هو موسيقي ومجرم أمريكي، أسّس في ستينيات القرن الماضي طائفة دينية متطرّفة، معظم أفرادها من النساء والموسيقيين، ارتكبت سلسلة من عمليات قتلٍ مُرَوّعة في مدينة لوس أنجلوس.
في عام 1967، شكّل تشارلز مانسون ما يُعرف باسم "عائلة مانسون" (Manson Family) وكان مقرّها كاليفورنيا.
بعد عامين، ارتكب أتباعه 9 جرائم قتل في 5 أسابيع فقط، أشهرها تلك التي ذهبت ضحيتها الممثلة الأمريكية شارون تيت، زوجة المخرج البولندي الشهير رومان بولانسكي، والتي ماتت في ظروفٍ وحشية وهي حامل في شهرها الثامن.
وفقاً لمفوّض لوس أنجلوس، تآمر مانسون لبدء حربٍ عرقية. ورغم أنه لم يرتكب أية جريمة بنفسه، إلا أنه لم يستطع الإفلات من الإدانة وقضى بقية حياته في السجن؛ لأن القضاء اعتبر أن أيديولوجيته تشكل مؤامرة فعلية وصريحة.
أُدين بجريمة قتل 7 أشخاص والتآمر على القتل من الدرجة الأولى، كما أُدين تشارلز مانسون شخصياً بتهمة القتل من الدرجة الأولى لكلّ من غاري هينمان ودونالد شي.
طفولة تشارلز مانسون ودخوله السجن في سنّ مبكرة
وُلد مانسون يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1934، في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو الأمريكية، تحت اسم تشارلز مادوكس. والده مجهول الهوية ووالدته تمتهن الدعارة، تُدعى كاثلين مادوكس، وقد دخلت السجن عندما كان يبلغ من العمر 5 سنوات، لارتكابها جريمة سرقة.
تربّى تشارلز الطفل عند خالته وخاله؛ ووفقاً لموقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، فإن والدة تشارلز، وقبل دخولها السجن، كانت قد تزوجت من ويليام مانسون، فأخذ تشارلز لقب عائلة زوج أمه.
وعندما أُفرج عن كاثلين مادوكس بشروط، بعد قضائها 3 سنوات وراء القضبان، عاشت مع ابنها تشارلز في بيوتٍ مهجورة عدة قبل أن تنجح المحكمة في وضعه بمركز للرعاية الكاثوليكية، لكنه هرب بعد 10 أشهر فقط، حينما كان يبلغ من العمر 9 سنوات.
ووفقاً للموقع الفرنسي Slate، فقد شخّص الأطباء حالة مانسون النفسية بـ"غير الاجتماعي" حين كان يبلغ 16 عاماً فقط. وبعد سنتين، شخّصه طبيب آخر بـ"مصدوم نفسياً وحساس جداً ومتأثر بغياب الحب والعاطفة".
لم تكن تلك التشخيصات الطبية تتم بناءً على رغبة تشارلز مانسون بالمعالجة، بل لأنه كان "زبوناً" دائماً لدى السجون الأمريكية، لا يلبث أن يخرج من سجنٍ حتى يدخل إلى آخرٍ، بسبب كثرة الجرائم والجنح التي يرتكبها.
ولكن بعد عام 1954، وبعد إظهاره سلوكا حسناً، مُنح الإفراج المشروط فانتقل إلى ولاية فرجينيا للعيش مع والدته. وفي عام 1955 تزوج من روزلين جين، التي كانت تعمل في إحدى المستشفيات.
عاد إلى سرقة السيارات، فوُضع قيد المراقبة لمدة 5 سنوات. وعندما لم يمثل أمام المحكمة في قضية أخرى، حُكم عليه بالسجن 3 سنوات، وخلال هذه الفترة طلّق زوجته بعدما اكتشف أنها تواعد رجلاً آخر.
بدأ مانسون علاقة جديدة مع عاملة جنس تُدعى كاندي ستيفنز، التي بكت راجية المحكمة بأنهما سيتزوجان في حال خروجه من السجن. فعلّق القاضي الحكم لمدة 10 سنوات، لكنه عاد وانتهك شرط الإفراج عنه، فأمرته المحكمة بتنفيذ العقوبة.
كان موسيقياً يحلم بأن يكون أفضل من "البيتلز"
في خضم تلك الحياة المتذبذبة، وفي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، تعلّم ماسون العزف على آلة الغيتار، ويُقال إنه تتلمذ على يد المغني والموسيقي الأمريكي ديفيد ألان كو، خلال فترة إقامة الرجلين في سجن "أوهايو".
ألّف ماسون الكثير من الأغنيات التي قدّمها بصوته أو منحها لفرق موسيقية أخرى، كما كان يطمح لأن يكون أفضل من فرقة الروك البريطانية الشهيرة "البيتلز"، التي كان مُعجباً بها لدرجة الهوس.
وبعد آخر خروجٍ له من السجن، سنة 1967، حاول تشارلز مانسون دخول عالم الموسيقى في لوس أنجلوس؛ فربطته صداقة بالمغني والملحن ومنتج الأسطوانات، دينيس ويلسون، وبات يسجّل أغنياته بفضل مساعدة المخرج السينمائي والسيناريست الأمريكي فيليب كوفمان.
في هذا العام اقترح مانسون إحدى أغنياته "توقف عن الوجود" لفرقة الروك الأمريكية The Beach Boys، التي كان صديقه دينيس ويلسون أحد عازفيها، فغنّتها الفرقة في عام 1968 تحت اسم آخر وهو Never Learn Not To Love.
التغيير في عنوان الأغنية وفي بعض كلماتها أثارا غضب تشارلز مانسون، وبلغ به الحدّ لتهديد صديقه بقتل أولاده! فقد بعث له برسالةٍ، عبر البريد، وبداخلها رصاصة مع نصٍ يقول فيه: "يجب أن تفرح لأنّ لك أولاداً على قيد الحياة".
اكتفى مانسون بتهديد دينيس ويلسون من دون التعرّض له، ولا يُعرف إن كان قد أجّل تنفيذ تهديده أو تراجع عنه نهائياً، ولكن الأكيد أنه حاول قتل أحد مقرّبي صديقه بواسطة أفراد من الطائفة (أسّسها في سنة 1967) التي سُمّيت لاحقاً بـ"عائلة ماسون".
أسّس "عائلة مانسون" وادّعى أنه المسيح
عند خروجه من السجن في عام 1967، وبموازاة مساعيه في أن يصبح واحداً من مشاهير الموسيقى العالمية، انضمّ تشارلز مانسون إلى حركة "الهيبيز" التي كانت قد بدأت تنتشر في الولايات المتحدة الأمريكية.
وكان معظم أعضاء "الهيبيز" من الشباب، وتقوم مبادئها على مناهضة القيم الرأسمالية والتمرّد على قيادة الكبار والمظاهر المادية وثقافة الاستهلاك، والدعوة لعالمٍ تسوده الحرية والمساواة والحب والسلام.
وتميز "الهيبيون" بإطالة الشعر وارتداء الملابس الفضفاضة، إضافةً إلى التجوّل والتنقل في مختلف أنحاء البلاد كتعبيرٍ عن قربهم من الطبيعة وحبّهم لها.
خلال تلك الفترة التقى مانسون، في سان فرانسيسكو، بموظفة مكتبة تدعى "ماري بونينغ"، وأقنعها لاحقاً بالسماح لــ18 امرأة أخرى بالعيش معهما، ليشكّلن بذلك نواة طائفته الدينية التي أسّسها وسُمّيت بـ"عائلة مانسون".
ادّعى مانسون أنه "المسيح"، وقام مع صديقاته وبعض أتباعه بجولةٍ في البلاد على متن حافلةٍ تحمل رموز "الهيبيز"، ثم انتقلت جماعته للعيش في مزرعةٍ مهجورة بمدينة لوس أنجلوس في كاليفورنيا.
ولكن مانسون لم يأخذ من حركة الهيبيز، التي كان "البيتلز" ينتمون إليها، قيم المساواة والمحبة والسلام، لا بل على العكس من ذلك؛ فقد اتخذ من العنف مبدأً أساسياً لطائفته الدينية.
تفسير غريب لأغنية "البيتلز" دفعه للتحريض على حربٍ عرقية
كان مانسون مُعجباً كثيراً بفرقة "البيتلز"، وكان مهووساً بأغنية Helter Skelter الذائعة الصيت في ذلك الوقت، والمعروفة عند البريطانيين كلعبةٍ للتسلية، يقوم خلالها المتسابقون بالتسلق إلى أعلى قمة في القلعة ثم الهبوط بواسطة الحبال.
لكن مانسون فَهِمَ عنوان الأغنية على أنه "الفوضى"، وبأن البيتلز يحذرون أمريكا من صراعٍ عرقي وشيك بين البيض والسود، يسبق نهاية العالم.
ورأى مانسون أن انتصار السود مشروط بالاستماع لتوجيهات "العائلة" لمساعدتهم في بناء نظامٍ اجتماعي جديد، كما أراد الإسراع في اندلاع تلك الحرب العرقية من خلال تنفيذ سلسلة من عمليات القتل ضدّ الأشخاص ذوي البشرة البيضاء.
أولى جرائم القتل التي قامت بها "عائلة مانسون"، كانت في 25 يوليو/تموز 1969، عندما أرسل تشارلز مانسون ثلاثة أعضاء إلى منزل أحد معارفه، وهو الموسيقي غاري هينمان، الذي ظنّ مانسون أنه يملك أموالاً مخبأة في منزله، وبعد احتجازه لمدة يومين، قُتل هينمان طعناً من قبل أحد أفراد العائلة، وهو مغنٍّ آخر يُدعى بوبي بوسولي.
كتب بوسولي بدماء هينمان، عبارة "الخنزير السياسي" على جدار منزل ضحيته، كما رسم بصمة مخلب، في محاولةٍ لإيهام الشرطة بأن حركة "الفهود السود" متورطة في الجريمة.. وبالتالي التحريض على الحرب العرقية الوشيكة التي بشّر بها مانسون.
جرائم تشارلز مانسون الوحشية كشفتها الصدفة
وفي 9 أغسطس/آب من العام نفسه، أرسل مانسون 4 من أتباعه إلى منزل تيري ميلشر، الذي عرّفه به "صديقه" دينيس ويلسون، ومعهم تعليمات بقتل كل من في المنزل، بعدما رفض ميلشر طلب مانسون بتسجيل ألبومٍ غنائي.
ولكن ميلشر كان قد انتقل إلى مكانٍ آخر، وأجّر منزله للمخرج السينمائي المعروف رومان بولنسكي وزوجته الممثلة شارون تيت. أول ضحية كان شاباً يبلغ من العمر 18 عاماً، صادفوه خارج المنزل قبل دخولهم، ثم قتلوا 4 أشخاص من بينهم زوجة بولانسكي التي كانت حاملاً في شهرها الثامن.
ومرة جديدة، استخدم المهاجمون دم شارون تيت في كتابة كلمة "خنزير" خارج المنزل.
في الليلة التالية، ذهب مانسون، الذي لم يشترك في عمليات القتل السابقة، مع 6 من أفراد جماعته إلى منزل مدير أحد المتاجر الكبيرة، يُدعى لينو لابلانكا، بهدف قتله. لكنه، أي مانسون، غادر المنزل قبل أن تبدأ عملية قتل الرجل وزوجته روز ماري طعناً.
لم تنجح عمليات البحث الأولى لتحديد القتلة والعثور عليهم؛ لأن شرطة لوس أنجلوس لم تربط بين جرائم القتل، التي ارتكبت في 25 يوليو/تموز، وبين تلك التي ارتُكبت في 9 و10 أغسطس/آب 1969.
تقدّم التحقيق عندما اعتقلت الشرطة بالصدفة كيتي لوتسينغر، بعدما كشفت صديقتها سوزان أتكينز، المسجونة بتهمة سرقة سيارة، عن جرائم القتل لزميلاتها في السجن. فاعترفت لوتسينغر عما ارتكبته "عائلة مانسون"، وكشفت عن كل المتورطين فيها.
وعلى الرغم من عدم ارتكابه لتلك الجرائم بشكلٍ مباشرٍ، إلا أن تشارلز مانسون أدين بها بتهمة التحريض عليها وبأوامره. فحُكم عليه، وعلى عدد من أتباعه، بالإعدام. ولكن بعد إلغاء عقوبة الإعدام في ولاية كاليفورنيا، تحولت الأحكام إلى السجن المؤبد.
ففي 29 مارس/آذار 1971، أدين تشارلز مانسون بالتحريض والتآمر على قتل 7 أشخاص من الدرجة الأولى. اعترف الادعاء بأن مانسون لم ينفذ جرائم القتل، لكنه زعم أن أيديولوجيته تشكل فعلاً مؤامرة صريحة. كما أُدين مانسون شخصياً بتهمة القتل من الدرجة الأولى في جريمتَي غاري هينمان ودونالد شي.
كتب مذكراته في السجن وتزوج من شابة تصغره بـ54 سنة
سنة 1987 صدرت مذكرات تشارلز مانسون بعنوان Manson In His Own Words، أي "مانسون بكلماته الخاصة"، كتبها عن لسانه زميله السابق في السجن، نيال أيموس.
وألح مانسون، في مذكراته، بأنه ضحية المجتمع وصنيعته في الوقت نفسه، وذلك عندما قال عن نفسه بأنه "تربى على يد رجال الشرطة والسجناء والإداريين"، موضحاً: "أنا لست سوى انعكاس الشر الذي يجتاح أذهان كل أولئك الذين خلقوا هذا الوحش، ويواصلون تقديم هذه الأسطورة لأطفالهم، الذين لن يفعلوا ما هو أفضل".
توفي مانسون يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، داخل سجن باركرشفيلد في كاليفورنيا. ولكن، قبل نحو 3 سنوات من وفاته، تزوج للمرة الثالثة من شابة تبلغ من العمر 26 عاماً، تُدعى أفتون إليان بيرتو، وكانت اعتادت زيارته منذ أن كانت في سن الـ19، وأمضت سنوات عدة في محاولةٍ لتبرئته من الاتهامات التي أُدين بها.