هو صانع ألعاب فرنسي من الطراز الرفيع، عاش مجده الكروي وتألق مع نادي "بايرن ميونخ" الألماني، حيث حقق 24 بطولة، أبرزها الدوري الألماني (9 مرات) وكأس ألمانيا (3 مرات) ودوري أبطال أوروبا.. إنه "جوهرة الكرة الفرنسية" فرانك ريبيري.
وُلد وعاش بشمال فرنسا على ضفاف بحر المانش، في الجهة المقابلة لبريطانيا، وسط عائلة مسيحية كاثوليكية، قبل أن يُشهر إسلامه عام 2004 حين كان عمره 23 عاماً فقط، متخذاً اسم بلال.
طفولة صعبة بسبب حادث سيارة
تعرّض الطفل فرانك لحادث سيرٍ خطير، عندما كان من عمره عامين فقط، وهو الحادث الذي كان له الأثر الكبير -مُستقبلاً- في تكوين شخصيته. وعلى الرغم من الإحاطة التي وجدها من العائلة والأقارب، إلّا أنه كَبر على وقع كلمة "الوحش"، التي كانت تُقال له بشكلٍ دائم، وفي مواقف مختلفة.
فخلال الحادث، تعرّض وجه فرانك ريبيري لتشوّه كبيرٍ، لا تزال آثاره واضحة حتى الآن، ما جعل الكثير من أطفال الحي وزملائه في المدرسة يتنمّرون عليه ويلقبونه بـ"الوحش".
وقد لازمه التنمر أيضاً في السنوات الأولى من مشواره الرياضي؛ وبعدما بدأ بممارسة رياضة كرة القدم في سن السادسة، ضمن نادي "بولون" للناشئين، التحق ريبيري عام 1995 بالمركز التكويني لنادي "ليل". لكنه طُرد عام 1999، بسبب ضعف نتائجه الدراسية وسوء السلوك.
كانت فترة تواجد ريبيري في نادي "ليل" الأكثر صعوبة في حياته. فقد كان ببداية مراهقته، ويعيش في مدرسة داخلية بعيداً عن عطف وحنان عائلته، وسط نظراتٍ وعبارات تنمّرٍ قاسية يسمعها على مدار الساعة.. الأمر الذي أثّر في نفسيته ونتائجه الدراسية، وبالتالي جعل منه فتى عدوانياً.
صديق جزائري أعاد له الأمل في الحياة
عاد الفتى فرانك الى مسقط رأسه "بولون سير مار"، وهو في سن الـ16، حيث تعرّف إلى فتى جزائري يُدعى "مالك"، وربطتهما صداقة متينة.
تعرّف ريبيري، من خلال زياراته المتكررة لعائلة مالك، على دين الإسلام -ولو بشكلٍ سطحيٍ- حين كان يشاركها المناسبات الدينية، كشهر رمضان وعيدَي الفطر والأضحى وغيرها، ولكن من دون أن يفكر في اعتناقه جدياً.
فقد كان مأخوذاً بـ"وهيبة"، شقيقة مالك التي تكبره بسنةٍ ونصف، كما أن تفكيره كان منصباً أكثر على مواصلة ممارسة كرة القدم خلال تلك الفترة.
واصل فرانك ريبيري تكوينه الرياضي في نادي "بولون" لمدة 3 سنوات (من 1999 إلى 2002)، ثم لعب مع فرق فرنسية صغيرة كـ"أرليس" و"بريست"، قبل أن تنفجر موهبته ضمن نادي "ميتز" في النصف الأول من موسم (2004-2005) ويلفت انتباه نادي "غالاتا سراي" التركي، فيضمّه إلى صفوفه في يناير/كانون الثاني 2005.
وبعد تجربة قصيرة وناجحة في تركيا، عاد اللاعب الناشئ إلى فرنسا من بوابة نادي "مارسيليا" الكبير في صيف 2005، والذي تألق في صفوفه بشكلٍ كبير، وفتح له أبواب الانضمام إلى منتخب فرنسا الأول، والمشاركة في نهائيات مونديال ألمانيا 2006.
اعتنق الإسلام قبل سنتين من إعلانه
وفي حين اكتشف الجمهور فرانك ريبيري كلاعبٍ موهوب، في نهائيات كأس العالم لكرة القدم بألمانيا في صيف 2006، اكتشفه أيضاً كرجلٍ مُسلم حين كان يرفع يديه لقراءة "الفاتحة"، قبل بداية كل مباراة.
وإذا كان الجمهور الرياضي العالمي الواسع قد اكتشف تحوُّل ريبيري من المسيحية إلى الإسلام خلال مونديال 2006، فإنّ متتبعي الدوري الفرنسي لكرة القدم -وبالخصوص مباريات فريقه مارسيليا- كانوا قد لاحظوا قراءته للفاتحة منذ صيف 2005، بعدما اعتنق الإسلام رسمياً عام 2004.
في العام نفسه، تزوج ريبيري من وهيبة بلماهي (شقيقة صديقه مالك) في 10 سبتمبر/أيلول. وقد تحدث عن قصة دخوله إلى الإسلام مُلمحاً إلى أنها هي السبب، حين قال في تصريحاتٍ صحفية: "رغبتُ الزواج من وهيبة وتمسّكت بذلك، وعملتُ كل ما في وسعي من أجل الظفر بمن أحبها قلبي".
وتابع قائلاً: "زاد إصراري عندما عرفتُ أنها تبادلني المشاعر نفسها وتوافق على الارتباط بي، قبل أن تُعلن ضرورة إشهار إسلامي حتى يتم الزواج. والجميل في ذلك أن عائلة وهيبة ساعدتني كثيراً في السير نحو هذا الاتجاه، وأعتقد أن قراري جاء بعدما أيقنتُ تماماً أن الإسلام هو دين الفطرة والدين الحق".
وأوضح نجم الكرة الفرنسية أنّ اختياره الإسلام قد جاء عن قناعةٍ تامة، وليس فقط من أجل الزواج بمن اختارها قلبه، فتابع يقول: "ذهبتُ إلى المسجد برفقة والد وهيبة، وأعلنتها على الفور، وبنيّةٍ خالصة".
أنجب الزواجن، فرانك ووهيبة ريبيري، 5 أولاد هم على التوالي: حيزية، وشاهيناز، وسيف الإسلام، ومحمد، وكلثوم.
وعن سبب اختياره اسم "بلال"، كشف ريبيري أن جدة وهيبة أطلقت عليه هذا الاسم عندما أمضى عدة أيام وسط عائلتها في بولون؛ "حينها تعرّفتُ إلى الجدّة، وخلال لقاءاتنا العديدة" -يتابع ريبيري- "كان يصعب عليها نطق اسم فرانك بشكلٍ سليم، ما دفع بها إلى مناداتي ببلال، وهو الاسم الذي اخترته لدى اعتناقي الإسلام، وفرحتُ به أكثر عندما علمت مكانة الصحابي الجليل بلال بن رباح".
حساسية بعض الفرنسيين لاختياره الإسلام
لم يمرّ اعتناق فرانك ريبيري الإسلام من دون أن يثير ذلك حساسية لدى شريحة واسعة من المجتمع الفرنسي. وغالباً ما يُشار إلى ديانته الجديدة بشكلٍ سلبي، عند تراجع أدائه الكروي، وهذا ما ألمح إليه بنفسه في تصريحٍ سابق نقله عن لسانه موقع Football France الفرنسي.
وقال ريبيري: "بعض الأشخاص يحكم عليّ بناءً على اختياراتي في الحياة، بناءً على تحوّلي إلى الإسلام مثلاً. ما علاقة ذلك بنتائجي المحققة في كرة القدم؟ ومن يكونون لكي يحكمون عليّ؟ الأمر متعلق فقط بمعتقدات شخصية، والدين هو اختيار أسلوب حياة يقوم على تنازلات".
وأوضح في تصريحٍ آخر لمجلة GALA الفرنسية: "ليس لأنني مسلم، فمعنى ذلك أني لم أعد فرنسياً. أنا فرنسي، وألعب لبلدي، وللمنتخب الفرنسي".
دور الحياة الروحية في تألقه الرياضي
بعد تألقه مع فريق مارسيليا، سعت العديد من الأندية الأوروبية الكبيرة للاستفادة من مهارته، ففاز به نادي "بايرن ميونيخ" الألماني الذي تعاقد معه رسمياً يوم 1 يوليو/تموز 2007، بعدما دفع مبلغ 30 مليون يورو لنادي الجنوب الفرنسي.
لعب فرانك ريبيري في صفوف بايرن ميونيخ 12 موسماً كاملاً، فأصبح أحد أساطير العملاق البافاري، بعدما أسهم في تتويجه بـ24 لقباً محلياً، قارياً ودولياً، أبرزها لقب دوري أبطال أوروبا سنة 2013، والسوبر الأوروبي، وكأس العالم للأندية في العام نفسه.
كما نال خلال فترة تواجده مع البايرن، جائزة أفضل لاعب في أوروبا لموسم 2012- 2013، وحلّ بالمركز الثالث في جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم سنة 2013.
يبلغ ريبيري حالياً 39 سنة، وهو لا يزال يمارس رياضة كرة القدم في أعلى مستوى، فهو ينشط في الدوري الإيطالي لكرة القدم، ضمن نادي "ساليرنيتانا" الإيطالي.