هل تحلم الحيوانات؟ نظراً إلى أنه لا يمكنك ملاحظة أحلام مخلوق آخر بشكل مباشر، فلا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت الحيوانات تحلم على وجه اليقين.
ولكن، منذ خمسينيات القرن الماضي، وجد العلماء بعض الأدلة المقنعة، وإن كانت غير مباشرة، على أن الحيوانات تحلم بالفعل.
هل تحلم الحيوانات؟
كتب أرسطو في كتابه "النوم والأرق": "من الواضح أن جميع الحيوانات الأخرى تقريباً تشاركنا في النوم، سواء أكانت مائية أو جوية أو أرضية".
كما كان للفيلسوف اليوناني رأي أيضاً يخص الأحلام عندما قال وفقاً لما ذكرته شبكة BBC البريطانية: "يبدو أنه لا يحلم الرجال فقط، ولكن الخيول أيضاً، والكلاب، والثيران، والأغنام، والماعز، والكلاب".
قد تفتقر أساليب بحثه إلى التعقيد، لكن ربما لم يكن أرسطو بعيداً عن الواقع.
بالتأكيد لا يمكننا أن نسأل الحيوانات عما إذا كانت تحلم، لكن يمكننا على الأقل ملاحظة الدليل على أنها قد تحلم.
هناك طريقتان قام بهما العلماء للقيام بهذه المهمة التي تبدو مستحيلة. الأولى هي النظر إلى سلوكها الجسدي خلال المراحل المختلفة لدورة النوم.
والثانية هي معرفة ما إذا كانت أدمغتها النائمة تعمل بشكل مشابه لأدمغتنا النائمة.
كيف تحلم الحيوانات؟
ينبع جزء من الدليل مما نسميه نوم حركة العين السريعة، الذي تم اكتشافه في عام 1953، وتتوافق هذه المرحلة من النوم عند البشر مع حالة الحلم.
أثناء نوم حركة العين السريعة، تتحرك عيناك ذهاباً وإياباً، ولا يمكنك التحرك كثيراً، وهناك كثير من النشاط الكهربائي الذي يحدث في دماغك.
بعد تحديد نوم حركة العين السريعة عند البشر، سرعان ما بدأ العلماء بدراسته على الحيوانات.
ويبدو أن جميع الثدييات والطيور التي تمت دراستها تقريباً- من الكلاب والقطط إلى خلد الماء ذي منقار البط، وحتى الزواحف- تدخل في هذه المرحلة من نوم حركة العين السريعة.
ووفقاً لما ذكره موقع EarthSky تتشابه أنماط النشاط الكهربائي في أدمغة الحيوانات خلال هذه المرحلة مع أنماط النشاط الكهربائي في أدمغة البشر. لذا، إذا أظهرت هذه الأنماط أن البشر يحلمون، فقد تكون هذه الحيوانات تحلم أيضاً.
مثال قد يثبت أن الحيوانات تحلم!
ما تزال أنثى الأخطبوط معلقةً رأساً على عقب وراء الحائط الزجاجي لحوض السمك، أسفل مستوى الماء مباشرةً.
عيونها مغلقة، وأذرعها الثماني معقودة وراء رأسها، بينما ينبض جسمها الرمادي الباهت في لطف لأنها نائمة.
ثم ترتعش فجأة، وينقلب لونها للأصفر، قبل أن يتغير لون جلدها الشهير بقدرته على التحول إلى البنفسجي الغامق. وتتلوى أذرعها في مكانها، ويبرز الرأس، ثم يتحول لون الجلد مرةً أخرى إلى الأخضر المرقش الشائك الذي يعمل كتمويه، وبعد مضي بضع دقائق، تهدأ ومضات الألوان لأن الحلم انتهى على ما يبدو.
عُرِض مقطع الفيديو المذكور للأخطبوط هايدي في عام 2019، خلال حلقة من مسلسل Nature الوثائقي، قبل أن ينتشر لاحقاً على نطاقٍ واسع.
العديد من الباحثين وفقاً لما ذكرته مجلة The Atlantic الأمريكية،
يرون أن الانبهار الواسع بهذ الفيديو كان نتيجة سوء فهم، فكيف نعرف أن أنثى الأخطبوط كانت تحلم من الأساس؟ بينما قال ديفيد بينا غوزمان، فيلسوف العلوم بجامعة ولاية سان فرانسيسكو، إن المشهد كان دعوةً للتأمل.
وينضم الكتاب إلى سلسلة حديثة من الكتابات العلمية التي تسبر أغوار التفاصيل المعقدة لمشاعر وإدراك الحيوانات، التي لا تحظى بالتقدير الكافي عادةً.
وتركز غالبية الكتابات عن إدراك الحيوانات حول حياتهم اليقظة، لكن بينا غوزمان حوّل الاهتمام إلى ما تفعله عقولها أثناء النوم.
واقترح أن الأحلام ليست مجرد شرارات ميكانيكية من النشاط العصبي، بل هي أدلة على الأفعال الغامضة للوعي نفسه.
كيف يمكن لشخصٍ أن يعرف ما يدور داخل عقل الحيوان النائم؟
سنبدأ بالأدلة الخارجية في البداية، إذ تمارس العديد من الأنواع في نومها سلوكيات تشبه البشر أثناء الأحلام، ومنها حركة العين السريعة، وارتعاش المفاصل، وإخراج الأصوات لا إرادياً.
حيث إن واشو مثلاً هو قرد شمبانزي في جامعة وسط واشنطن، وقد لوحظ وهو يؤدي إشارة "القهوة" بلغة الإشارة الأمريكية أثناء نومه، (وكان هذا القرد يحب القهوة ويطلبها من الباحثين أحياناً).
بينما اشتهر في كينيا فيل صغير يُدعى ندومي، بعد أن تعرضت أسرته للذبح بواسطة الصيادين غير الشرعيين، وكان يستيقظ من النوم وهو يبكي نتيجة ما يُعتقد أنها كوابيس ليلية.
ومسح بينا غوزمان بيانات أكثر موثوقية أيضاً، ومأخوذة عن تجارب معملية مصممة خصوصاً، وأظهرت القياسات العصبية والفسيولوجية الكهربائية المأخوذة من أدمغة مختلف الأنواع أنها ترى، وتسمع، وتشعر بسيناريوهات محددة وقابلة للتعريف أثناء نومها.
وتبدو تلك السيناريوهات بمثابة تكرار مباشر لتجارب عاشوها في حياتهم اليقظة.
حيث تتعلم طيور زيبرا فينش الأسترالية الأغنيات الفريدة التي ورثتها من العائلة.
ورسم علماء الأحياء مخططات لمنطقة الدماغ التي تتحكم في غناء الطيور لدى العصافير حديثة الولادة أثناء يقظتها وغنائها، وأثناء نومها.
ووجدوا أن الأنماط العصبية تتطابق بشكلٍ دقيق في الحالتين، ونغمة بنغمة. ويبدو أن العصافير الصغيرة كانت تتدرب أثناء نومها.
كيف تبدو أحلام الحيوانات؟
ترك بينا غوزمان هذا السؤال دون إجابةٍ أيضاً. لكنه يدعونا إلى محاولة تخيُّل تلك الأحلام. ولا شك في أن أحلام الحيوانات لن تشارك الخصائص نفسها مع أحلامنا، حتى وإن كانت مليئةً بالمتعة والألم مثل أحلامنا. وربما يوجد "عالم بلا سمات بشرية" يتكون من الروائح، والسونار، ومد وجزر المياه، والحرارة والبرودة بدلاً من عالم الصور واللغة الخاص بنا. وربما لا تخصنا مثل هذه الأحلام، لكنها ليست أقل تعبيراً بالتأكيد.