قُتل فيها مليون جندي ولم ينتصر أحد! معركة “فردان”، أطول معارك الحرب العالمية الأولى

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/21 الساعة 10:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/21 الساعة 13:23 بتوقيت غرينتش
قتل في معركة فردان نحو مليون جندي ألماني وفرنسي / Wikipedia Commons

شهدت الحرب العالمية الأولى معارك دموية وعنيفة، شكلت نتائج هذه المعارك انتصاراً كبيراً لجيوش وخسائر فادحة لأخرى، لكن القليل من هذه المعارك بقيت بدون حسم رغم طول مدتها وحجم خسائرها، أبرز تلك المعارك الحربية، معركة فردان التي وقعت سنة 1916، بين الجيشين الفرنسي والألماني، والتي لم ينتصر فيها أحد.

الرؤية الألمانية.. هزيمة فرنسا هي نهاية للحرب العالمية الأولى

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى صيف 1914، كانت ألمانيا ترى في تلك الحرب فرصةً حقيقيةً لتصفية حساباتها القديمة مع كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا، فركزت حربها على هذا الثلاثي.

كان عام 1915 حافلاً بالانتصارات للألمان، فقد نجحوا في الصمود أمام هجمات قوات الحلفاء في مقاطعتي أرتوا وشامبانيا الفرنسيتين.

وكان هجومهم في الشرق مثمراً للغاية، حيث تمّ احتلال مملكة بولندا، وغزو مقاطعة كورلاند وليتوانيا على الحدود الروسية. وفي الجنوب، تمكن الألمان حينها من سحق معارضة صربيا والدفاع عن الدولة العثمانية، كما انتصروا على بلغاريا، بحسب ما ورد في  تقرير لموقع the atlantic

ومع ذلك، كان الاعتقاد الراسخ للجنرال الألماني إريك فون فالكنهاين قائد القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولى، هو أنّ مفتاح الانتصار أو الخسارة في الحرب هو شنّ حرب استنزافٍ على فرنسا.

معركة فردان
الجنرال الألماني إريك فون فالكنهاين المخطط الفعلي لمعركة فردان/ Wikipedia Commons

ولإقناع الألمان بوجهة نظره، أرسل إريك فون فالكنهاين رسالة إلى الإمبراطور الألماني ويليام الثاني في أواخرعام 1915، أبلغه فيها بأنّ استراتيجية الاستنزاف ضد فرنسا هي أفضل حلّ أمام ألمانيا لكسب الحرب بحسب الموسوعة البريطانية

خلال رسالته تلك، جادل فالكنهاين بأن بريطانيا كانت أقوى قوى الحلفاء، مقراً بأنّه لا يمكن مهاجمتها بشكل مباشر، باستثناء حرب الغواصات التي شنتها القوات الألمانية على إنجلترا.

من وجهة نظر فالكنهاين، كانت "الأسلحة الحقيقية" لبريطانيا في الحرب، متمثلةً في الجيوش الفرنسية والروسية والإيطالية، معتبراً في رسالته بأن روسيا مشلولة بالفعل، وأن إيطاليا من غير المرجح أن تؤثر على نتيجة الحرب.

 وخلص في نهاية رسالته إلى الإمبراطور الألماني، إلى أن "فرنسا وحدها باقية"، ويجب على ألمانيا أن تنزف فرنسا حتى الموت باختيار نقطة للهجوم "من أجل الاحتفاظ بها سيضطر الفرنسيون إلى رمي كل رجل لديهم".

فردان منطقة استراتيجية وتاريخية للألمان

ولتحقيق هدفه، كان فالكنهاين بحاجة إلى استهداف جزء من الجبهة الفرنسية حيث تجتمع فيه الضرورة الاستراتيجية والكرامة الوطنية. 

لذلك وقع اختياره على منطقة فردان، باعتبارها تمثل تهديداً لخطوط الإمداد الألمانية الرئيسية، وكانت تمثل نقطة هامة وبارزة في الدفاعات الفرنسية، وأيضاً كان لفردان قيمة تاريخية للألمان.

 فقد كانت فردان آخر مدينة تسقط في يد الألمان أثناء الحرب البروسية الفرنسية التي اندلعت في فترة عام 1870 و1871 م.

وعلاوة على ذلك، تمثّل منطقة فردان قيمة رمزية للألمان، بفضل معاهدة فردان لعام 843م، والتي قسمت الإمبراطورية الكارولنجية وخلقت جوهر ما أصبح فيما بعد ألمانيا.

فردان
صورة علوية لمنطقة فردان / Wikipedia Commons

رأى فالكنهاين أنّ سيطرة الألمان على المنطقة المحيطة بفردان ستجعل الفرنسيين يعملون على استرجاعها، وتوجيه كل قواهم من أجل ذلك.

كانت خطة فالكنهاين الأولية هي إخضاع فردان لقصف مكثف، وبالتالي جذب القوات الفرنسية وتحويلها من جميع أنحاء الجبهة الغربية إلى الجبهة فردان التي يبلغ عرضها ثمانية أميال، بذلك كان فالكنهاين يريد إبادة جميع القوات الفرنسية أثناء دفاعها عن فردان بحسب ما ورد في تقرير لـ first world war.

خطّط فالكنهاين لاستخدام أكثر من 1200 قطعة مدفعية لتدمير الوحدات الفرنسية هناك، مع استخدام محدود للمشاة الألمان لتقليل خسائره.

سقطت مهمة قيادة معركة فردان على عاتق الجيش الألماني الخامس بقيادة ولي العهد الأمير فيلهلم، الذي خطط لمهاجمة البلدة من جانبي نهر الميز المحيط، وهي خطة عارضها فالكنهاين بشدة، كونها ستؤدي إلى وقوع خسائر فادحة للألمان، وأمر بالهجوم على الضفة الشرقية للنهر.

في فبراير/شباط 1916، انتهت تحضيرات الألمان للهجوم الكبير، في الأصل كان من المقرر أن يبدأ هذا الهجوم في 12 فبراير/شباط، لكن سوء الأحوال الجوية تسبب في تأجيله لعدة أيّام. 

في فترة التأجيل تلك، تلقى القائد العام الفرنسي جوفري معلومات استخباراتية عن الهجوم الوشيك، وقام بنشر التعزيزات على عَجَل في الجيش الفرنسي الثاني. 

الألمان يحرقون الفرنسيين في فردان

في الساعة السابعة والربع من صباح الـ21 فبراير/شباط 1916م، افتتح ولي العهد الأمير فيلهلم المعركة، من خلال قصف ألماني عنيف بـ1400 بندقية معبأة على طول الجبهة التي يبلغ طولها ثمانية أميال.

 خلال 21 ساعة متواصلة أطلق الألمان مليوني قذيفة على فردان، كانت 100 ألف قذيفة تسقط على الحون الفرنسية كلّ ساعة، وكانت نية فيلهلم هي قتل غالبية المدافعين الفرنسيين قبل أن يبدأ المشاة في تقدمهم إلى فردان.

كان التقدم الألماني في بداية هذه المعركة واضحاً فبعد ثلاثة أيام فقط، سقط أشهر حصن عسكري فرنسي بمنطقة فردان، ويتعلق الأمر بحصن دومونت الذي استولى عليه الألمان دون إطلاق رصاصة واحدة.

المدفعية كانت السلاح الأبرز خلال معركة فردان/ Wikipedia Commons

أمام الصدمة الفرنسية من الهجوم الألماني الكاسح، تولى الجنرال فيليب بيتان في أواخر شهر فبراير/شباط، قيادة الفرنسيين في المعركة، واعتمد بيتان على طريقٍ بعرض 20 قدماً، لنقل القوات الفرنسية من مختلف جبهات القتال إلى جبهة فردان، عوضاً على السكة الحديدية التي كانت تحت سيطرة الألمان. 

وخلال أسبوع واحد فقط من العمليات، تم نقل أكثر من 190 ألف جندي فرنسي و25 ألف طن من الذخائر والمواد الغذائية والإمدادات إلى الجبهة، مما ساعد على تغيير وضع المعركة، تم تغيير اسم الطريق لاحقاً إلى "الطريق المقدس" للاحتفال بمساهمته الحيوية في المجهود الحربي بمعركة فردان.

السوم تقلب معركة فردان رأساً على عقب

وإلى غاية شهر يوليو/تموز، كانت التقدم ألمانياً رغم التقارب في حجم الخسائر، إلى غاية شنّ قوات الحلفاء بقيادة الجيش البريطاني لمعركة السوم شمالي فرنسا، وهي المعركة التي أجبرت الألمان على سحب بعض قواتهم من فردان وتقليل اهتمامهم بها.

تسببت معركة السوم في استعادة الجيش الفرنسي بجبهة فردان لعافيته ومعنوياته ليشرع في مرحلة الهجوم المعاكس. 

في المرحلة الثانية من الحرب، استطاع الجيش الفرنسي استعادة عدة مناطق وحصون، في 24 أكتوبر/تشرين الأوّل 1916، استعاد الجيش الفرنسي حصن دومونت، وبعد أيام قليلة دخلوا فورت فو التي كانت فارغة، بعد هروب الألمان منها .

وبحلول شهر ديسمبر/كانون الأول 1916، كان الجيش الفرنسي قد استعاد السيطرة على مجمل الأراضي التي خسرها من الألمان في فردان.

وعلى مدى 10 أشهر التي دارت فيها المعركة، تكبد الجيشان في فردان خسائر هائلة، فخسرت فرنسا بينما خسر الألمان 337 ألف جندي، في حين أنّ 300 ألف قتيل لم يتم التعرف على هوياتهم.

تسببت معركة فردان العنيفة في تغيير المناظر الطبيعية الرعوية المحيطة بالمدينة بشكل دائم، ودمرت بشكلٍ كامل تسع قرى فرنسية هي كل من بومونت وبيزونفو وكوميير ودومونت وفلوري وهومون ولوفي مونت وأورنيس وفوكس. 

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، تم إحياء ذكرى القرى على أنها "ماتت من أجل فرنسا"، وعلى الرغم من كونها غير مأهولة، فقد استمر رؤساء البلديات في إدارتها للحفاظ على وجودهم ككيانات إدارية. تم إحياء ذكرى القتلى المجهولين في متحف دومونت، وهو نصب تمّ الانتهاء منه عام 1932، ويحتوي على رفات 150 ألف جندي فرنسي وألماني مجهول. 

شاركت فيها أمريكا وشهدت استعمال عشرات الملايين من القذائف

كانت معركة فردان أطول معركة في الحرب العالمية الأولى، وأكثر معركة تستعمل فيها القذائف المدفعية، فقد استعملت القوات الألمانية والفرنسية في تلك المعركة التي استمرت لعشرة أشهر كاملة، ما بين 40 و60 مليون قذيفة مدفعية، جعلت تلال فردان مثل البراكين. وسقط أكثر من 70% من عدد قتلى المعركة ضحية للقصف المدفعي، بحسب موقع history.

تسبب ذلك القصف، في ظهور مرض غريب، أصاب عشرات الآلاف من الجنود خلال تلك الحرب، ويتعلق الأمر بمرض نفسي اسمه صدمة القذائف.

عانى الكثير من الجنود من صدمة القصف خلال معركة فردان / Wikipedia Commons

 فعلى إثر القصف المدفعي المتواصل في معركة فردان، عانى العديد من الجنود داخل الخنادق من الارتباك والرعاش والرهاب والشلل وكانوا غير قادرين على التحكم في أفعالهم، فضلاً عن ذلك، أصيب بعض الجنود بحالات متقدمة من هذا المرض الغريب تميزت بفقدانهم للسمع أو النطق، كما أصبح آخرون غير قادرين على الوقوف.

ولعلّ الجميع لا يعلم أنّ مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى كانت قبل دخولها الرسمي سنة 1917، حين شارك سرب من الطيارين الأمريكيين في هذه المعركة إلى جانب القوات الفرنسية. 

تحميل المزيد