“دبلوماسية الطعام”.. كيف غزا المطبخ التايلاندي العالم بتدبير وتخطيط من الحكومة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/19 الساعة 20:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/20 الساعة 19:32 بتوقيت غرينتش
طاه من برنامج دبلوماسية الطعام صورة تعبيرية / shutterstock

عام 2001، أطلقت حكومة تايلاند حملتها "Global Thai" التي كان هدفها زيادة عدد المطاعم التايلاندية حول العالم، لكن سرعان ما تحول البرنامج إلى ما يُعرف اليوم باسم "دبلوماسية الطعام".

وهو ما جعل أطباق المطبخ التايلاندي التقليدية معروفة عالمياً، وتسبب بزيادة السياحة إلى تايلاند وساعد حتى بمهارة في تعميق العلاقات مع شعوب البلدان الأخرى والصورة الإيجابية عن تايلاند، وزيادة كبيرة في حجم الصادرات التايلاندية.

خطة سلسلة مطاعم تحولت إلى "دبلوماسية الطعام"

في عام 2001، أنشأت الحكومة التايلاندية شركة "Global Thai Restaurant Company Ltd"؛ في محاولة لإنشاء ما لا يقل عن 3000 مطعم تايلاندي بجميع أنحاء العالم.

في ذلك الوقت، كانت الحكومة تأمل أن تكون السلسلة مشابهة لمطاعم ماكدونالدز الأمريكية لكن للأطعمة التايلاندية، وضعت الحكومة خطةً مدتها 10 سنوات لتدريب الطهاة وإرسالهم إلى الخارج.
لكن خلال تنفيذ المشروع تغيرت الفكرة، إلى خطة أكبر طموحاً، وانتبهت الحكومة التايلاندية إلى الإمكانات الكامنة لهذا البرنامج، والتي يمكن أن تحقق فائدة عظيمة أكبر من مجرد سلسلة مطاعم، ضمن ما يعرف بـ"دبلوماسية المعدة" أو "دبلوماسية الطعام".

من تايلاند إلى العالم.. كيف طورت الحكومة "دبلوماسية الطعام"؟

في تايلاند كانت استراتيجيات "دبلوماسية الطعام" أو "دبلوماسية المعدة" يتم الإشراف عليها بالتعاون بين مختلف الإدارات الحكومية.

دبلوماسية الطعام
مطعم تايلندي / shutterstock

قامت "إدارة ترويج الصادرات" بوزارة التجارة، بوضع نماذج أولية لثلاثة "مطاعم رئيسية" مختلفة، وتقديمها خطة جاهزة من الألف إلى الياء، للمستثمرين ممن يرغب في الاستثمار في افتتاح مطعم تايلاندي، خارج تايلاند.

بدءاً من خطة العروض الترفيهية إلى قائمة الطعام، وحتى الديكور الذي يضم "أقمشة وأغراضاً فنية تايلاندية أصلية"، وطهاة وأدوات المطبخ وتوريد مواد غذائية من تايلاند.

وضمت الخطة نماذج جاهزة لمطاعم تناسب جميع الميزانيات سواء كان ذلك أكل الشوارع الشعبي، أو الأكل التايلاندي الفاخر.

كما قامت "إدارة ترويج الصادرات" بتنظيم اجتماعات بين رجال الأعمال التايلانديين والأجانب، وإجراء أبحاث السوق حول الأذواق المحلية في جميع أنحاء العالم، وإرسال ممثلين من معاهد الطهي التايلاندية إلى الخارج، لتدريب الطهاة في المطاعم الأجنبية.

وفي الوقت نفسه، قدَّم "بنك التصدير والاستيراد التايلاندي" قروضاً للمواطنين التايلانديين الذين يأملون فتح مطاعم في الخارج، وقدَّم بنك تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في تايلاند، قروضاً تصل إلى 3 ملايين دولار للمؤسسات في صناعة الأغذية التايلاندية.

ونشرت الحكومة في تايلاند دليلاً للطهاة التايلانديين الذين يذهبون إلى الخارج، والذي قدَّم معلومات حول التوظيف في الدول المختلفة والتدريب وحتى أذواق الأجانب، وشكّلت شبكات واسعة من موردي المواد الغذائية وأدوات المائدة، ونظمت معارض طهي وعروض طعام لا حصر لها في جميع أنحاء العالم.

وشاركت وزارة الصحة ووزارة الصناعة ومعهد تايلاند الوطني للأغذية ووزارة الزراعة في الدفع لتعزيز الطعام التايلاندي بالخارج، من تدريب الطهاة إلى فحص الصادرات إلى البحث عن وصفات جديدة، تناسب الأذواق الأجنبية. 

كما قدمت الحكومة التايلاندية عن طريق سفاراتها في الخارج، خدمات تقديم شهادة معتمدة من الحكومة التايلاندية، لأي مطعم يتم افتتاحه في تلك الدول، تضمَّن أن هذا المطعم يقدم طعاماً تايلاندياً تقليدياً أصلياً، ويلتزم بمعايير الجودة.

نتائج "دبلوماسية الطعام" الاقتصادية والسياسية

في وقت إطلاق برنامج "دبلوماسية الطعام"، كان هناك نحو 5500 مطعم تايلاندي خارج تايلاند، اليوم هناك أكثر من 15 ألف مطعم والرقم في ازدياد، وصاحَب زيادة هذا الرقم نجاحات كثيرة، ومنافع لا تعد ولا تحصى بالنسبة لتايلاند.

دبلوماسية الطعام
مطعم تايلندي / shutterstock

تستفيد تايلاند اليوم أكثر من 6 مليارات دولار سنوياً من الصادرات الغذائية مثل البهارات والتوابل والصلصات الجاهزة، التي تستوردها تلك المطاعم، وأكثر من 1.6 مليار دولار من تصدير مستلزمات المطاعم مثل الإثاث والديكورات والأطباق.

وأصبحت الأعشاب والتوابل من أسرع الصادرات نمواً في البلاد، حيث قفزت بأكثر من 30% منذ بداية البرنامج.

لعبت المبادرة دوراً في زيادة عدد السياح المتجهين إلى تايلاند بنسبة 200%، وقال أكثر من ثلث السائحين، إن الطعام التايلاندي كان سبباً حاسماً لزيارتهم. 

وبسبب خطوة منح شهادة للمطاعم من الحكومة التايلاندية، فرضت الحكومة التايلاندية على تلك المطاعم ما سمته الجودة "الحقيقية"، والتأكد من أن المطاعم تشتري ما لا يقل عن 70% من إمداداتها من تايلاند.

بعيداً عن الاقتصاد كانت هناك فائدة نشر التفكير الإيجابي فيما يتعلق بتايلاند، بين الشعوب الأخرى عن طريق الطعام، في استطلاع للرأي، قال أكثر من نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع، إنَّ تناول مطبخ بلد ما، دفعهم إلى التفكير بشكل أكثر إيجابية عن هذا البلد.

دول أخرى قلدت تايلاند في برنامج "دبلوماسية الطعام"


ألهمت مبادرة "دبلوماسية الطعام" أو "دبلوماسية المعدة" التي قامت بها تايلاند، لاكتساب القوة الناعمة من خلال الغذاء، الحكومات الأخرى أيضاً. 

خصصت كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، عشرات الملايين من الدولارات بداية من عام 2009، لحملتها للمطبخ الكوري للعالم، وحذت تايوان حذوها.

كما فعلت بيرو مع منتجها Cocina Peruana Para el Mundo، وماليزيا بمبادرة "مطبخ ماليزيا" للعالم عام 2010. وحتى كوريا الشمالية حاولت أن تنفذ مشروعاً مماثلاً، وحافظت على سلسلة دولية تضم أكثر من 100 مطعم، تسمى بيونغ يانغ، تعرض المواد الغذائية الكورية الشمالية، إضافة إلى العروض الموسيقية من قبل طاقم كوري شمالي.

وأطلقت الولايات المتحدة في عام 2012، برنامج "الشيف السفير" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية.

ويبدو أن الجميع اتفق على تطبيق المثل القائل: "أسهل طريق لكسب القلوب والعقول هو المعدة".

تحميل المزيد