هو أحد أشهر المهندسين المعماريين في العصر الحديث، ورائد فن العمارة الإسلامية الحديثة. دخل إلى أرض النيل في بداية شبابه، للمشاركة في تزيين القصور الملكية، ثم استقرّ بها- بعدما اندمج مع طابع الحياة المصرية- وأصبح مسؤولاً كبيراً في أحد أهم قطاعاتها الاستراتيجية خلال القرن العشرين.
وُلد ماريو روسي في العام 1897 بالعاصمة الإيطالية روما، حيث نشأ وتلقى تعليمه- المتوسط والثانوي والجامعي- حتى تخرّجه كمهندسٍ معماري، من أكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1917.
وبعد 4 سنوات، دخل روسي إلى مصر مع مجموعةٍ من المهندسين الأوروبيين، بدعوةٍ من مواطنه إرنستو فيروتشي. كان فيروتشي مهندساً معمارياً مُشرفاً على قصور الملك فؤاد الأول، لا سيما قصر عابدين.
علاقة الملك فؤاد الأول بإيطاليا
يُحكى أن الملك فؤاد الأول كان مُولعاً بالثقافة الأوروبية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وبالأخصّ الإيطالية، بعدما عاش فترةً طويلةً من طفولته وشبابه فيها، حين نُفي والده الخديو إسماعيل إليها بعد عزله في العام 1879.
فقد درس الملك فؤاد الأول بالمدرسة الملكية في مدينة تورينو الإيطالية، ثم انتقل إلى الأكاديمية العسكرية للمدينة نفسها، حيث حصل على رتبة ملازمٍ في الجيش الإيطالي، قبل أن ينتقل رفقة والده إلى إسطنبول التي كانت، في ذلك الوقت، عاصمةً للدولة العثمانية ويُطلق عليها اسم "الأستانة".
وبعدما عمل لفترة قصيرة مُلحقاً عسكرياً لدى سفارة الدولة العثمانية بفيينا، عاصمة إمبراطورية النمسا والمجر، عاد فؤاد الأول إلى مصر في سنة 1890، فتدرّج في عدة مناصب إلى أن أصبح ياوراً (أي المرافق الشخصي) للخديو عباس حلمي الثاني، الذي كلّفه فيما بعد بشؤون الثقافة في مصر.
وفي العام 1914 تولى حسين كامل، الأخ غير الشقيق لفؤاد الأول، عرش مصر تحت الحماية البريطانية بلقب سلطان؛ ثم عند وفاته، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1917، رفض ابنه الأمير كمال الدين حسين خلافته، فاعتلى فؤاد الأول عرش مصر بدلاً منه، ثم أعلن استقلال مصر كمملكة في يوم 15 مارس/آذار 1922، مستفيداً من ضغط الثورة الشعبية عام 1919 التي قادها سعد زغلول ضدّ الاحتلال البريطاني.
لذلك، فإن ولع الملك فؤاد الأول بالثقافة الإيطالية جعله يستقدم مهندسيها، للإشراف على قصوره والتصميم المعماري المصري في ذلك الوقت.
بداية ماريو روسي مع القصور الملكية المصرية
بعد دخوله إلى مصر، عمل الإيطالي ماريو روسي أولاً في وزارة الأشغال كمساعدٍ لمواطنه فيروشي، مُكلَّفاً بالديكور والزخرفة، ومُشرفاً على التحسينات الداخلية لقصر عابدين. ولقصر عابدين مكانةٌ خاصة في قلب الملك فؤاد، بعدما وُلد وترعرع فيه، كما تلقى تعليمه الأول في المدرسة الخاصة التي أنشأها والده الخديو إسماعيل داخل القصر لتعليم أبنائه.
وبموازاة عمله مع وزارة الأشغال العامة المصرية، اشتغل ماريو روسي مع الإيطالي أنطونيو لاشياك، مدير القصور الخديوية في عهد الخديو عباس حلمي الثاني.
وفي عهد الملك فؤاد، كان المعماري لاشياك قد خرج من البلاط وأضحى مستقلاً بمكتبه الخاص، فاستعان بروسي للعمل معه على عدة مشاريع معمارية؛ تضمنت، على وجه الخصوص، التصميم الداخلي لقصور ومبانٍ سكنية ومدافن تعود إلى زبائن من الطبقة الثرية.
وفي العام 1929، وعلى الرغم من كونه كاثوليكياً، إلا أن ماريو روسي فاز بمنصب كبير المهندسين المعماريين لوزارة الأوقاف المصرية، وفقاً لما جاء في مجلة Medina Magazine المصرية في عددها الفصلي لشهر يوليو/تموز 1998.
ولأنه كان معمارياً ودارساً للفنون الجميلة في بلده الأصلي إيطاليا، فقد انجذب روسي لفن العمارة الإسلامية التي كانت تُحيط به من كل جانب منذ مجيئه إلى مصر، وخاصةً المملوكية والفاطمية. فتعمّق في دراستها، وتولدت لديه أفكار تصميمية جديدة منبثقة من نفس الفن المعماري الإسلامي، لذا فإنه لم يجد أي صعوبة في الفوز بمنصب كبير المهندسين في وزارة الأوقاف المصرية.
الكاثوليكي ماريو روسي الذي أبدع في بناء مسجد "المرسي أبو العباس"
لعلّ أبرز إبداعاته، بعدما تسلم منصبه الجديد، يتمثل بإشرافه على بناء مسجد "المرسي أبو العباس" في مدينة الإسكندرية، والذي انطلقت فيه الأشغال عام 1933 وتم افتتاحه أمام المصلّين عام 1945.
بُني المسجد في موضع ضريح وجامع قديم، كان يضمّ رفات الصوفي العربي الأندلسي"أبو العباس المرسي"، المولود في مدينة مورسيا- شرقي الأندلس (إسبانيا حالياً).
وقد استعرض موقع Shade، بالتفصيل، التصميم الهندسي الذي اعتمده ماريو روسي في بناء مسجد "المرسي أبو العباس". فأوضح أن المهندس المعماري الإيطالي وضع- من خلال تأسيسه لهذا الجامع- اللبنات الأولى للعمارة الإسلامية الحديثة في مصر.
فقد استغنى روسي عن الفناء أو "الصحن الأوسط"، نظراً لضيق المساحات التي يمكن أن تُخصَّص لبناء المساجد في المدن الكبيرة المكتظة بالسكان. وقام بذلك من دون أن يفقد المسجد عنصر الإضاءة الطبيعية، التي توفرت من خلال إنشاء نوافذ سفلية كبيرة وعلوية معقودة، إضافةً إلى نوافذ القباب المرتفعة عن مستوى سطح الجامع.
وقد اختار روسي شكلاً متعدد الأضلاع لمسجد "المرسي أبو العباس" شبيه بتعدّد أضلاع مدرسة "السلطان حسن" في القاهرة، ولكنه اقتصر على ثمانية أضلاع، في تشابهٍ واضح لتصميم بناء قبة "الصخرة" في القدس الشريف.
وترتفع قبة المسجد عن الأرض حوالى 26 متراً، وهي من الداخل تمثل قطعة من الفن المعماري البديع. فالثريا مثلاً تحوي أطناناً من البرونز والنحاس والبلور، ولذلك- ولكي تتحملها القبة- أرسى ماريو روسي على قاعدتها 8 أعمدة من الجرانيت الوردي، الذي نُحت في إيطاليا خصوصاً للمسجد.
إضافةً إلى ذلك، فإن القبة من الخارج مُزخرفة بزينةٍ منحوتة في الحجر، وتُعد واحدة من أجمل القباب في مصر.. أما المئذنة، فتمثل طفرة من حيث الارتفاع.
أشهر إسلامه وأشرف على زخرفة الحرم المكي
استغرق بناء المسجد 12 سنة كاملة، بسبب توقف الأشغال به خلال الحرب العالمية الثانية، بعدما عُزل ماريو روسي من منصبه عام 1941- من طرف الاحتلال البريطاني- وسُجن حتى سنة 1944، داخل معتقل "فايد" في منطقة قناة السويس، برفقة الكثير من المصريين ذوي الأصول الإيطالية.
وبعد عامٍ واحدٍ من الانتهاء من بناء مسجد "المرسي أبو العباس" وفتحه أمام المصلين عام 1946، اعتنق ماريو روسي الإسلام وأشهره بنفس المسجد الذي شيّده.
وتخصّص بعد ذلك في تصميم جوامع أخرى بمصر، أشهرها مسجد "القائد إبراهيم" عام 1948 في منطقة محطة الرمل- الإسكندرية، بمناسبة مرور 100 عام على وفاة القائد إبراهيم باشا (نجل محمد علي، مؤسس الدولة المصرية الحديثة). ويُعتبر واحداً من الأعمال النادرة التي جمعت العمارة المملوكية بالعمارة الأندلسية.
كما صمّم مسجد "عمر مكرم" الواقع في ميدان التحرير بالقاهرة، إضافةً إلى مسجد الزمالك بالقرب من كوبري الزمالك في القاهرة، ومسجد "محمد كريم" في قصر رأس التين بالإسكندرية.
لاحقاً في العام 1957، أشرف ماريو روسي على تصميم المركز الإسلامي في العاصمة الأمريكية واشنطن، والذي تمّ تدشينه بتمويلٍ عربي وإسلامي من مجموعة دول. كما أشرف على التصميم الداخلي وزخرفة مسجد الحرم المكي في مكة المكرمة، خلال فترة سكنه في المملكة العربية السعودية بين عامَي 1954 و1960، قبل أن يعود إلى القاهرة حيث توفي في العام 1961.