في مدينة سان دييغو في 26 مارس/آذار 1997، وفي أحد المنازل المستأجرة تم العثور على جثث 39 رجلاً وامرأة يرتدون ملابس مماثلة بعد أن ارتكبوا انتحاراً جماعياً.
تم الكشف لاحقاً عن أن الرجال والنساء كانوا أعضاء في طائفة "بوابة السماء" الدينية، التي بشر زعيمها "مارشال أبل وايت" بأن الانتحار سيسمح لهم بمغادرة "حاوياتهم" الجسدية ودخول مركبة فضائية مخبأة خلف مذنب هيل بوب، ليصبح ذلك الحادث ثاني أكبر انتحار جماعي في تاريخ الولايات المتحدة.
مارشال أبل وايت زعيم طائفة "بوابة السماء" وليس مؤسسها
ولد مارشال في مدينة سبور بولاية تكساس في 17 مايو/أيار 1931، ودرس في كلية أوستن وتزوج وأدى الخدمة العسكرية في الجيش لعامين.
ومنذ الصغر، كان أبل وايت يمتلك موهبة واضحة في التحدث أمام الجمهور، وكان أيضاً لديه صوت جهوري وأذن موسيقية أوبرالية.
قرر "وايت" تجريب حظه في التمثيل في مدينة نيويورك لكنه فشل في ذلك، ولكنه لاحقاً نجح في أن يصبح أستاذاً في جامعة ألاباما، لكن هذه الوظيفة لم تستمر وانتهت بفضيحة وطُرد أبل وايت من وظيفته بعد دخوله في علاقة جنسية مع أحد الطلاب الذكور.
قالت لويس شقيقة أبل وايت: "كان بالعادة رئيس كل شيء. كان دائماً قائداً بالفطرة ولديه كاريزما كبيرة. كان قادراً على جعل الناس يصدقون أي شيء".
وعلى الرغم من أن "أبل وايت" معروف بأنه زعيم طائفة بوابة السماء لكنه لم يكن مؤسسها، ولكن المؤسس الحقيقي كانت "بوني لو نيتلز"، ممرضة كان لديها اهتمام كبير بالكتاب المقدس بالإضافة إلى بعض المعتقدات الروحية الغامضة.
التقى أبل و"بوني لو نيتلز"، في أواخر الستينيات من القرن الماضي، بعد أن بدأت حياة أبل وايت تنهار بعد طلاقه من زوجته، وترك وظيفته فجأة بسبب ما قال إنه معاناة نفسية، وحين بدأ رحلة العلاج التقى "بوني لو نيتلز".
أقنعت بوني أبل وايت بأنهما نبيان مذكوران في سفر رؤيا يوحنا. وخلُصا إلى أن القوانين الدنيوية لا تنطبق عليهما، وانطلقا في مهمة عبر البلاد لكسر القوانين. في عام 1974، اعتقلتهما السلطات لارتكاب جريمة الاحتيال باستخدام بطاقات الائتمان.
وبسبب الجرائم، سُجن أبل وايت لستة أشهر، لكن فكرته تطورت وحسب خلال مدة السجن. قرر أبل وايت أن البشر محبوسون في المستوى الدنيوي، وأن مهمته تكمن في مساعدة الآخرين للارتقاء إلى "المستوى التالي".
وبمجرد أن وضعوا نظام معتقداتهم معاً، لم يضيع أبل وايت ونيتلز أي وقت في الإعلان عن طائفتهم الجديدة. من خلال إعداد العروض للأتباع المحتملين في جميع أنحاء البلاد، وقاموا بتوزيع ملصقات تروج لمزيج من نظريات المؤامرة والخيال العلمي والدين المسيحي.
آمن أبل وايت أن "المستوى التالي" من الحياة بعد الموت، كان مكاناً مادياً في الفضاء، وبدأ أبل وايت وبوني في تجنيد الأتباع، وأعلن النبيان المزعومان أن جسماً غامضاً سيظهر في السماء ليصحبهما إلى المستوى التالي.
مزيد من الأتباع الباحثين عن "بوابة السماء"
بحلول عام 1975، جذب مارشال أبل وايت 20 تابعاً. وأمر هؤلاء الأتباع بالسفر في البلاد بدون لفت الأنظار وتجنيد أعضاء جدد.
توسعت الحركة رويداً رويداً لتصل في نهاية المطاف إلى 200 عضو، اصطفى أبل وايت وبوني من هؤلاء الأعضاء الأكثر ولاءً.
لكن أولاً، كان عليهم التخلي عن الجنس والمخدرات وجميع ممتلكاتهم الأرضية، وفي معظم الحالات، كانوا بحاجة أيضاً إلى التخلي عن عائلاتهم، عندها فقط يمكن أن يرتقوا إلى عالم جديد وحياة أفضل تُعرف باسم "TELAH".
نشر أبل وايت تعاليمه قائلاً إن طبيعة البشر فسدت. وبينما كان يسافر من ولاية إلى الأخرى، اتبع أبل وايت وأتباعه قواعد صارمة: كانت ممارسة الجنس محظورة، وكذلك حظر احتساء الكحوليات والتدخين. حلق الأعضاء شعر رأسهم وارتدوا ملابس واسعة كي يظهروا غير محددي النوع الجنسي.
وأوضح مايكل كونيرز أحد أعضاء طائفة "بوابة السماء" السابقين : "تم تصميم كل شيء ليكون نسخة طبق الأصل، لم يكن عليك أن تبتكر، حسناً، سأصنع الفطائر بهذا الحجم، كان هناك خليط وحجم محدد، كم من الوقت عليك طهيه على جانب واحد، وكم كان الموقد يعمل، وكم شخصاً حصل عليه، وكيف تم سكب الشراب عليه. كل شىء".
فسر روبرت روبين، أحد الأتباع السابقين، قائلاً: "كنا نحاول أن نفهم ما الذي يجري، ولماذا نحن هنا، وما هو المغزى من الحياة".
أخذ أبل وايت القواعد الصارمة إلى مستوى آخر بعد أن خصى نفسه، وشجع أتباعه الذكور على التفكير في خصي أنفسهم، وكثير منهم سار على نهجه.
وبشّر زعيم طائفة بوابة السماء قائلاً: "أي عضو في المملكة التالية يجد استحساناً من الشخص المستعد لتحمل كل الآلام المتزايدة الضرورية لفطام نفسك تماماً من حالتك البشرية".
بصرف النظر عن التخلي عن عائلتك وتسليم كل أموالك، فقد طُلب من أعضاء الطائفة تطهير أجسادهم من التأثير النجس لأشياء مثل الوجبات السريعة والأفكار الجنسية غير النقية.
قال عضو الطائفة السابق "ريتشارد فورد"، لمجلة نيوزويك: "إن المجموعة أخذت الأمر أبعد بكثير، لم يشربوا شيئاً سوى مزيج عصير الليمون والفلفل الحار وشراب القيقب لمدة ثلاثة
أشهر كاملة".
وفاة مؤسسة طائفة "بوابة السماء"
في عام 1985، توفيت بوني بمرض السرطان، وكان موتها بمثابة ضربة قاسية لأبل وايت، ليس فقط عاطفياً، ولكن أيضاً فلسفياً. كانت وفاة بوني سبباً في التشكيك في عدد من تعاليم الطائفة، ربما السؤال الأكثر إلحاحاً، لماذا ماتت قبل أن تأتي الكائنات الفضائية لاصطحابها معهم؟
وفقاً لأبل وايت، خرجت بوني من جسمها ودخلت منزلها الجديد بين كائنات "TELAH". وبالنسبة له، ادعى أنه لا يزال لديه عمل للقيام به على كوكب الأرض، لذلك كان يوجه أتباعه على أمل أن يجتمعوا مرة أخرى مع "بوني".
وأعلن أن نهاية الأرض قريبة، وظهر أتباعه في فيديوهات يحذرون في "نداء أخير" لمغادرة الكوكب.
عام 1995، قرأ مارشال بشغف عن المذنب "هيل-بوب"، وقرر أنه هو الجسم السماوي الغامض الذي تحتاجه الطائفة للصعود إلى المستوى التالي. وقال لأتباعه إن هيل-بوب هو "الفرصة الأخيرة لإخلاء كوكب الأرض قبل أن يعاد تدويره". ثم بدأ في إعدادهم جميعاً من أجل "الصعود".
ثم جاء عام 1997، لتتأهب الطائفة لمغادرة الأرض. تحت قيادة أبل وايت، وخططوا للموت عن طريق الانتحار كي يصعدوا إلى السماء.
خرجت الطائفة لتناول "العشاء الأخير" معاً
على الرغم من أن أعضاء بوابة الجنة كانوا معزولين عن عائلاتهم وأصدقائهم، إلا أنهم كانوا بعيدين عن العزلة الكاملة. كانت وجبتهم الأخيرة معاً عبارة عن عشاء جماعي كبير أقيم في سلسلة يترددون عليها بالقرب من مكان إقامتهم في كاليفورنيا.
قبل يوم واحد فقط أو نحو ذلك من تنفيذ عمليات الانتحار المخطط لها بدقة خرجت الطائفة لتناول العشاء الأخير معاً في مطعم ماري كالندر في كارلسباد.
يتذكر أحد العاملين في المطعم الحدث: "لقد طلبوا جميعاً نفس الشيء بالضبط". "تم إعداده قبل دخولهم. تناولوا جميعاً شاياً مثلجاً ليشربوه. سلطات العشاء مقدماً مع صلصة الطماطم والخل. لحم الديك الرومي، كعكة الجبن مع العنب البري للتحلية، بدوا لطيفين للغاية، ودودين للغاية، ومهذبين للغاية. لا أحد يبدو مكتئباً على الإطلاق، أو أي شيء من هذا القبيل".
الانتحار الجماعي لأعضاء بوابة السماء تحت مذنب هيل-بوب
في 26 مارس/آذار 1997، اكتشفت السلطات 39 جثة لأعضاء الطائفة داخل منزل مستأجر في مدينة سان دييغو، وجميعهم ملفوفون بقماش باللون الأرجواني، مع وجود حقائب فوق رؤوسهم. كانوا جميعاً يرتدون نفس الحذاء الرياضي من ماركة نايكي Nike Decades.
وأظهرت تقارير الطبيب الشرعي أن حالات الانتحار كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون متزامنة، قتل الأعضاء أنفسهم خلال 3 أيام، عن طريق تناول صوص التفاح الذي يحتوي على جرعة مميتة من المهدئات.
ثم قام الأعضاء بوضع الأكياس البلاستيكية على رؤوسهم واختنقوا حتى الموت، وبعد ذلك تمت تغطيتهم بأكفان. كانت وفاة أبل وايت متأخرة، لكنه لم يكن آخر من يموت.
وقبل أن يموتوا كان كل عضو يترك فيديو يحتوي على بيان منه. وفي نبرات صوت يبدو على أصحابها أنهم مصابون بالدوار، شرحوا كيف سيصعدون إلى الفضاء متخفين في ظلال مذنب هيل-بوب.
قال أحدهم: "إنه أسعد يوم في حياتي. تسعة وثلاثون (شخصاً) يصعدون".
وفي رسالته الأخيرة، حملق مارشال أبل وايت إلى الكاميرا وحذر: "إن فرصتكم الوحيدة للإخلاء هي أن تغادروا معنا. كوكب الأرض على وشك أن يُعاد تدويره".
تخلى عضوان عن مكانهما في "الرحلة الفضائية" للبقاء في الأرض وإدارة الموقع الخاص بالمجموعة. شرح مدير الموقع مجهول الهوية لاحقاً: "المعلومات يجب أن تبقى استعداداً لعودتهم. لا نعرف متى سيكون ذلك، لكن المهتمين سوف يعثرون على المعلومات".
ويُعتقد أن المنظمة لا تزال موجودة حتى اليوم، حيث تبقى نظريات زعيم طائفة بوابة السماء هي الأساس الذي تعتمد عليه المجموعة.