كم هو الحد الأدنى لعدد ساعات النوم التي تحتاجها لتعمل في اليوم التالي بشكل كامل؟ الكثير منا سيقول 8؛ لأنها المعدل الطبيعي الذي يقضيه الإنسان العادي في النوم من أجل شحن جسمه وعقله لبدء يوم جديد.
لكن حالة الجندي المجري، بول كيرن، الذي شارك في الحرب العالمية الأولى فمختلفةٌ تماماً، فهذا الجندي لم ينم طيلة 40 سنة، وذلك بعد أن أصابته رصاصة في الرأس.
الرصاصة في الرأس لا تقتل كل مرّة
انضم الشاب بول كيرن، وهو جندي مجري يبلغ من العمر 19 عاماً، إلى الملايين من المواطنين المجريين في الاستجابة للدعوة للانتقام لأرشيدوق الإمبراطورية النمساوية المجرية، فرانز فرديناند، الذي سقط قبل بداية الحرب العالمية الأولى.
انضم في البداية إلى الجيش المجري، وبعد فترة وجيزة، انضم إلى فيلق النخبة من قوات الصدمة، التي من شأنها أن تقود الطريق في إزالة الخنادق الروسية على الجبهة الشرقية.
في يونيو/حزيران 1915، تمّ إرسال بول كيرن رفقة كتيبته إلى منطقة شليبوفيتشي التشيكية، للمشاركة في الحرب ضد إمبراطورية جيش القيصر نيكولاس الثاني الروسي، بحسب business insider.
كانت المجر تقاتل في صف إمبراطورية النمسا، والألمان ضد الإمبراطورية الروسية وحلفائها.
يذكر الجندي المجري بول كيرن في حديثه مع إحدى الصحف الفرنسية أنّه، "في إحدى المرات تلقى أمراً بشنّ هجوم على الخنادق التي كانت أمام فوجه في شليبوفيتشي، وبعد لحظات رأى رجاله يتسقطون مثل الذباب، وفجأة شعر بول بصدمة عنيفة في رأسه، فقد على أثرها الوعي".
تم القبض على بول كيرن في ساحة المعركة، ومن ثُمّ تَمّ نقله إلى مستشفى مدينة لفيف الأوكرانية.
هناك، أجرى الأطباء عملية جراحية له على وجه السرعة، من أجل إزالة الرصاصة التي استقرت في الفص الجبهي الأيمن لرأسه. طيلة مدة بقاء بول كيرن في غرفة العمليات، لم يكن الأطباء يعلقون أملاً كبيراً فيما يتعلق بفرص مريضهم في البقاء على قيد الحياة، كون فرص النجاة من الإصابة برصاصة في الرأس قليلة وتكاد تنعدم.
ومع ذلك، وبعد 3 أسابيع في غيبوبة، استيقظ بول كيرن، وعلى الرغم من الصداع الرهيب الذي عانى منه لحظة استفاقته، احتفظ بول كيرن بكل ذاكرته، وكذلك قدراته العقلية والجسدية.
نام بول كيرن 3 أسابيع في الغيبوبة ولم ينم بعدها دقيقة!
لم يكن بول كيرن يدري أنّ مكوثه في الغيبوبة طيلة 3 أسابيع، سيكون آخر موعد له مع النوم، فمنذ استيقاظه لم ير بول كيرن النوم إطلاقاً.
ولإراحة أعصابه البصرية، كان كيرن يغلق عينيه لمدة ساعة تقريباً كل يوم، وإلاّ فإنه يصاب بالصداع النصفي.
ولتأكيد حالته، سافر بول كيرن حول العالم، من النمسا إلى أستراليا ليجد العلاج للنوم، لكن لم يستطع أي طبيب الإجابة على هذا اللغز.
كان العديد من الأطباء متشككين في ادعاءات كيرن. كانت نظريتهم أنه إمّا أنه كان يكذب، أو أنّه كان ينام على مدار اليوم ولا يدري أنه نائم.
في الواقع، شكلت حالة بول كيرن لغزاً للعديد من الأطباء والعلماء، حيث نظر أبرز الأطباء في ذلك الوقت في هذه الحالة الفريدة، مثل المحلل النفسي النمساوي سيغموند فرويد، الذي تلقى دعوة من معهد روكفلر بالولايات المتحدة من أجل دراسة حالة بول كيرن، لكن هذا الأخير رفض تشخيصه من فرويد.
بحسب مدونة military history fandom، فضّل بول كيرن أن يُفحص من طرف دكتور فراي، الأستاذ بجامعة بودابست، والذي عزى حالة كيرن إلى أنّ"الرصاصة التي اخترقت دماغ بول كيرن أزالت شيئاً صغيراً منه لدرجة أنه يفلت من الفحص، وهذا الجزء هو المسؤول عن النوم".
لم يؤثر فقدان النوم على بول كيرن كثيراً!
وفقاً لمجلة Scientific American، فإن أطول مدة يمكن أن يبقى فيها الإنسان مستيقظاً، بناءً على تجربة، هي 264 ساعة أو حوالي 11 يوماً.
تضمنت الآثار طويلة المدى للحرمان من النوم ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية والسكتات الدماغية والسمنة ومرض السكري والاكتئاب والقلق، فضلاً عن فقدان الذاكرة وانخفاض وظائف المخ وضعف جهاز المناعة والاضطرابات النفسية.
لكن في حالة بول كيرن، فلم يؤثر عدم النوم لمدة 4 عقود على حياة الجندي المجري كثيراً، فرغم الألم والصداع، استطاع كيرن أن يستأنف تدريجياً حياته الطبيعية، فبعد نهاية الحرب، عاد إلى منصبه كموظف حكومي في وزارة المعاشات.
عاش بول كيرن روتيناً يومياً متكرراً طيلة 40 سنة التي بقيها مستيقظاً، فيبدأ يوم بول كيرن بالإفطار على الساعة السابعة صباحاً، ثم يتوجه إلى العمل في دائرة المعاشات من الساعة التاسعة إلى الساعة 2 مساءً، بعدها يقرأ ويكتب حتى الساعة السادسة مساءً، أمّا الفترة الليلية فيقضيها في أخذ جولة بالنوادي الليلية والملاهي، ثم أخذ الحمام وتغيير الملابس حتى تدق الساعة السابعة صباحاً ليبدأ اليوم الموالي عند أجندة بول كيرن، بحسب sciences critiques.
كان معظم الأطباء يعتقدون أنّ الموت المبكر سيأخذ أجل بول كيرن، لكن في الحقيقة استطاع بول كيرن أن يعيش 40 سنة كاملة بعد تلك الإصابة، قضى تلك المدة مستيقظاً حتى وفاته سنة 1955م، عن عمرٍ ناهز 59 سنة.