سرقة صغيرة تسببت في واحدة من أسوأ 10 كوارث نووية في العالم.. كارثة “جويانيا” في البرازيل

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/12 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/12 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
كارثة "جويانيا" في البرازيل صورة تعبيرية/ shutterstock

حين وجد "إرنستو فابيانو" من مدينة "جويانيا" في البرازيل عام 1987، ذلك الحجر الأزرق الصغير المتوهج، كان يشعر أنه شيء مميز يمكن أن يغير حياته، ولكنه لم يكن يتصور أن ذلك الحجر الصغير سيتسبب بواحدة من أسوأ 10 كوارث نووية في العالم.

بداية كارثة نووية من مستشفى مهجور

في 13 أيلول/سبتمبر 1987، دخل رجلان إلى مبنى عيادة مهجورة في مدينة "جويانيا"، عاصمة ولاية غوياس في البرازيل، بحثاً عن قطع خردة يمكنهما بيعها، وبعد اقتحامهما بوابة المبنى المقفل وتجولهما لبعض الوقت داخل غرف البناية، عثرا على جهاز معطل ومتروك. 

بالنسبة للرجلين كان ذلك الجهاز مجرد قطعة خردة يمكنهما بيعها مقابل بعض المال، ولم يعلما أن في داخله مادة تعتبر من أخطر المواد المشعة التي لا يجب التلاعب بها. 

فتلك البناية كانت عيادة ومعهداً للعلاج الإشعاعي لمرضى السرطان، وذلك الجهاز كان يحتوي على مادة "السيزيوم 137" المشعة، والتي كانت تستخدم لعلاج مرضى السرطان، وبعد انتقال العيادة إلى موقع جديد، بقي الجهاز في مقرهم المهجور، ولم يقم المعهد بإبلاغ السلطات بوجود الجهاز في المبنى.

قام الرجلان بتفكيك الجهاز إلى قطع صغيرة، حتى يستطيعا نقله وبيعه، وفي قلب الجهاز وجدا علبة صغيرة من الفولاذ والرصاص مقفلة بإحكام، حاولا فتحها ولكن دون جدوى، فقررا أخذ تلك القطع إلى ساحة خردة قريبة لبيعها.


مواد نووية مشعة ظن الجميع أنها "أحجار سحرية"

في ساحة الخردة التي يملكها "إرنستو فابيانو"، كسر العمال تلك العلبة الفولاذية، بمطرقة ثقيلة وأبدوا إعجابهم بما رأوه في داخلها، كان هناك حجر متوهج بطريقة عجيبة وزنه حوالي 100 غم.

كوارث نووية
مادة السيزيوم المتوهجة صورة تعبيرية/ shutterstock

توافد الأصدقاء للتحديق في هذا الحجر العجيب وقرروا تكسيره إلى قطع صغيرة وتقسيمها فيما بينهم. ولم يدركوا أنهم أمام مواد نووية مشعة وهم الآن أمام كارثة نووية على وشك الحدوث، وغير مدركين لمخاطرها العديدة وتداعياتها، لفّ "فابيانو" حصته من الحجر في منديل، ووضعها في جيبه وتوجه للمنزل، وعرض الحجر على زوجته متسائلاً عما إذا كان من الممكن أن يكون له قوى سحرية.

في المنزل أعطى "فابيانو" الحجارة لابنته البالغة من العمر ست سنوات  لتلعب بها، ولم يعلم أنه يعطيها ما سيكون سبب موتها خلال أيام قليلة قادمة.

 أما باقي العمال، فظلوا يتداولون الحجر المتوهج بين المعارف والأصدقاء، ويتنقلون في المدينة حاملين تلك الأحجار، ملوثين بذلك أي مكان وأي شخص يقترب منهم.

ولمدة 16 يوماً، تم نقل قطع السيزيوم في جميع أنحاء المدينة، تلقى كل من كان على اتصال مباشر به جرعة إشعاعية مشابهة لتلك التي تعرض لها بعض ضحايا هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية.

اكتشاف الحقيقة وسقوط ضحايا الكارثة بالعشرات 

خلال أيام بدأ سكان المدينة يشعرون بالمرض، وكانت الأعراض ما بين التقيؤ والغثيان، إلى تساقط الشعر والحروق الشديدة على الجلد، وكان أولُ الضحايا الرجلين اللذين أخرجا الآلة من العيادة المهجورة.

كوارث نووية
لم يعرف الأطباء في المستشفى ما كان يجري بالضبط \ shutterstock

كان الرجلان على قيد الحياة، على الرغم من أن كليهما عانى من الغثيان ثم أصيب بحروق إشعاعية.. وتم بتر ذراع أحدهما.

لم يعرف الأطباء في المستشفى ما كان يجري بالضبط، ودبت حالة من الذعر في مدينة "جويانيا"، وكان من بين المرضى ابنة مالك ساحة الخردة التي توفيت خلال شهر من تعرضها للمادة المشعة.
وكان أول من أدرك أن هناك خطأ ما، هي زوجة عمها، التي أخذت الأحجار إلى المستشفى حيث تم تحديد حقيقتها ومدى خطورتها، وعلمت السلطات البرازيلية أنها أمام كارثة نووية تم تصنيفها على أنها على مستوى كارثة تشيرنوبل.

مما لا شك فيه أن عملها أنقذ الأرواح، وإن لم يكن حياتها. فقد توفيت هي و37 شخصاً آخر خلال أيام، وتعرض حوالي 250 شخصاً للإشعاع بعضهم في حالة خطرة.

كان من بينهم والد الطفلة الذي كان الجراحون حينها يقطعون اللحم من فخذه، حيث احتفظ بالحجر المشع في جيب بنطاله، بسبب تعرضه لحروق شديدة وتلوث إشعاعي.

هرع الآلاف إلى غرف الطوارئ خوفاً من التلوث، وعلى مر السنين، توفي ثلاثة أشخاص آخرين بسبب السرطان المرتبط بالإشعاع، توفي تاجر الخردة عام 1994 بسبب تليف الكبد.

وتم فحص حوالي 100 ألف شخص من سكان المدينة الذين ربما تعرضوا للإشعاع، وتم العثور على أكثر من 40 منزلاً في المدينة بها مستويات عالية من التلوث، فتم هدمها وطمرها بطريقة مخصصة لمنع التسرب الإشعاعي.

 كانت الآثار اللاحقة خطيرة أيضاً، عانى العديد من المواطنين نفسياً من خوفهم من التلوث، في الواقع كان الخوف منتشراً على نطاق واسع لدرجة أن المدن الأخرى تجنبت الاختلاط بسكان مدينة "جويانيا" في أعقاب الحادث ولفترة طويلة.

أما ساحة الخردة حيث فتحت الكبسولة، الآن هي قطعة أرض مهجورة، وكل ما تبقى من الكارثة النووية، حوالي 6 آلاف طن من الملابس والأثاث وحطام المباني التي تم هدمها ودفنها، وحتى القمامة تم تعبئتها في براميل وحاويات فولاذية ونقلها بعيداً إلى مقلع مهجور.

كوارث نووية
ساحة الخردة المهجورة \ Wikimedia Commons

وتم دفنها في أقبية خرسانية تحت الأرض مقاومة للزلازل، ويتم اختبار مستويات الإشعاع بشكل دوري من قبل لجنة الطاقة النووية البرازيلية في مختبر تم بناؤه في وسط الموقع.

ومحاكمة 3 أطباء من العيادة المهجورة بتهمة الإهمال الجنائي، لتركهم قطعة من المعدات الخطرة وراءهم عندما تم إغلاق المنشأة.

تحميل المزيد