يحدث أن يرفض الكثير من الشخصيات سياسات بلدانهم الخارجية، خاصة إذا كانت نتائجها غزواً واستعماراً واستغلالاً للشعوب، كما الحال مع الاستعمار الفرنسي للقارة الإفريقية.
عارض الكثير من الفرنسيين سياسة بلدهم الاستعمارية، وانخرطوا في حملات للمطالبة باستقلال تلك المستعمرات، ومن بين تلك الشخصيات التي دافعت عن استقلال المغرب- الذي خضع للحماية الفرنسية في النصف الأول من القرن الماضي- نجد السياسي ورجل الأعمال الفرنسي جاك لوميجر دوبرويل الذي دفع حياته ثمناً لقراره الدفاع عن استقلال المغرب، فما قصة هذا الرجل؟
بدأ حياته في العمل العسكري قبل أن يصير أحد أشهر رجال الأعمال في فرنسا
بحسب كتاب "اغتيال جاك لوميجر دوبرويل" لأستاذ التاريخ في جامعة شيكاغو الأمريكية الدكتور وليام هوسينغتون، ولد جاك لوميجر دوبرويل في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1894، أرسله والده إلى باريس للدراسة، أولاً في مدرسة "إيكول جيرسون"، وهي مدرسة تحضيرية كاثوليكية للبنين، ثم إلى معهد الدراسات السياسية بباريس.
كان جاك لوميجر دوبرويل يبلغ من العمر تسعة عشر عاماً عند بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914، ليلتحق حينها بـ كتيبة "فرسان التنين العشرين" وهي إحدى أهم الكتائب البرية بالجيش الفرنسي.
في العام التالي تم قبوله في مدرسة سلاح الفرسان للتدريب على المركبات المدرعة الخفيفة، وفي عام 1916 تم إرساله إلى رومانيا، كجزء من مهمة عسكرية فرنسية تعمل مع الجيش الروماني ضد النمساويين.
خدم بعدها جاك لوميجر دوبرويل مع الجيش التاسع الفرنسي حتى سنة 1918، تليها أربع سنوات من الخدمة العسكرية مع جيش الشام في سوريا، قبل أن يتمّ تسريحه من الجيش الفرنسي في عام 1922 برتبة نقيب.
في 27 يناير/كانون الأول 1926، تزوج جاك لوميجر دوبرويل من سيمون لوسيور، وهي ابنة رجل الأعمال جورج ليسيور مؤسس شركة لوسيور للزيوت.
عند وفاة جورج لوسيور في عام 1931، أصبح جاك لوميجر دوبرول رئيساً ومديراً عاماً للشركة التي أنتجت وسوقت زيت الطهي النباتي الفرنسي الأول.
بدأ انخراط جاك لوميجر دوبرويل في السياسة تدريجياً، فقد كان مناضلاً في اليمين المتطرف، وكان من ممولي منظمة اللجنة السرية للعمل الثوري "لا كاجول" في الثلاثينيات من القرن الماضي.
وفي الفترة ما بين مارس/آذار 1935 إلى سبتمبر/أيلول 1939 ترأس رابطة دافعي الضرائب، وكان من أبرز منتقدي الحكومات الجمهورية الفرنسية الثالثة.
خطط لإنزال الحلفاء بشمال إفريقيا
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939، عاد جاك لوميجر دوبرويل إلى الخدمة العسكرية حيث تمّ في فبراير/شباط 1940، إرساله مجدداً إلى رومانيا في مهمة خاصة من أجل إمداد فرنسا بالنفط الروماني، وفي نهاية مايو/أيار 1940 تمّ إرساله في مهمة استطلاعية، لكنه سقط في الأسر من قبل الألمان.
في 17 يونيو/ حزيران، تمكن من الفرار من أسر الألمان، ليعود إلى باريس فيجدها أسيرة هي الأخرى بيد الألمان الذين أسقطوها في وقت قياسي.
في تلك الأثناء نقلت شركة لوسيور جميع أنشطتها إلى مستعمرات فرنسا في إفريقيا، وافتتحت مقراً في الجزائر والدار البيضاء المغربية وداكار السنغالية.
في الجزائر، عمل جاك لوميجر دوبرويل بجدية لإقناع الحلفاء بإنزال قواتهم في شمال إفريقيا، وبالفعل قامت قوات الحلفاء بالإنزال في الجزائر العاصمة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1942، أثناء عملية الشعلة، مما مثّل نقطة تحول حاسمة في الحرب العالمية الثانية على الجبهة الغربية.
دافع عن استقلال المغرب وفتح جريدته لنشطاء حزب الاستقلال
كان جاك لوميجر دوبرويل في الفترة الممتدة من عام 1944 حتى بداية الخمسينيات من القرن الماضي، يناضل من أجل الحفاظ على النظام القائم في المغرب، وذلك لأسباب اقتصادية، خصوصاً أن شركته كانت تمتلك فرعاً بالدار البيضاء.
لكن أفكار جاك لوميجر دوبرويل بخصوص القضية المغربية سرعان ما بدأت تأخذ في التطور باتجاه ضرورة استقلال المغرب.
اتخذ جاك لوميجر دوبرويل منبر الصحافة للدفاع عن أفكاره بخصوص المغرب، وخلال تلك الأحداث نشر حوالي عشرين مقالاً ينتقد فيه الوضع بالمغرب.
ففي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1952، ظهر أول مقال له في صحيفة "المعلومات" يندد فيه بنقص الإصلاح والتعاون بين المغاربة والفرنسيين في المغرب بعنوان "فرنسا والمغرب وأمريكا".
ومنذ عام 1953 أصبحت مواقف جاك لوميجر- دوبرويل أكثر جدية بخصوص مطالب الاستقلال المغربي، بحيث شارك بقوة في تقريب وجهات النظر، من خلال عمله كوسيط بين ممثلي الحكومة الفرنسية والمدافعين عن مطالب استقلال المغرب من الليبراليين.
أكسبه ذلك الكراهية الشديدة للحركات المدافعة لصالح إبقاء المغرب تحت الحماية الفرنسية .
في أبريل/نيسان 1955، استحوذ جاك لوميجر دوبرويل على صحيفة "Maroc-Presse"، واستعملها للدفاع عن وجهة نظر الليبراليين من خلال افتتاحيات لها تأثير كبير على الرأي العام في المغرب، كما حوّلها إلى منبر للشخصيات المقربة من حزب الاستقلال.
اليد الحمراء تغتال السياسي الفرنسي المدافع عن استقلال المغرب
تسبب نضاله المستمر من أجل استقلال المغرب، في توجيه الحركات المناوئة لهذه المطالب لاستهدافه، وبالفعل وضعت منظمة "اليد الحمراء" الإرهابية، التي تأسست خصوصاً من أجل اغتيال الشخصيات المدافعة عن استقلال بلدان شمال إفريقيا الناشط السياسي الفرنسي في أجندة أهدافها.
ففي وقت متأخر من ليلة السبت 11 يونيو/حزيران 1955، وبينما كان جاك لوميجر دوبرويل يهمّ بمغادرة منزله الفاخر في الدار البيضاء متوجهاً إلى المطار للسفر إلى الرباط. اعترضت طريقه سيارة سيتروين سوداء وسط ساحة صارت تسمى باسمه.
أطلق المهاجمون على جاك لوميجر دوبرويل نحو 13 طلقة بواسطة سلاح رشاش، استقرت في جسده لتسقطه قتيلاً.
استمر التحقيق في اغتيال السياسي الفرنسي جاك لوميجر دوبرويل من 1955 إلى 1959 لكنه لم ينجح في تحديد الجهة التي تقف وراء اغتياله.
إلى غاية ديسمبر/كانون الأول 1962، حين اعترف شرطي بتورط منظمة اليد الحمراء باغتيال رجل الأعمال الفرنسي جاك لوميجر دوبرويل، وهو ما أكدته وثائق الأرشيف الفرنسي التي كشف عنها الرئيس فرانسوا هولاند بعد انتخابه سنة 2012.