كانت قضية ملبس المرأة الإيرانية من أكثر المواضيع التي تشغل الرأي العام في إيران، خاصة مع تعيين السلطات قوات أمنية واسعة لضبط هذا الأمر في البلاد، الأمر الذي تسبب بين حين وآخر في تجدد الحراك الاحتجاجي ضد قوانين الحجاب الإلزامي في إيران.
لذلك بات من الضروري معرفة ما تستلزمه وتفرضه القوانين الرسمية في الدولة على النساء، مسلمات كنّ أو غير مسلمات، عند وجودهن في الأماكن العامة، وما المسوغات التي من خلالها تمتلك السلطات الإيرانية الحق في حبس ومعاقبة السيدات اللاتي تراهن "مخالفات للملبس المحتشم".
رفض واسع للحجاب الإلزامي في إيران
صار الحجاب الإلزامي إجبارياً على النساء في إيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، وشرطة الآداب العامة هي الجهة الرسمية المكلفة بفرض ذلك وغيره من القيود التي تهتم بالأخلاقيات العامة وفقاً لما تقتضيه رؤية الدولة.
وقد تعرضت هذه الجهة لانتقادات متزايدة في السنوات الأخيرة خاصة بسبب معاملتها للشابات، واعتقال الكثير من الناشطات، وفرض قيود واسعة على المجتمع.
وبحسب إذاعة DW الألمانية، تعارض ملايين النساء الإيرانيات هذه القواعد وممارسات شرطة الأخلاق، الأمر الذي جعل الاحتجاجات المحلية والتظاهرات أكثر تكراراً واتساعاً في السنوات الأخيرة.
وبشكل عام، ترتدي العديد من النساء الحجاب الإلزامي بشكل فضفاض ويسقطنه على أكتافهن، ما يعرضهن لخطر الاعتقال.
بينما تحاول الحكومة بقيادة المتشددين الدينيين في البرلمان فرض القوانين الإسلامية بشكل أكثر صرامة.
بصورة واسعة حالياً يتم تداول العديد من مقاطع الفيديو عبر الإنترنت، تظهر فيها النساء وهن يتعرضن للضرب والإساءة من قِبَل السلطات أثناء الاعتقال.
وغالباً ما تُظهر مقاطع الفيديو ضربات عنيفة على الرأس حيث يتم جر النساء من شعورهن إلى سيارات الشرطة.
وتُكلَّف شرطة الآداب -المعروفة رسمياً باسم "دوريات الإرشاد"- بضمان التزام النساء بتفسير السلطات للملابس "المناسبة". ويتمتع الضباط بالقدرة على إيقاف النساء وتقييم ما إذا كن يظهرن الكثير من الشعر؛ وما إن كانت سراويلهن ومعاطفهن قصيرة جداً أو مناسبة؛ أو أنهن يضعن الكثير من المكياج. وتشمل عقوبات مخالفة القواعد الغرامة أو السجن أو الجلد.
وخلال الشهور والسنوات الأخيرة واجهت شرطة الآداب انتقادات متزايدة بسبب استخدامها المفرط للقوة.
في نهاية يوليو/تموز عام 2022، منعت شرطة الآداب الإيرانية النساء من ارتداء المعاطف التي لا تغطي الركبتين، والسراويل الضيقة والجينز الممزق، وكذلك الملابس ذات "الألوان الزاهية".
القوانين الرسمية التي حددتها إيران لـ"ضبط النساء"
يُعد المشي مكشوفة أو بدون الحجاب في إيران جريمة يعاقب عليها القانون بموجب قواعد الحجاب الإلزامي المأخوذ بها بصرامة في البلاد.
ومنذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، يفرض القانون على جميع النساء، بغض النظر عن الجنسية أو المعتقد الديني، ارتداء الحجاب الذي يغطي الرأس والرقبة، مع إخفاء الشعر.
وقد نشرت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إيران، وثيقة من 119 صفحة توضح بالتفصيل سياسة الحجاب في الجمهورية الإسلامية، والرؤية من الحملة الحكومية الأخيرة لفرض حجاب النساء بشكل أكثر صرامة.
هذه السياسة التي تحمل اسم "مشروع الحجاب والعفة"، تم نشرها العام الماضي تقريباً على معظم الهيئات الحكومية الإيرانية. مع أمر بتنفيذ كل شرط من نصوصها، التي وافق عليها المجلس الأعلى للثورة الثقافية.
ومن بين ما نص عليه بحسب موقع:
استحداث كاميرات مراقبة في الأماكن العامة لمتابعة وتغريم النساء غير المحجبات أو إحالتهن "للاستشارة"، ويتم وضع طلاب المدارس الدينية في المباني السكنية لمراقبة كيفية لبس الساكنين في المناطق العامة، ومطالبة موظفي المستشفيات بتوفير "الملابس المناسبة" للمريضات في طريقهن إلى الجراحة، وتحديد غرامات على من يصمم أو يستورد أو يشتري أو يبيع "الفساتين المبتذلة"، علاوة على تحديد سياسات تأديبية جديدة للممثلات اللاتي يقمن بأي عمل مع الإذاعة الحكومية، وسن عقوبة سجن إلزامية لأي إيراني يسأل أو ينشر محتوى ضد الحجاب الإلزامي على الإنترنت.
وأعلنت الوثيقة أن أهم أهداف المشروع هي "تطهير المجتمع من التلوث الناجم عن عدم الالتزام بقواعد اللباس الإسلامي"، و "بناء نموذج للمجتمع الإسلامي فيما يتعلق بالعفة" و"الحفاظ على القيم ومكافحة الغزو الثقافي".
تأسيس سياسة الحجاب الإلزامي في إيران
كما تشير الوثيقة، كان من أولى الأوامر التي أصدرها الخميني بعد الثورة الإسلامية عام 1979 إدخال الحجاب الإلزامي في إيران. ثم في العام 1981، أعلنت المادة 18 من قانون إعادة بناء الموارد البشرية للهيئات الحكومية والوزارات أن عدم اتباع "قواعد اللباس الإسلامي" يعتبر جريمة يعاقب عليها بالجلد 74 جلدة.
منذ ذلك الحين، أُجبرت جميع النساء في إيران، سواء الأجنبيات أو الإيرانيات، مسلمات أو غير مسلمات، على اتخاذ خيار يومي: إما تغطية شعرهن خارج المنزل، أو مواجهة احتمال العقاب البدني المروع الذي تفرضه الدولة.
في 26 يوليو/تموز 1984 أصدرت نيابة الثورة بيان متابعة أعلنت فيه منع النساء غير المحجبات أو "المحجبات السيئات" من دخول المباني العامة والمكاتب الحكومية.
ثم في عام 1996، أضافت المادة 638 من قانون العقوبات الإسلامي عقوبة السجن من 10 أيام إلى شهرين إلى 74 جلدة للعقوبات المحتملة على القيام بخلاف ذلك.
وفي عام 2005، أصدر المجلس الأعلى للثورة الثقافية "قانوناً"، أبطل المجلس التشريعي الإيراني تنفيذ وتعزيز "الحجاب والعفة". لاحقاً تم تعديله عام 2019 ووضح بالتفصيل واجبات 32 وكالة حكومية إيرانية فيما يتعلق بالحجاب الإلزامي الإجباري.
وبحسب موقع Iran Wire للحقوق والقوانين الإيرانية، وجدت استطلاعات الرأي أن الرأي العام في إيران لا يتماشى مع رأي الحكومة فيما يتعلق بالحجاب القسري.
في الواقع، يقرّ الخبراء بحسب استطلاع الرأي بأن ما يُقدَّر بنحو 74% من الإيرانيين المشاركين لا يؤمنون بالحجاب الإلزامي.
انتقادات لحصر الدين الإسلامي في "حجاب المرأة"
جيد بالذكر أنه في يوليو/تموز عام 2022 أيضاً، استقال عبد الهادي مرعشي، وهو رجل دين مؤثر في مدينة مشهد المقدسة بإيران، من منصبه في المحافظة احتجاجاً على سوء سلوك دوريات الإرشاد أو شرطة الآداب. وقال مرعشي في خطاب استقالته: "إن فهمنا لما هو صواب وما هو خطأ في الإسلام يقتصر على الحجاب فقط".
وبدلاً من التركيز على تطبيق قانون الحجاب الإلزامي وما تلبسه السيدات في الدولة، اقترح مرعشي أن تعطي السلطات الأولوية لقضايا رئيسية أخرى مثل "الفساد الحكومي، والعدالة الاجتماعية، والأمن الاقتصادي، والتفاوت الطبقي، وإدمان المخدرات، والفقر، وحرية التعبير".
وقال النائب جلال رشيدي الكوشي ورئيس لجنة برلمانية للشؤون الداخلية، إن شرطة الآداب "لم تجعل أي امرأة جديدة ترتدي الحجاب"، مما يشير إلى أن استخدام القوة أدى إلى نتائج عكسية.
هذه التداعيات للقوانين التي تزداد صرامة يوماً بعد يوم أدت إلى انقسامات في الجمهورية الإسلامية، وكشفت قضية الحجاب الإلزامي بشكل كبير بالنسبة للمؤسسة، عن انقسامات بين رجال الدين، وقاعدة دعمها الرئيسية. كما أن المزيد من الانتقادات من قِبَل أبرز الشخصيات الدينية في الدولة يعني المزيد من التحدي في الشوارع.
مع تضرر العديد من الإيرانيين بالفعل من التضخم القياسي والبطالة المتزايدة، شكلت أزمة الحجاب الإلزامي واستخدام القوة المفرطة ضد "السيدات المخالفات" سبباً آخر للاحتجاج في الشارع الإيراني الذي لا يهدأ.