في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان العالم الغربي يصف لسكانه الشعوب البدائية "المتوحشة" التي وصفها المستكشفون والمغامرون وهم يستكشفون أراضي جديدة للاستغلال الاستعماري.
لإرواء فضول الناس تم إحضار الآلاف من الأفراد الأصليين من إفريقيا وآسيا والأمريكتين إلى الولايات المتحدة وأوروبا، غالباً في ظل ظروف مشكوك فيها؛ لعرضهم في حياة شبه أسيرة في "حدائق الحيوان البشرية ".
حدائق الحيوان البشرية التي عُرض فيها بشرٌ حقيقيون مثل الحيوانات!
وسط مدينة ترفورين البلجيكيّة إحدى ضواحي بروكسل، تقع الكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة، إنها ليست مكاناً سياحياً، ولكنه ذو أهمية كبيرة لبلجيكا التي تسعى جاهدة للتصالح مع أهوال ماضيها الاستعماري، وتحديداً حدائق الحيوان البشرية.
في خارج أسوار الكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة توجد 7 مقابر حجريّة تحتوي بداخلها على رفات 6 رجال وامرأة من الكونغو التي كانت في يوم من الأيام مستعمرة بلجيكيّة، تمّ عرضهم مثل الحيوانات داخل أقفاص ليراهم الناس.
توفي هؤلاء الأشخاص السود الـ7 خلال صيف عام 1879 الممطر، بسبب "إصابتهم بالإنفلونزا والالتهاب الرئوي بعد أن أُجبروا على قضاء أيامهم في النوم داخل الأقفاص"، وفقاً لما ذكرته صحيفة The New York Times الأمريكية.
لم يكن هؤلاء الأشخاص الـ7 فقط من كانوا في حديقة الحيوانات البشرية، وإنما كانوا من بين 267 رجلاً وامرأة وطفلاً أمر الملك البلجيكي ليوبولد الثاني بعرضهم للناس، فيما يؤكد موقع دويتشه فيله الألماني أن نحو 40 ألف زائر يومياً كانوا يتوافدون لرؤيتهم داخل الأقفاص.
لم تكن بلجيكا الدولة الأوروبيّة الوحيدة التي جلبت الأفارقة إلى أقفاصها، إذ أقامت ألمانيا أيضاً أول معرض حيوان بشري في العام 1896 ببرلين أطلقوا عليه اسماً مهيناً للسود.
تمَّ إحضار أكثر من 106 أفارقة من المستعمرات الألمانية إلى برلين، بعد أن أغرتهم الوعود الكاذبة، حيث أُجبروا على تقديم أنفسهم للجمهور المذهول لمدة سبعة أشهر كقرويين يرتدون أزياء غريبة.
كما تمّ جلب قرى كاملة من الكاناك أو السنغاليين وجعلهم يؤدون رقصات الحرب أو الطقوس الدينية أمام الزوار في باريس الفرنسية.
حدائق الحيوان البشرية في أمريكا في القرن الـ20!
حضر أكثر من 20 مليون شخصٍ المعرض العالمي الذي أقيم في العام 1904 في سانت لويس وهي إحدى المدن الرئيسية بولاية ميسوري في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من أجل رؤية الكهرباء لأول مرة وسماع أول هاتف، وأيضاً مشاهدة نحو 3000 شخص من إفريقيا وآسيا والأمريكتين يعيشون داخل أقفاص الحيوانات.
تم إحضار هؤلاء الرجال والنساء والأطفال من السكان الأصليين إلى المعرض لأداء ثقافتهم "المتخلفة" "البدائية" للجماهير الأمريكية المتحمسة.
بسبب ضعف حفظ السجلات، يبدو من المستحيل معرفة العدد الدقيق لأولئك الذين شاركوا في "حدائق الحيوان البشرية" لكنها ليست صغيرة دون أدنى شك.
في سيرته الذاتية عام 1908، تفاخر كارل هاجنبيك، وكيل النوادر البشرية، بأنه خلال فترة عشر سنوات، أحضر- وحده- أكثر من 900 من السكان الأصليين إلى الولايات المتحدة وأوروبا للعرض، وفقاً لما ذكره موقع Time Line.
داخل الأقفاص، واجه السكان الأصليون المعروضون عدداً من التحديات على مدار الأشهر الطويلة من إقامتهم، فقد طُلب من أفراد القبائل الإفريقية ارتداء ملابس تقليدية مخصصة للحرارة الاستوائية، حتى في درجات الحرارة المتجمدة في ديسمبر/كانون الأول.
وتم إجبار القرويين الفلبينيين على أداء طقوس موسمية لتناول الكلاب مراراً وتكراراً لصدم الجمهور.
أدى نقص مياه الشرب والظروف الصحية المروعة إلى تفشي مرض الزحار وأمراض أخرى.
في معظم الحالات، لم تكن هناك حواجز تمنع أولئك الموجودين في حدائق الحيوان البشرية من الهروب، لكن الغالبية العظمى، خاصةً تلك التي تم إحضارها من قارات أجنبية، لم يكن لديها مكان آخر يذهبون إليه.
طُلب من السكان الأصليين، الذين أقيموا في "قرى عرقية" وهمية، أداء مهام يومية نموذجية وإظهار المهارات "البدائية" مثل صنع الأدوات الحجرية وطقوس التمثيل الإيمائي.
في بعض العروض، شارك فنانو الأداء من السكان الأصليين في معارك وهمية أو اختبارات قوة مع السكان الأصليين، إذ كان الرجال البيض يتشاجرون مع الأشخاص ذوي البشرة الداكنة و"البدائيين" الذين يمكن تصنيفهم على أنهم أكلة لحوم البشر أو متوحشون شريرون لأمريكيين جاهلين يواجهونهم لأول مرة.
في النهاية وباستثناء بعض الاعتراضات التي قدمها البعض على رؤية إنسان محبوس داخل قفص واحد مع القرود، فإن الغضب من "إذلال البشر" لم يكون هو من وضع حداً لحدائق الحيوان البشرية، وإنما في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية وما بعدها، أصبحت أمورٌ أخرى تجذب اهتمام الناس مثل الصراع الجيوسياسي والانهيار الاقتصادي.
وبحلول منتصف القرن الـ20، عندما تمّ اختراع التلفاز، أصبح وسيلة الترفيه الأكثر شعبية، سواء من السيرك أو من حدائق الحيوان البشرية أو غير البشرية.