تاريخ الجزائر، خلال فترة الحكم العثماني الممتد لـ3 قرون خلت قبل الاحتلال الفرنسي سنة 1830، مليء بالشخصيات التي خلدت سيرها في الحرب والسلم، وقد كان معظم هؤلاء رجالاً، ولم يذكر التاريخ الجزائري خلال تلك الفترة سوى بعض النساء اللاتي خلدهنّ التاريخ.
ومن بين النسوة التي لا يزال ذكرهن مستمراً حتى الآن في الجزائر "الأميرة زفيرة" آخر أميرات الجزائر، وهي زوجة السلطان سليم التومي آخر حاكم للجزائر قبل الحكم العثماني لها، ارتبط اسم زفيرة بالأيام الأولى لحكم عروج ريِّس للجزائر، فقد أسرها البحار العثماني، لكنها فضلت الموت على أن تعيش تحت ظلّ حكمه.
الأميرة زفيرة.. الحسناء الجميلة التي ابتكرت زي البدرون أو الكاراكو
لا تذكر المصادر التاريخية عن حياة الأميرة زفيرة سوى أنّها ولدت سنة 1489، وتزوجت بحاكم مدينة الجزائر السلطان سليم التومي، قبل صعوده للحكم مطلع القرن السادس عشر، ولها ابن منه هو يحيى بن سالم التومي.
وزفيره باللغة العربية تعني المرأة التي يرتكز عليها البيت، وعلى الرغم من كون الأميرة زفيرة زوجةً لحاكم الجزائر سلطان التومي، إلّا أنّها كانت تعمل في قصرها في الخياطة والتصميم، فكانت أوّل من ابتكرت زي البدرون وسروال الشلقي العاصمي، وهما لباسان تقليديان صممتهما الأميرة زفيرة.
ومنذ وفاة الأميرة زفيرة لا تزال الجزائريات يلبسن البدرون والكراكو وسروال الشلقي العاصمي في حفلات الأعراس، بعد أن تحوّل لباس الأميرة زفيرة إلى زي تقليدي.
وقع عروج ريّس في حبها، لكنها قتلت نفسها بعد مقتل زوجها
مع مطلع القرن السادس عشر الميلادي تنامى الخطر الإسباني الذي كان يهدد الجزائر، فأرسل السلطان الجزائري سالم التومي إلى الأخوان بربروسا من أجل نجدته، وبالفعل قدِم البحارة العثمانيون بقيادة عروج ريّس لتحرير الجزائر من الإسبان سنة 1516.
نجح الأخوان بربروسا في تحرير مدينة الجزائر من التحرشات الإسبانية، ونتيجة لذلك تعاظم موقفهم وعلا شأنهم بين الجزائريين، في المقابل بدأ نفوذ السلطان سالم التومي نفسه بالتراجع سريعاً.
لجأ سالم التومي إلى الإسبان من أجل طرد الإخوة بربروسا واستعادة نفوذه وسيطرته، لكنَّ حظه أنّ خطته في الانقلاب على عروج ريّس انكشفت قبل أن تُنفَّذ، ليحكم عليه عروج ريّس بالإعدام ويقتله في حمام قصره. تلقت الأميرة زفيرة خبر مقتل زوجها، فاعتزلت في غرفة بقصرها.
في تلك الأثناء يذكر القنصل الفرنسي في الجزائر لوجي دو تاسي أنّ عروج ريّس، سمع عن زوجة سالم التومي وجمالها الأخاذ، فأرسل لها رسالة قال فيها: "زفيرة الجميلة، صورة الشمس، أجمل بصفاتك النادرة من الإشراق الذي يحيط بشخصك، أسعد غزاة العالم وأسعده، الذي يرضيه كل شيء؛ لا يخضع إلا لك ويصبح عبدك".
وحسب دوتاسي، عرض عروج الزواج على الأميرة زفيرة، لكنّ هذه الأخيرة كانت غاضبة لمقتل زوجها، فقامت بقتل نفسها على أن تعيش في ظل حكم عروج ريّس. لكنّ هذه الرواية التاريخية على عهدة القنصل الفرنسي، ويبدو أنّها رواية تمّ توارثها شفهياً في الجزائر، وليس لها سند تاريخي آخر غير رواية القنصل الفرنسي.
وبعد وفاتها حاول ابنها سالم استرجاع ملك أبيه، وذلك عبر الطريقة نفسها، الاستنجاد بالإسبان، فسافر إلى وهران لطلب مساعدة الممالك الإسبانية التي كانت تحتل وهران، لكن عروج ريّس استطاع هزيمتهم، وقُتل سالم ابن زفيرة وهو يحاول الانتقام لأمه وأبيه.
تم تجسيد سيرة الأميرة زفيرة في فيلم بعنوان "آخر ملكة"، خرج إلى النور سنة 2021، وجسّدت دور الأميرة زفيرة الممثلة عديلة بن ديمراد، وعرف الفيلم مشاركة الممثلة التونسية هند صبري والممثلة الفرنسية الفلندية ناديا تيريزكييفت، وتم إنتاج الفيلم بالشراكة ما بين الجزائر وفرنسا، إذ أسند إخراجه للمخرج الفرنسي الجزائري داميان أونوري، وأمّا الإنتاج فكان للفرنسية الجزائرية عديلة بن ديمراد.