شأنها شأن الكثير من الطوائف والجماعات الدينية الغريبة، كانت طائفة فرع داوود، التي ترأسها "ديفيد كوريش" تعيش في مجمع داخل مزرعة بعيداً عن المجتمع حولهم في ولاية تكساس، وكان كوريش الذي ادعى أنه المسيح وأنه مرسل من عند الله، يخبرهم بأن عليهم الإستعداد لنهاية العالم.
لكن الأمر المختلف بخصوص هذه الجماعة، أنهم كانوا طرفاً في واحدة من أكثر المواجهات دموية داخل الولايات المتحدة، والتي أصبحت مركز اهتمام الكثير من الباحثين والمحققين، بسبب نهاية تلك الحادثة التي لا تزال محل جدل ونقاش ليومنا هذا.
كيف أصبح "فيرنون هاول" "ديفيد كوريش"
عام 1959 وُلد فيرنون هاول في تكساس لأم مراهقة غير متزوجة، وفي سنواته الأولى كان تحت رعاية جده وجدته، وكانا يأخذانه معهما إلى الكنيسة كثيراً، وحين أصبح في المدرسة الثانوية ترك الدراسة ليصبح نجاراً، لكن ترك الوظيفة في أوائل العشرينات من عمره، وانتقل إلى ولاية لوس أنجلوس ليصبح موسيقياً.
لكنه عاد مرة أخرى إلى مسقط رأسه بعد أن فشل في الغناء والموسيقى، ليعود لحضور الدروس الدينية في الكنيسة ولم يستمر في ذلك كثيراً، بعد أن دخل في صدامات مع زعماء الكنيسة.
وفي أوائل الثمانينيات، انضم إلى طائفة دينية مسيحية تسمى "فرع داوود"، تتزعمها امرأة تدعى "لويس رودين"، كان أفراد "فرع داوود" يعيشون على قطعة أرض في مدينة واكو بولاية تكساس، حيث بنوا مجتمعاً يسمى مركز جبل الكرمل، والذي كان بمثابة المقر الرئيسي للطائفة.
في عام 1984، تزوج "فيرنون هاول" من مراهقة من "طائفة فرع داوود" تدعى راشيل جونز، وأنجب منها ثلاثة أطفال.
في عام 1990، غير اسمه بشكل قانوني من فيرنون هاول إلى "ديفيد كوريش"، ادعى كوريش أنه حفظ كلاً من العهدين الجديد والقديم من الكتاب المقدس، وأصبح يقدم تفاسيره الخاصة للكتاب المقدس والفقرات المتعلقة بنبؤات نهاية العالم، وادعى أنه تلقى الوحي من الله ليقود هذه الطائفة.
تعاليم ديفيد كوريش بعد سيطرته على "فرع داوود"
بعد تزعمه الطائفة، أقنع "ديفيد كوريش" أتباعه الذين أصبح عددهم بالمئات أنه المسيح الموعود، وأن من حقه ممارسة الجنس مع من يشاء من نساء الطائفة، حتى وإن كانت متزوجة، وأنجب كوريش ما لا يقل عن عشرة أطفال من نساء الطائفة، وفي بعض الحالات مارس ديفيد كوريش الجنس مع قاصرات.
وذكر بعض الأعضاء السابقين من طائفة فرع داوود، أنه كانت هناك العديد من الانتهاكات بحق الأطفال، فمثلاً كان الأطفال يقفون في طابور، ويتعرضون للضرب المبرح بواسطة مجداف خشبي بأوامر من ديفيد كوريش نفسه، بسبب مخالفات بسيطة مثل سكب كوب من الحليب.
لاحقاً قال ديفيد كوريش لأتباعه: "إن الرب أراد من فرع داوود أن يبنوا جيش الله"، ونتيجة لذلك، بدأوا في شراء وتخزين الأسلحة في المجمع الذي يعيشون فيه، وكان كوريش يخبرهم دائما أنهم سيخوضون مواجهة مع الحكومة الأمريكية يوما ما وسينتصرون عليها.
أزمة طائفة فرع داوود مع السلطات الأمريكية
كانت تحركات الطائفة تحت مراقبة السلطات الأمريكية، خاصة بعد عمليات شراء الأسلحة وتخزينها في المجمع الذي كانوا يعيشون فيه، وفي 28 شباط/فبراير 1993، حاول مكتب "الكحول والتبغ والأسلحة النارية" تنفيذ حملة تفتيش داخل المجمع، ولكن وقع ما لم يكن بالحسبان.
فور وصول قوات الشرطة، حدث تبادل لإطلاق النار راح ضحيته 4 من الشرطة و6 أفراد من فرع داوود، فتمت محاصرة المجمع لمدة يومين، وبعدها تولى مكتب التحقيقات الفيدرالي القضية وأحضر تعزيزات كبيرة من مدرعات وقوات مسلحة ومدربة لمثل هذه الحالات.
واستمر الحصار لمدة 51 يوماً، وحظي بتغطية إعلامية كبيرة، استخدمت خلالها قوات الـ"FBI" مختلف الوسائل من الموسيقى الصاخبة، إلى الأضواء الساطعة، وقطع الماء والكهرباء عن المجمع، لدفع كوريش وأتباعه على الاستسلام، لكن دون جدوى.
في 19 نيسان/أبريل، أحدثت الدبابات ثقوباً في المبنى المتهالك، وأطلق عناصر الـ"FBI" قنابل الغاز المسيل للدموع. واندلع حريق مجهول المصدر ابتلع المبنى بمن فيه من أتباع طائفة فرع داوود، وتحول المبنى إلى فحم في أقل من ساعة.
توفي 76 فرداً من الداووديين ومنهم ديفيد كوريش، بما في ذلك 20 طفلاً ورضيعان، ومعظم تقارير الحكومة الأمريكية، ألقت اللوم على اتباع طائفة فرع داوود، في بدء الحريق وإطلاق النار على بعضهم البعض في ما سمته حالات انتحار جماعية.
يؤكد البعض حتى يومنا هذا أن غارة مكتب التحقيقات الفيدرالي تسببت في الحريق عن غير قصد، وأن ديفيد كوريش حاول التفاوض معهم دون جدوى، وأنه في مكالمة هاتفية أخبر القوات التي تحاصر المجمع بأن هناك نساء وأطفالاً داخل المجمع، وطلب من السلطات إلغاء الغارة.
وتقول كاثرين ويسينجر، مؤرخة أمريكية وخبيرة في حادثة "فرع داوود": "في كلتا الحالتين لا يمكن الدفاع عن تصرفات الـFBI"."إذا كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يعتقد أنهم كانوا يتعاملون مع أعضاء طائفة تم غسيل مخهم، بأن نهاية العالم قريبة، فلماذا يمارس مكتب التحقيقات الفيدرالي الكثير من الضغط عليهم، ثم ينفذ في النهاية هجوماً أكد نبوءات ديفيد كوريش؟".
حتى بعد وفاة كوريش لا يزال الناجون من طائفة فرع داوود يؤمنون بأفكاره، ويعيشون في المجمع نفسه بعد ترميمه وإعادة بنائه، وأقاموا نصباً تذكاريأً للحادثة، وبعضهم ينتظر عودة كوريش من الموت، ليقودهم مرة ثانية.