ليس جاكي شان ممثلاً صينياً نجح في اختراق عالم هوليوود وحسب، بل يُمكن القول إن حياته الخاصة والعامة صاخبة جداً. فإلى جانب التمثيل، اشتهر نجم الفنون القتالية بمواقف مُثيرة تتعلّق بالداخل الصيني، وارتبط اسمه بفضائح شخصية وسياسية.
أظهر اهتماماً بالسياسة في وقتٍ مُبكر؛ وبعد أن انتقد السلطات الصينية في ثمانينيات القرن الماضي، لاستخدامها المُفرط للقوة في قمع الاحتجاجات، اختير جاكي شان في العام 2013 لتمثيل هونغ كونغ بالمجلس الاستشاري السياسي للشعب الصيني، كما أعلن العام الماضي عن رغبته في الانضمام إلى الحزب الشيوعي.
حياته الخاصة لم تكن خاصة جداً؛ فقد تصدّر الممثل الصيني عناوين الصحف، عندما أعلنت ملكة جمال آسيا لعام 1990 أنها حامل بابنته، رغم أنه كان متزوجاً بالممثلة التايوانية لين فينج جياو ولهما ابنٌ يُدعى جيسي.
لاحقاً، وبسبب هذين الولدين، سيتصدّر جاكي شان عناوين الصحف مرتين: المرة الأولى عندما سُجن ابنه بتهمة حيازة المخدرات، والمرة الثانية حين أعلنت ابنته عن مثليتها الجنسية عبر زواجها بحبيبتها، ومن ثم نشر فيديو لهما وهما يعيشان في الشارع؛ لعدم تمكنهما من دفع إيجار منزل.
طفولة جاكي شان وبداياته الفنية
وُلد شان في 7 أبريل/نيسان 1954 بهونغ كونغ البريطانية، واسمه الأصلي شان كونغ سانغ. والداه لاجئان من الحرب الأهلية الصينية، وكان أبوه يعمل لدى السفير الفرنسي في هونغ كونغ، فقضى جاكي شان طفولته في محل إقامة السفير بحي "فيكتوريا بيك"، لأن منزل أهله كان ضمن حرم السفارة.
كان طفلاً كسولاً، فقرّر والداه سحبه من المدرسة بعد عامه الأول. وفي العام 1960 هاجر والده إلى أستراليا بعدما تلقى عرضاً للعمل كرئيسٍ للطهاة في السفارة الأمريكية، فأُرسل الابن إلى أكاديمية الدراما الصينية حيث تدرّب بالتزام على مدى العقد التالي وتفوّق في الفنون القتالية والألعاب البهلوانية.
أصبح عضواً بمجموعة أداء تضمّ أفضل الطلاب في الأكاديمية، وشكّل مع صديقيه المقرّبين مجموعة عُرفت باسم "الأخوة الثلاثة" أو "التنانين الثلاثة". بعد دخول شان عالم صناعة السينما، حصل على فرصةٍ للتدريب على فن الـ"هاب كيدو" تحت إشراف المدرب جين كيم بال، ونال فيها الحزام الأسود.
بدأ حياته الفنية، وهو في عمر 5 سنوات، من خلال الظهور في أدوار صغيرة. في الستينيات وبداية السبعينيات، كانت له أدوار صغيرة في عدة أفلام، وفي سنّ الـ17 ظهر كبديلٍ لبروس لي في مشاهده الخطرة بفيلمَي The Chinese Connection وEnter The Dragon، وتلقى تدريباته على يد بروس لي نفسه؛ قبل أن يحصل على أول دور بطولةٍ له في العام 1973 بفيلم Little Tiger of Canton.
ورغم كل هذا النشاط، فإن الانطلاقة الفعلية لجاكي شان نحو العالمية كانت في العام 1978 حين شارك بالفيلم الكوميدي Half A Loaf Of Kung Fu and Snakes in the Eagle's Shadow.
ومنه استمد الممثل الصيني طريقته الخاصة في التمثيل، لينطلق من بعدها في أفلام The Drunken Master وProject A، إضافةً إلى My Lucky Star وDragons Forever، وغيرها. تواصلت نجاحات جاكي شان بعد أن تمكّن وأخيراً من الدخول إلى هوليوود في منتصف التسعينيات، وشارك في فيلم Mr. Nice Guy الذي لاقى نجاحاً كبيراً.
وصل إلى ذروة شهرته حين رُشّح لدور البطولة في فيلم Rush Hour إلى جانب كريس تاكر، الذي حقق أرباحاً غير متوقعة في شباك التذاكر الأمريكية، قبل أن يقدّم فيلم Shanghai Noon وينجح بأن يحكم قبضته على أفلام الحركة الكوميدية.
جاكي شان.. من انتقاد السلطة إلى مغازلته الحزب الشيوعي
خلال الثمانينيات وأولى التسعينيات، كانت أفلام جاكي شان ممنوعة من العرض في الصين، بعدما وجّه انتقاداتٍ لاذعة إلى السلطات الصينية بسبب استخدامها المُفرط للقوة في قمع حركة الاحتجاجات، المطالبة بالديمقراطية في ميدان "تيان آن مين" عام 1989.
لكن لوحظ أنه عمد لاحقاً إلى مغازلة السلطات الصينية، حين طالب بضرورة تشديد قبضتها ومنع التظاهرات وتقييد الحريات العامة لأن "أي تراخٍ أو تساهل سيؤدي إلى الفوضى"، وفق رأيه.
تصريحات جاكي شان أثارت حملة انتقادات واسعة ضدّه، طالبت بطرده إلى كوريا الشمالية باعتبارها المكان الأفضل بالنسبة له، وفق معاييره. وكانت الصين قد تلقفت رسائله وردت عليها بأن تم اختياره سفيراً للألعاب الأولمبية 2008، وحمل الشعلة الأولمبية، كما أوكلت إليه مهمة تقديم الأغنية الرئيسية في حفل الافتتاح. وفي العام 2011، قدّم أغنيةً خاصة أهداها إلى الحزب الشيوعي الصيني في الذكرى الـ90 لتأسيسه.
في أبريل/نيسان 2009، شكّك شان، خلال مشاركته في حلقة نقاشية، بفائدة الحرية الواسعة. وأشار إلى التوترات الشديدة الحاصلة في هونغ كونغ وتايوان قائلاً: "بدأتُ أشعر تدريجياً أننا، نحن الصينيون، بحاجةٍ إلى أن نخضع للسيطرة وإلا سنقوم بأي شيء نريد".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2012، تسبّب بموجةٍ من الغضب بعد انتقاده لهونغ كونغ واصفاً إياها بـ"مدينة الاحتجاج"، ومشيراً إلى ضرورة الحد من حقوق المتظاهرين. وفي الشهر ذاته، أشار شان -في مقابلةٍ له مع قناة "فينيكس"- إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأكثر فساداً في العالم.
في العام 2016، ظهر اسمه ضمن "وثائق بنما" كأحد المتهمين بالتهرّب الضريبي، من خلال امتلاكه 6 شركات على الأقل في هونغ كونغ.
وفي يوليو/ تموز 2021 أعرب الممثل الصيني عن رغبته في الانضمام إلى الحزب الشيوعي، خلال ندوة نظمتها جمعية "السينما الصينية" في العاصمة بكين. أثار هذا التصريح جدلاً واسعاً في الأوساط السينمائية والشعبية، لاسيما في جزيرة هونغ كونغ -موطن الممثل الصيني الشهير- حين استنكر نشطاء مؤيدون للديمقراطية رغبته في الانضمام لحزب يقوّض الحريات في مدينتهم، وقالوا إنه يثبّت بذلك التهم التي طاولته في وقت سابق بأنه أحد داعمي حملة بكين ضدّ الديمقراطيين في المستعمرة البريطانية السابقة.
في المقابل، علت أصوات صينية ترفض فكرة انضمامه إلى الحزب الشيوعي بسبب سجلّه الأخلاقي، المتمثل برفضه الاعتراف بابنةٍ له من علاقةٍ خارج إطار الزواج، فضلاً عن سجن ابنه الوحيد جيسي ستة أشهر بعد إدانته بحيازة مخدرات في منزله.
الحياة الشخصية الصاخبة لجاكي شان
في العام 1999 خرجت الممثلة الصينية وملكة جمال آسيا لعام 1990 عن صمتها، حين أعلنت أنها حامل بابنة نجم أفلام الكونغ فو. فأعلن جاكي شان أنه ارتكب خطأ "مثله مثل بقية الرجال"، لكنه لم يعترف بابنته.
وفي العام 2018، تصدّرت ابنته -وتُدعى إيتا- عناوين الصحف حين أعلنت زواجها من حبيبتها. جاء ذلك بعدما نشرت إيتا (19 عاماً) في العام نفسه، فيديو لها تقول فيه إنها أصبحت بلا مأوى وتعيش في الشارع مشرّدة، بعد أن طردتها والدتها من المنزل، بسبب "سلوكياتها غير اللائقة".
قبل ذلك بأربع سنوات، اعتُقل ابن جاكي شان الوحيد بعد العثور على المخدرات داخل شقته في يوليو/تموز 2014، وسُجن على أثرها 6 أشهر. أُفرج عنه في فبراير/شباط 2015، بعد أن أمضى عقوبة السجن، وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن الإفراج عن جيسي تمّ بعد أن أكمل عقوبته، مع الأخذ بعين الاعتبار المدة التي أمضاها بالفعل منذ اعتقاله.
وكان الاتهام قد وُجّه رسمياً لجيسي، وهو ممثل ومغنٍّ يبلغ من العمر 32 عاماً، بارتكاب "جريمة إيواء آخرين لتعاطي المخدرات"، بعد ما أثبتت التحاليل المخبرية تعاطيه الماريوانا. وقالت الشرطة إنها عثرت على 100 غرام من المخدرات في منزله.