سكان كهوف من العصر الحجري خدعوا العالم 25 عاماً.. القصة المذهلة لقبيلة “تاسادي”

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/19 الساعة 13:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/20 الساعة 19:33 بتوقيت غرينتش
قبيلة تسادي صورة تعبيرية / shutterstock

عام 1971 صُدمت الأوساط العلمية، حين أعلن المستشار الرئاسي لشؤون الأقليات في الفلبين عن اكتشاف قبيلة بدائية تدعى "تاسادي"، وكانت واحداً من أكثر الاكتشافات الأنثروبولوجية إثارة للفضول في القرن العشرين وحظيت بتغطية إعلامية دولية واسعة.

 لأنها كانت أول مجموعة بشرية يتم العثور عليها معزولة عن العالم منذ العصور الحجرية، لا تعرف معنى الحضارة وتعيش في الكهوف ولا تعرف معنى الأسلحة أو الحروب ولم ترَ البحر من قبل ولم تلتقِ بأي إنسان من مكان آخر من قبل.

ولكن الصدمة الأكبر كانت عام 1986، حين اكتشف الجميع أن الموضوع برمته كان تمثيلية، وأن أفراد القبيلة كانوا يرتدون الجينز والملابس الغربية، ويستخدمون الدراجات النارية للتنقل، وأن الخدعة بأكملها كانت بترتيب من المستشار الرئاسي، لسرقة ملايين الدولارات والسيطرة على الأراضي.

كيف بدأت خدعة قبيلة تاسادي؟

بدأت قصة قبيلة تاسادي مع "مانويل إليزالدي"، المستشار الرئاسي في الفلبين الذي ترأس وكالة حماية الأقليات الثقافية، في يوليو/تموز 1971، أعلن "إليزالدي" للصحافة عن الاكتشاف المذهل لوجود قبيلة بدائية تعيش في الأدغال، وأن صياداً محلياً صادف أفراداً من القبيلة في قلب الأدغال.

مانويل اليزالدي يتحدث مع قبيلة تاسادي/ gettyimage

وبحسب الرواية الرسمية، عاد الصياد لاحقاً إلى الموقع بعد أن أبلغ السلطات، مع "مانويل إليزالدي"، الذي رسم صورة رومانسية لأناس لطفاء ومسالمين وأبرياء للغاية.

وأعلن أنهم ليس لديهم كلمات تشير إلى أسلحة أو عداء أو حرب ولم يدركوا حتى أنه كان هناك بلد؛ لم يدركوا أن هناك بحراً. لم يعرفوا حتى ما هو الأرز، وكانوا يعيشون حياة رجال الكهوف وغير مدركين تماماً أن هناك أشخاصاً آخرين على هذا الكوكب.

 العالم، الذي سئم من صور الرعب القادمة من فيتنام التي مزقتها الحرب، لم يستطِع الاكتفاء من القصة.

أقنع "إليزالدي" الرئيس الفلبيني بإعلان 19000 فدان من الغابات المحيطة بقبيلة "تاسادي"، محمية طبيعية تحت تصرف "إليزالدي"، ومنع وصول الجمهور والصحافة إليهم إلا بإذنه وتواجده بحجة حماية طريقتهم في الحياة من الانقراض.

وعين نفسه حامي القبيلة، وقاد قافلة من الإعلاميين والأنثروبولوجيين والمشاهير للقائهم وتصويرهم ودراستهم.

تغطية إعلامية عالمية لقبيلة "تاسادي"

جذبت القصة انتباه العلماء والصحفيين من جميع أنحاء العالم، وسافر الكثيرون إلى الفلبين لدراسة تلك المجموعة، في محاولة لفهم كامل لطريقة حياة القبيلة البدائية التي يمكن أن تساعد على فهم حياة إنسان الكهف.

حتى إن مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" أفردت 32 صفحة من التغطية عن القبيلة، وظهرت على الغلاف صورة بالحجم الكامل لطفل يدعى "لوبو" من قبيلة "تاسادي" يتسلق شجرة.

كما كتب المصور المخضرم في وكالة أسوشييتد برس "جون نانس" تجربته المباشرة في كتاب بعنوان "The Gentle Tasaday".

ونشرت صحيفة نيويورك تايمز قصة عن قبيلة  "تاسادي"، وصفت كيف كانوا مجموعة من البشر البدائيين، ولم يكن لديهم كلمة عن البحر؛ لأنهم لم يروه من قبل. 

ونقلت وسائل إعلامية كثيرة عن أفراد تلك القبيلة، الذين كان عددهم 27 شخصاً، ويعتمدون نظاماً غذائياً من لحم القرود والفطر فقط، وليس لديهم معرفة بالزراعة ولا الأدوات المصنوعة من المعادن. ولا توجد كلمة في لغتهم تشير إلى الحروب أو لشعب آخر.

بداية الشكوك حول خدعة قبيلة "تاسادي"

منذ البداية كان السكان المحليون في الفلبين، يشككون في ارتباط إليزالدي بقبيلة "تاسادي".

قبيلة تاسادي
قبيلة تاسادي/ gettyimage

باعتباره شخصاً مثيراً للجدل ونادراً ما شارك في مشروع لم يستفِد منه، ولم ينَل منصب المستشار الرئاسي سوى لعلاقاته بالرئيس الفلبيني آنذاك "ماركوس" والذي كان شخصية ديكتاتورية معروفة بفسادها.

في عام 1972، وجد عالم النبات "دوغلاس ين" وعالمة الأنثروبولوجيا "كارول مالوني" مشاكل في النظام الغذائي ولغة قبيلة "تاسادي"، وقال إنه لا يمكن أن يستطيعوا البقاء على قيد الحياة بالطعام الذي يأكلونه.

على الرغم من أنهم لم يطعنوا أبداً في صحة قصة القبيلة وأنهم كانوا قبيلة بدائية، لكن اقترحوا أنهم ربما انفصلوا عن المجتمع منذ 100 عام فقط.

ثارت الشكوك أكثر، عندما وصل طاقم من مجلة "ستيرن" الألمانية، ووجدوا أفراد قبيلة "تاساداي" في مساكنهم الكهفية، وهم يرتدون أوراق الشجر، ولكن بملابس داخلية من القماش تطل من تحتها.

كما شكك البعض بفكرة كونهم لم يصادفوا بشراً آخرين من قبل، خاصة أن أقرب مدينة من موقعهم كانت تبعد 3 ساعات فقط.

بعد تصريحات العلماء "ين" و"مالوني"، وتقرير المجلة الألمانية، أصدر "إليزالدي" قراراً بالحد من وصول العلماء إلى قبيلة "تاسادي" ومنع طرح أسئلة معينة.

واشتبه الكثيرون في أن القرار كان جزءاً من مؤامرة "إليزالدي" من أجل الاستيلاء على الأرض التي أعلن أنها محمية وتعزيز حياته السياسية، بالإضافة إلى ملايين الدولارات التي حصل عليها من الباحثين والصحفيين من أجل حقوق دراسة القبيلة، بالإضافة لتمويل الحكومي لحماية الأرض والقبيلة.

ثورة في الفلبين تكشف حقيقة قبيلة "تاسادي"

عام 1986 فر الرئيس الفلبيني "ماركوس" وعائلته من البلاد بعد سلسلة من المظاهرات الشعبية كانت السبب في نهاية فترة حكمه، ومعها سقطت سُلطة "إليزالدي" الذي غادر البلاد أيضاً، بعد أن جمع حوالي 35 مليون دولار على الأقل من أموال تم تخصيصها من أجل الأبحاث وحماية قبيلة "تاسادي".

قبيلة تاسادي
قبيلة تاسادي أمام منازلهم / Wikimedia Commons

وبينما احتفل الفلبينيون بنجاح ثورتهم، رأى الصحفي السويسري "أوزوالد إيتن" فرصة للتحقق من حياة قبيلة "تاسادي" والتأكد من القصة بنفسه، ولكنه صدم حين عثر على قبيلة العصر الحجري بعيداً عن الكهوف، ويعيشون في أكواخ ويرتدون ملابس على الطراز الغربي، ويعملون في الزراعة.
وأخبروا الصحفي أنهم في الواقع ليسوا قبيلة تسمى "تاسادي"، إنما مجموعة من المزارعين. وأن إليزالدي هو من جعلهم يتظاهرون بأنهم رجال كهوف وأشخاص من العصر الحجري، ووعدهم بالمال والحماية والطعام والملابس مقابل التظاهر بأنهم رجال الكهوف.

وكان كل هدفه هو السيطرة على تلك الأراضي والحصول على الاهتمام الإعلامي والتمويل الذي احتفظ به لنفسه.

تحميل المزيد