهل ينجحون؟

إلي أي مدي يمكن أن يؤثر العالم الافتراضي و"السوشيال ميديا " في حياة الناس؟ خصوصاً أنك فطنت مبكراً لأهميته من خلال روايتك "في كل أسبوع يوم جمعة" عام 2009؟

السوشيال ميديا الآن هي الحياة الحقيقية للبلاد، تظهر فيها العيوب أكثر مما تظهر فيها المحاسن، وهذا أمر يدعو إلى دراسة حالة مجتمعنا، وكيف وصل إلى هذا التردي. لقد كتبت عن مدن كثيرة وعن صحارٍ وبلاد، ثم فكرت أن هناك مدناً لا مرئية هي الفضاء الافتراضي، فكتبت الرواية. 

قليلون الآن يستطيعون الابتعاد عن السوشيال ميديا رحمة بعقولهم، لأنها بالفعل صارت تعكس الحالة المتردية التي وصلنا إليها رغم وجود إيجابيات. السيئ هو الذي يتحول إلي تريند أكثر من الجيد، وهذا يعكس حالة نفسية تحتاج إلى دراسة، كما كشفت السوشيال ميديا عن الوجه القبيح في الموقف من المرأة، كما حدث في مسألة مقتل "نيّرِة" فتاة المنصورة وغيرها من الحوادث المشابهة.

كما كشفت كذلك استشراء الآراء الرجعية في الدين والفن وغيره، وكل ذلك يحتاج لدراسة المجتمع ولماذا وصل إلى هذا الحضيض.

ما الذي يجعل ويدفع المواطن إلى ترك بلده؟ ومتى يأتي اليوم الذي يمكن أن يشعر فيه المواطن العربي بالأمان والانتماء الحقيقي لوطنه؟

في مصر، بدأت ظاهرة السفر إلى الخارج منتصف السبعينيات، حين بدأت سياسة الانفتاح الساداتية. 

بسبب تلك السياسة، ارتفعت أسعار الشقق، وظهر ما كان يسمى "خلو الرجل"، وارتفعت أسعار البضائع، وقلت فرص العمل، وخرج الآلاف من الجيش بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول، فوجدوا بلداً لا يتسع لأحلامهم وطموحاتهم، والأمل في غد أفضل، فبدأت أسراب الهجرة للعمل في دول الخليج، بحثاً عن لقمة العيش، وكانت الطوابير على القنصليات العربية لا تنتهي، فضلاً عن سفر العمالة العادية إلى العراق والأردن وليبيا.

ومع مرور الزمن قلت الفرص بعد التقدم الذي شهدته دول الخليج، في الحياة الاجتماعية والعلمية، بينما أصابت لعنة الحروب دولاً مثل العراق وليبيا، فصار المصريون يركبون المراكب إلى أوروبا، وصرنا- للأسف الشديد- نسمع ونشاهد حوادث الغرق كثيراً.

كي يشعر المواطن العربي بالانتماء الحقيقي لوطنه، لا بد أن يجد سبل العيش الكريم، والإحساس بذاته، بعيداً عن الترصد والتربص لمن يختلف معه النظام الحاكم سياسياً.

كيف ترى حال السينما حالياً؟ ولماذا لم نعد نرى أفلاماً مأخوذة عن أعمال أدبية كثيرة كما كان يحدث في السابق؟

السينما المصرية تعيش فترة حزينة ومحزنة، فالأفلام التي تم إنتاجها عن أعمال روائية، كانت المنطلق العظيم لفن السينما. دعني أقُل إن من بين أسباب التدهور الذي طال حال السينما حالياً، احتكار الإنتاج والرقابة، والنتيجة أن إنتاجها السينمائي تراجع كثيراً إلى 15 أو 20 فيلماً، بعد أن كنا "هوليوود الشرق". نفس الأمر ينسحب على المسلسلات.

من بين الأسباب الأخرى التي أدت إلى تخلف السينما، هو الاعتماد على "ورش الكتابة"، والنتيجة خروج العمل بشكل مترهل غير متجانس، والأمل يقوم على كتاب السيناريو الجادين، الذين يأخذون على عاتقهم تقديم فن مختلف.

ما الذي يمنع الدولة من الاستجابة لطلبك بتخصيص 10 ملايين جنيه لترجمة الروايات المصرية للغات الأجنبية ونشرها في الخارج، كنوع من أنواع تسويق الثقافة المصرية، وتعريف العالم بها؟

ما زلت وسأظل أطالب الدولة والمسؤولين في مصر بذلك، ولكن من الأفضل أن تتوجه بهذا السؤال إلى وزارة الثقافة أو رئاسة الوزراء. المهم أن يكونوا قرأوا كلامي الذي كتبته أكثر من مرة، وفي أكثر من مكان.

مرت 34 سنة على فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، ومن ساعتها لم يفز بها أي أديب عربي، ما الأسباب في رأيك؟ وهل يمكن أن نرى من يفوز بها من الأدباء العرب قريباً؟

هناك كثيرون من الأدباء العرب من يستحق الحصول على جائزة نوبل، لكن- للأسف الشديد- تؤثر صورتنا كعرب، وإلصاق تهمة الإرهاب بنا، فضلاً عن سوء سمعة الأنظمة المستبدة الحاكمة، تأثيراً سلبياً كبيراً علينا، وتعيق منح الجائزة إلينا.

الغريب أنه في ندوات كثيرة حضرتها في مناسبات مختلفة، مثل صدور ترجمة لإحدى رواياتي مثلاً، تتحول الندوة من الحديث عن مناقشة الرواية إلى الحديث عن الإرهاب والديكتاتوريات العربية.

هذا فيه ظلم شديد وقاس لنا نحن الأدباء الجادين، الذين يقفون ضد الإرهاب، وضد النظم الديكتاتورية. لكن دعنا نتمسك بالأمل، فربما تتغير الظروف إلى الأفضل.

ما تقييمك لتجارب الروائيين العرب؟

الرواية العربية متفوقة وفائقة، وكل البلاد العربية بها كتاب جيدون يملأون حياتنا بالبهجة والحديث عن أسمائهم يطول، من عُمان إلى السعودية إلى الإمارات إلى العراق إلى سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر والسودان وإريتريا والصومال وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وكذلك في المنافي في أوروبا وأمريكا.

ما رأيك في الجوائز المصرية والعربية؟ هل تذهب الجوائز إلى مستحقيها بالفعل؟

الجوائز في كل مكان تحكمها ذائقة المحكّمين التي قد يختلف معها الأدباء، لكن لأنها  تتكرر كل عام فلا مشكلة إذا جاءت الذائقة هذا العام مثلاً على غير ما يشتهي الكاتب.

الجائزة في  النهاية مبلغ مالي، يساعد الكتّاب في حياتهم، وأحب النظر إليها مثل النظر إلى الزواج قسمة ونصيب. وبالمناسبة كل ما حصلت عليه من جوائز ضاع في المرض والحمد لله.

هل أثرت الرقابة وقيود النظم الديكتاتورية سلباً على جودة وقيمة وانتشار العمل الروائي؟ وهل اللجوء إلى الرمز والغرائبية والعجائبية هو السبيل الوحيد للهروب من قيود النظم الديكتاتورية؟

وجود الرقابة وسيفها البتار، الذي يستهدف رقاب الكتاب، يؤثر بالتأكيد سلباً في كثير من الأحيان على خروج العمل الروائي كما يتمناه المؤلف، وذلك لوجود الرقابة الذاتية لدى بعض المؤلفين.

بالنسبة لي أنا، لا أضع مسألة الرقابة في ذهني أثناء الكتابة، فأنا- كما قلت- يهمني الصدق الفني في المشاعر والمواقف، حتى لو خرجت عن المألوف.

بالفعل الرمز والعجائبية والغرائبية، كلها وسائل يلجأ إليها الكاتب، للهروب من قيود النظم الديكتاتورية. حدث ذلك في منطقتنا، لكنها في الأصل تمثل تراثاً قديماً، ويكفيك "ألف ليلة وليلة" عند العرب مثلاً.

أنا حين بدأت كتابة رواية "المسافات" عام 1978، لم نكن في مصر نعرف شيئاً عن جابرييل جارسيا ماركيز، لكنني كتبتها هرباً من وطأة الأيديولوجيا على عقلي، وساعدتني على ذلك، قراءاتي السابقة للفنون الشعبية، وألف ليلة وليلة، والأنثربولوجيا وغيرها من القراءات.

هل هناك أزمة أدب في مصر؟ ما سببها في رأيك؟

بالتأكيد، يعاني الأدب المصري أزمة كبيرة، تتمثل في افتقاده دعم الدولة، وصغر حجم الميزانية المخصصة له، وإغلاق عدة دور نشر أبوابها، تحت وطأة الأزمات المادية التي تجتاحها.

الأمر يحتاج إلى تخصيص ميزانية لائقة، وإطلاق مشروع  لترجمته إلى العديد من اللغات، فالترجمة هي التسويق العالمي للأدب.

تحميل المزيد