بعد ظهور الإسلام، حاول المسلمون نشر الدعوة الإسلامية في بقاع الأرض التي يصلونها، إما عن طريق الفتوحات، أو عن طريق الدعاة والعلماء وحتى التجار، حتى أنه وصل إلى بلاد بعيدة مثل السند والهند ومنغوليا والصين، إلا أنه تأخر في الوصول إلى بعض المناطق.
كان اليابان من ضمن تلك البلدان التي تأخر وصول الإسلام إليها، إلا أنه وجد طريقه إليها في نهايات القرن الـ19، وأخذ ينتشر في تلك المرحلة، متأثرة بالدول الإسلامية المهمة على رأسها الدولة العثمانية، على الرغم من الاعتقاد الحالي لدى البعض، بأن الإسلام هو ديانة غريبة تماماً عن اليابان.
وهذا ما وصفته صحيفة ميدل إيست آي في تقرير لها بعنوان "المانجا: الرابط المدهش بين فن الغرافيك الياباني والإسلام" بقولها: "وبينما تستمر وسائل الإعلام اليابانية في تصوير الإسلام على أنه غير يابانى، كانت هناك نقطة في القرن الـ19 والأوائل في القرن الـ20، عندما اهتمت بعض النخب اليابانية بمصلحة الإسلام، وهو أمر أفلت إلى حد كبير من الخيال الياباني المعاصر".
بعد سنوات طويلة من الانعزال.. اليابان تتصل بالغرب
عُرفت اليابان عبر تاريخها الطويل الممتد لعدة قرون قبل الميلاد، بأنها بلاد لها خصوصية في علاقاتها مع العالم من حولها، وذلك يعود لعدة أسباب، أبرزها وأكثرها أهمية هو طبيعتها الجغرافية، إذ إنها تتكون من أرخبيل يتكون من عدة جزر في شرقي آسيا تغلب فيها الجبال، مما جعل حركة مسار علاقة اليابان بالعالم معقدة بعض الشيء، فترات طويلة يسودها الإنعزال، وفترات أخرى تكون شبه مفتوحة، ومراحل مختلفة تتسم بالتوسعية.
إلا أن اليابان، وعلى الرغم من عزلها نفسها عن العالم منذ القدم، تأثرت بشكل كبير وخاص، منذ عصور مبكرة، في الثقافة والحضارة والمعتقدات الدينية الصينية، مثل البوذية والكونفوشيوسية، وهي مجموعة من المعتقدات والمبادئ في الفلسفة الصينية، طُورت عن طريق تعاليم كونفوشيوس وأتباعه، تتمحور في مجملها حول الأخلاق والآداب، طريقة إدارة الحكم والعلاقات الاجتماعية.
حدث أول اتصال ياباني بالغرب عام 1543، حيث وصلت سفن برتغالية بالصدفة بالقرب من جزيرة تانيغاشيما، في الجنوب الغربي من اليابان، وهناك تعطلت سفينة وانفجرت وما إن علمت الحكومة في البرتغال الأمر، أرادت الوصول لليابان بشكل أكثر تنظيماً ورسمية عبر ميناء ناغازاكي، بهدف التجارة مع هذا البلد الجديد، وفقاً لما ذكره موقع "متحف فكتوريا وألبرت" الإنجليزي.
يقول المؤلفان، المؤرخ صالح مهدي السامرائي، رئيس المركز الإسلامي في اليابان، وسليم الرحمن خان، مدير شؤون الدعوة بالمركز، في كتابهما "الإسلام في اليابان"، إن الاتصال بين اليابان وأوروبا دام حوالي 7 أعوام، مقتصراً على الأهداف التجارية، إلى أن قدم كاهن يسوعي للبلاد لنشر الديانة المسيحية عام 1549، ولم يلاقِ أي اعتراض من الحكام اليابانيين الذين أرادوا امتلاك وشراء الأسلحة الأوروبية.
بسبب المطامع الأوروبية الاستعمارية.. اليابان تعاود عزل نفسها
لم يؤثر المبشر فرانسيس كزافييه، القادم من إسبانيا، كثيراً في اليابانيين، إذ لم يدين بالمسيحية سوى عدد قليل منهم، ليوجه رحلته إلى الصين التي توفي فيها عام 1552، لكنه مهد الطريق للبعثات التبشيرية في اليابان من بعده، التي أصبحت تأتي باستمرار مع الوفود التجارية الأوروبية، التي حاولت بدورها تمهيد الطريق أمام الاستعمار الأوروبي، لكن حكام اليابان أحسوا بالخطر، واعتبروا أن هذه الوفود تسيء لهم ولشعبهم، فقرروا طردهم وإعادة سياسة العزلة.
يقول المؤلف حذيفة عبود مهدي السامرائي في كتابه "الدعوة الإسلامية في اليابان (ماضيها، حاضرها ومستقبلها)"، إن المنصرين كانوا يعملون كسفراء لدولهم، ويتدخلون في الشؤون الداخلية للدول التي تزيد فيها نشاطاتهم، وقامت في اليابان بعض التمردات التي شارك فيها المنصرون، حتى استعظم الحكام اليابانيون ذلك، وقاموا بإجلاء المنصرين والأجانب عن بلادهم، واختاروا أن يعزلوا أنفسهم مع عدم استقبال الأجانب أو السماح لليابانيين بالسفر، وهكذا مرت حوالي 200 عام، بهدوء نسبي.
هل اتصل المسلمون باليابان في تلك الفترة؟
حول علاقة اليابان بالإسلام والعالم الإسلامي في تلك الفترة، يقول الكاتب الياباني أبو بكر موريموتو في كتابه "الإسلام في اليابان"، إن اليابان عاشت في تلك الفترة وسط عزلة كبيرة، ولم يكن للإسلام آنذاك أي وجود يُذكر، ولم يُسمع عنه شيء.
إلا أن المؤرخ صالح مهدي السامرائي، والمؤلف سليم الرحمن خان، قالا في كتابهما: "لا بد من الإشارة إلى ما ذكره البروفيسور كونيكو كاتاكورا الذي عمل سفيراً لليابان في السعودية ومصر والعراق وعدد من البلدان العربية: أن تاريخ العلاقات بين اليابان والعالم الإسلامي يرجع إلى عهد انتشار الإسلام في آسيا، وازداد في عصر النهضة اليابانية الحديثة"، مؤكداً ضرورة اتصال اليابان مع العالم الإسلامي، حتى وإن لم يعرف الإسلام، ولكن لم تتفق المصادر التاريخية مع هذا القول، ولم يُسمع عن تواصل اليابان مع العالم الإسلامي، ولم يسجل معرفتهم بالإسلام من قبل.
بضغط وتهديد أمريكي.. اليابان تضطر للانفتاح مع العالم
بعد مرور سنوات طويلة على هذه العزلة، وبعد مرور 300 عام على قدوم الأوروبيين لها، وصلت شواطئ اليابان 4 سفن حربية كبيرة، بقيادة الكومودور، القائد في البحرية الأمريكية، ماثيو كالبرايث بيري، ساعياً لإعادة تأسيس التجارة والعلاقات المنتظمة بين اليابان والعالم الغربي، وفقاً لموقع مكتب المؤرخ التابع للحكومة الأمريكية.
هنا أدركت اليابان مدى خطورة هذا الموقف، واختلافه عن ما حدث في السابق، مستوعبة إشارات التهديد التي بعثت بها الدولة القوية الناشئة المعروفة بالولايات المتحدة الأمريكية، ووسط ضغط شعبي داخلي بعدم السماح للأجانب بدخول البلاد، وضغط خارجي جدي وخطير تمثله الولايات المتحدة يدعو للعكس، خشيت اليابان من التهديد، واضطرت على توقيع معاهدة صداقة مع الولايات المتحدة، وقامت بفتح بعض موانئها أمام الأجانب.
وهنا وجدت الحكومة اليابانية نفسها مضطرة للتعامل مع فرنسا وهولندا وبريطانيا وروسيا، وأفواج من المبشرين الذين جاءوا لتنصير الكثير من اليابانيين، فضلاً عن التدخلات في الشؤون الداخلية للبلاد، أدت في نهاية الأمر إلى حدوث انقلابات قوية وواسعة من قبل الشعب الذي أحس بالخطر، معتبراً أن حكامه وأمرائه (الذين كانوا يشكلون سلطة حقيقية لا يمتلكها الإمبراطور) رضخوا لضعفهم.
نتيجة لهذه الاضطرابات والانقلابات، تم القضاء على الحكام من الإقطاعيين، وأصبحت اليابان تحت حكم الإمبراطور الجديد ميجي عام 1868، الذي سرعان ما حاول أن يدخل الإصلاحات في إمبراطوريته، محدداً الأهداف الرئيسية ومسار العمل الذي يجب اتباعه في عهده، ووضع المرحلة القانونية لتحديث اليابان ودخولها مرحلة الانفتاح على العالم، وعمل على تعديل الاتفاقيات مع الغرب بما يتناسب مع مصالحه، حتى أنه بدأ يغزو بعض البلدان المجاورة.
عصر الإمبراطور ميجي.. الإسلام يجد طريقه في اليابان
كانت مرحلة الإمبراطور ميجي انتقالية مهمة في تاريخ اليابان، الذي وجد طريقه نحو الإسلام والحداثة، كما وجد الإسلام طريقه لدخول اليابان فيه أيضاً.
مع موجة الإصلاحات التي قام بها، أراد الإمبراطور ميجي أن يواجه المخاطر الأوروبية عن طريق الانفتاح على الدولة العثمانية ومراسلة سلطانها، عبد الحميد الثاني، فحرص الجانبان على إقامة علاقات ودية بين الشعبين، وتم تبادل الزيارات فيما بينهما.
ويذكر تقرير ميدل إيست آي أن خلال القرن الـ19؛ كان كل من إمبراطور اليابان والعثمانيين يراقبون محاولات الإصلاح لبعضهم البعض من أجل إنقاذ إمبراطورياتهم، وبذلك يقومون بفحص ثقافات وتقاليد بعضهم البعض، وبعد فترة توكوغاوا شوغونات التي كانت اليابان خلالها معزولة كثيراً عن العالم، أدى انفتاح فترة ميجي على العالم إلى تعرف اليابان على الإسلام.
وبالفعل، كان أول اتصال رسمي بين الدولة العثمانية واليابان عام 1871، حيث قام فوكوتشي جينشيرو، أحد المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية اليابانية بزيارة إسطنبول، وقد نقل إعجابه بالثقافة العثمانية، وأوصى بالتجارة معها، لتتوالى بعدها الزيارات بين البلدين، اللذين حاولا استغلال الفرص للتقارب وتقوية العلاقات بكافة المجالات بينهم، ومناقشة سبل صد التمدد الروسي في آسيا.
وبين عامي 1880- 1881، سافر رجال الأعمال والتجار اليابانيون إلى إسطنبول، مما أثار اهتمامهم بديانة مضيفيهم. ومن بين هؤلاء الرجال، توراجيرو يامادا، الذي كان يقيم في إسطنبول، والذي قام أيضاً بتعليم اللغة اليابانية إلى النخب المسلمة، وقد كان يامادا يرسل الرسوم التوضيحية لإسطنبول العثمانية أثناء إقامته إلى اليابان.
حادثة مأساوية نتج عنها دخول اليابانيين الإسلام
في منتصف عام 1889، انطلقت سفينة عثمانية صوب اليابان على متنها أكثر من 600 شخص، استقبلها الإمبراطور ميجي وسط ترحيب حار من الشعب الياباني، وبعد مغادرتها في شهر سبتمبر عام 1890، اصطدمت السفينة في صخرة وهي لا تزال في المياه الإقليمية اليابانية، ولم ينجُ منها سوى 69 شخصاً، وأقيم للضحايا نصب تذكاري في اليابان.
على الرغم من الحزن الذي تسببت الحادثة لدى الشعب الياباني والعثماني، فإنها كانت نقطة مهمة في الدعوة الإسلامية في اليابان، حيث نظم اليابانيون حملة تبرع لدعم أسر الضحايا العثمانيين تحت قيادة جريدة ييجي شيمبون، ليتم إرسال التبرعات مع وفد ياباني يتضمن الصحفي الياباني شوتارو نودا عام 1891، حيث قرر الصحفي البقاء في إسطنبول بعدها.
تتحدث ميدل إيست آي عن الصحفي، وتقول إنه ربما يكون نودا أول مثال معروف على اعتناق شخص ياباني الإسلام؛ حيث اعتنق الدين الإسلامي خلال فترة وجوده في إسطنبول سنة 1891، وكتبت عنه الصحف التركية حينها.
وعن هذه الحادثة، يحدثنا كتاب "الإسلام في اليابان"، أن نودا أسلم بعد إسلام أول مسلم إنجليزي "عبدالله غليام"، وأسمى نودا نفسه باسم عبد الحليم نودا، وطلب منه السلطان عبد الحميد البقاء في إسطنبول وتعليم عدد من الضباط العثمانيين اللغة اليابانية.
الكتاب أضاف أن الوثائق المحفوظة في الأرشيف الفرنسي تفيد أنه قد أجري مباحثات بين رجال الدولة اليابانيين والتجار المسلمين في مدينة يوكوهاما (عاصمة محافظة كاناغاوا، تقع على الجزيرة الرئيسية هونشو، في جنوب غربي خليج طوكيو) بغرض إنشاء مسجد فيها.
وفي عام 1891، زار الرهبان البوذيون إسطنبول لمعرفة المزيد عن الإسلام، فيما شق التجار المسلمون من الهند وعالم الملايو طريقهم إلى اليابان، وأصبح الاهتمام بفكرة الإسلام منتشراً بين الكثير من اليابانيين، لدرجة أن مقالاً كُتب في سنة 1893 في صحيفة يابانية بعنوان "الإسلام يدخل اليابان الآن".
أعلام اليابانيين الأوائل الذين دخلوا الإسلام
من بين الذين أسلموا أيضاً التاجر توراجيرو يامادا، التاجر أحمد بونبوشيرو أريجا الذي تحول للمسيحية في الهند، ثم تحول للإسلام في إسطنبول، والباحث نور محمد إب بيبي تاناكا، كما اعتنق العسكريان تاكيوشي أوهارا وميتسوتارو ياماوكا الإسلام بعد الحرب الروسية اليابانية في 1904-1905.
وكان أريجا مهتماً بما أسماه "الإسلام الياباني"، والذي كان عبارة عن نظرة توفيق بين القومية الآسيوية والإسلام، وقال تاناكا، الذي تعلم اللغة الصينية ودرس الكونفوشيوسية، إن طريقه إلى الإسلام كان عن طريق "الكونفوشيوسية الإسلامية"، وفي وقت لاحق قام برسم أوجه التشابه بين الإسلام والشنتوية.
كما أسلم الضابط والصحفي الياباني، حسن هاتانو، الذي تعاون في إصدار صحيفة "إسلام" باليابانية والإنجليزية عام 1912، وأصدر بعدها مجلة شهرية مصورة باللغة الإنجليزية، اسمها "الأخوة الإسلامية" عام 1918.
وفي بدايات الـ20، توافد الدعاة والتجار المسلمين من الدولة العثمانية ومصر والمناطق الإسلامية الأخرى، لزيارة اليابان لنشر الدين الإسلامي بين أهلها، وقد نالت دعوتهم القبول لدى الكثير من اليابانيين، ومن لم يدخل الإسلام لم يكن غاضباً من دخول الآخرين الإسلام، أو من تواجد الدعاة بشكل عام.
توافد المهاجرين المسلمين إلى اليابان
ذكر كتاب "الإسلام في اليابان"، أن أعداداً من التجار المسلمين أتوا من الهند واستقروا في اليابان، وزاد عدد هؤلاء المسلمين خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وبعدها، وساهموا في نشر الإسلام بين السكان وتعميق التفاهم والتعاون بين اليابان والعالم الإسلامي، وأسسوا جامع كوبه في مدينة كوبه اليابانية عام 1935.
كما هاجرت مجموعة أخرى من المسلمين إلى اليابان، جاءوا من روسيا والصين وكوريا، نتيجة الضغط الشيوعي عليهم عام 1917، أغلبهم من التركمان والقرغيز والقازان والطاجيك والأوزبك والتتار، استقروا في بعض المدن اليابانية، ونالوا هناك نوعاً من الحرية الدينية، وحصلوا على بعض التسهيلات، وقد تم قدوم المسلمين بسنوات إنشاء مؤسسات وجمعيات إسلامية داخل اليابان.
ومع التمدد الياباني في آسيا خلال فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وما سبقها، واحتلالها للعديد من المناطق في آسيا التي يسكنها غالبية مسلمة، لم تشأ الحكومة اليابانية خسارة المسلمين الذين انضموا لحكمها، أو خسارة بلاد المسلمين ومعاداتهم، فرأت أن عليها حسن التعامل مع المسلمين بشكل خاص، وعدم التعرض لهم للحفاظ على مصالحها، الأمر الذي جعل عدد من الضباط اليابانيين يتأثرون بالمسلمين ويدخلون في دينهم، وبالتالي بدأت تتأثر بعض قطاعات الدولة بالإسلام.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وهزيمة اليابان الكبرى فيها بعد إلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في شهر أغسطس/آب من العام نفسه، نص الدستور الياباني الجديد على عدم وقوع مؤسسات ودوائر الدولة تحت تأثير أي دين من الأديان، مع ترك الحرية للمواطنين باختيار واعتناق الدين الذي يريدوه.
عادت حركة هجرة المسلمين إلى اليابان مرة أخرى وبشكل كبير في ثمانينات القرن الماضي، حيث جاء المهاجرين من باكستان وبنغلادش والهند وسريلانكا وماليزيا وإندونيسيا وإيران وتركيا وبعض الدول العربية والإفريقية، طلباً للرزق وهرباً من اضطهاد بعض حكوماتهم، وتزوج العديد منهم من اليابانيين واندمجوا مع مجتمعهم، وساهموا في نشر الإسلام.
ونقل تقرير آخر، نشره موقع ميدل إيست آي بعنوان "كيف يجعل عدد المسلمين المتزايد من اليابان وطنهم؟"، عن البروفيسور هيروفومي تانادا، وهو خبير ياباني في الإسلام مؤلف كتاب "المساجد في اليابان: الأنشطة الاجتماعية للمسلمين المقيمين في اليابان"، قوله أن اليابان ستشهد زيادة في عدد الجيل الثاني والثالث من المسلمين المنحدرين من المهاجرين الذين "استقروا وأسسوا عائلات" في البلاد. وأضاف أن "هؤلاء المسلمين سيكونون "مسلمين هجينين" نظراً لأنهم سيتعرضون لخلفيات ثقافية متعددة. وسيلعبون دوراً رئيسياً في ربط جسور التواصل بين المجتمع المحلي والجالية المسلمة".
ولكن على الرغم من تقبل المجتمع الياباني للإسلام خلال القرن الماضي، فإن تانادا يقول إن عدد المسلمين في اليابان خلال سنة 2010، كان في حدود 110 آلاف أو 120 ألفاً، ولكن هذا الرقم بالكاد تضاعف خلال عقد من الزمان؛ ليصبح 230 ألفاً، واللافت أن حوالي 183 ألف مسلم منهم ليسوا يابانيين، وأغلبهم من إندونيسيا وباكستان وبنغلاديش، في حين أن العرب يمثلون ستة آلاف، و46 ألفا من اليابانيين.
وحتى مع الارتفاع الملحوظ في عدد المسلمين في اليابان، فإنهم ما زالوا يمثلون نسبة ضئيلة من السكان البالغ تعدادهم 126 مليون نسمة الذين يتبعون الشنتو أو البوذية، إلا أنه يرى أن عدد المسلمين في تزايد، بسبب تزايد الهجرة، وقدوم المهاجرين المسلمين إلى اليابان للعمل، والدراسة، ليستقروا فيها، لتعود ظاهرة اعتناق الإسلام بعد زواج العديد من المسلمين من مواطنين يابانيين، الذين غيروا دينهم عند الزواج.
على الرغم من هذا كله.. لماذا لم ينتشر الإسلام بشكل واسع في اليابان؟
وفيما يخص أسباب عدم انتشار الإسلام بالصورة المتوقعة والشكل الكبير، كما في الدول الآسيوية الأخرى، على الرغم من كل ما حدث خلال الفترة التي تحدثنا عنها، تتطرق كتاب "الإسلام في اليابان" بالحديث عن بعض هذه الأسباب، ومنها بعد اليابان الجغرافي عن العالم الإسلامي، وسياسة الانغلاق المعتاد عليها الشعب الياباني، ومنع الحكومات اليابانية تدريس مواد الدين في مناهج مدارسها، وأن المستشرقين لعبوا دوراً مهماً في تشويه صورة الإسلام لدى الشعب الياباني.
أضاف الكاتبان أسباباً أخرى لتأخر انتشار الإسلام، منها أيضاً الاضطرابات الداخلية السياسية التي يعيشها اليابان من وقت لآخر، والحروب التي عايشها، وكذلك الكوارث الطبيعية التي تواجه اليابان بصورة متكررة.
أما عن أخطر الأسباب، فهي هيمنة الولايات المتحدة على اليابان، وسيطرة وسائل الإعلام الغربية التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين، وربط الإسلام بـ"الإرهاب"، وهو ما يؤثر بشكل واضح على الرأي العام الياباني، كما أن سياسة الحكومة العلمانية خوفت به شريحة واسعة من الشعب الياباني من كل ماله علاقة بالدين الإسلامي وغيره، حيث صار الحديث عن الدين يسبب الإحراج في الأواسط الشعبية.
وهذا ما علق حوله تانادا الذي أشار إلى الأفكار المسبقة المنتشرة في اليابان حول المسلمين، تماماً مثلما هو الحال في أوروبا، حيث ساهمت في خلقها التغطية الإعلامية للإرهاب الذي يمثله المتطرفون المسلمون وبقية الأخبار السلبية الأخرى، إذ إنه ليس من السهل تغيير هذه الأفكار الخاطئة والصور النمطية عن المجتمع المسلم التي شكلتها وسائل الإعلام.
وعلى الرغم من عقود السلم والأمان التي عاشها المسلمون في اليابان، فإن عدداً من التقارير تحدثت عن حالة القلق التي يعيشونها حالياً؛ نتيجة تصاعد موجة العداء للإسلام "الإسلاموفوبيا" في اليابان، واتهمت الشرطة بمراقبة عدد كبير من المسلمين للاشتباه بهم بأنهم إرهابيون، في عملية ممنهجة تخضع لنظام يعتبر كل مسلم مشتبهاً به حتى يثبت العكس.