لأكثر من ألف عام، كان نوع نادر من القطع الأثرية الصينية محيراً للباحثين ولغزاً لم يستطيعوا تفسيره. إنها المرايا السحرية التي لا تعكس الضوء، ولكن نقوشات خفية ومميزة. هذه القطع لم يتبقَّ منها سوى أربع قطع في العالم وتعتبر من الإرث التاريخي المميز الذي لا يتكرر.
تعود للقرن الثاني قبل الميلاد وسطحها يعكس نقوشاً محفورة خلفها
هناك العديد من الاختلافات التاريخية حول أصل هذه المرايا السحرية. ويرجح معظم المؤرخين أنها ظهرت لأول مرة في الصين حوالي القرن الثاني قبل الميلاد، وانتشرت بشكل كبير خلال فترة حكم أسرة هان (206 قبل الميلاد – 24 قبل الميلاد) للصين.
قليلون هم الأشخاص الذين قد رأوا واحدة من هذه المرايا أو حتى سمعوا بأحدها؛ لأنه لم يتبقَّ سوى عدد قليل جداً منها في بعض المتاحف.
هذه المرايا السحرية مصنوعة من البرونز المصبوب وتكون دائرية بشكل عام، بقطر حوالي 15 إلى 20 سم، مع سطح مصقول أمامي يمكن استخدامه كمرآة عادية، ينتج عنه انعكاس للأشياء الموجودة أمامها.
ولكن عندما يضيء ضوء ساطع على وجه المرآة ويسقط منعكساً على سطح ما، فإن الانعكاس لا يكون عبارة عن ضوء أو شعاع، ولكن يكون رسماً للنقش المحفور الذي يزين الوجه الخلفي ويظهر بشكل غامض في الانعكاس المسقط، كما لو أن المرآة البرونزية الصلبة أصبحت شفافة.
يمكن أن يكون الرسم منظراً طبيعياً به أشجار أو ماء أو طيور أو حيوانات، أو نقشاً لكلمات معينة أو ربما تمثالاً لبوذا.
يوجد من هذه المرايا بعض النسخ اليابانية أيضاً
الاسم الصيني لهذه المرايا هو t'ou kuang ching، ويعني حرفياً "مرايا إرسال الضوء". ولكن في اللغة الإنجليزية يطلق عليها أسماء مختلفة مثل: "مرآة اختراق الضوء" أو "المرايا السحرية".
النماذج الصينية للمرايا السحرية نادرة للغاية، لكن لدى اليابانيين أيضاً مراياهم السحرية، والتي، على الرغم من اختلافها قليلاً في تصنيعها، تنتج نفس أطياف الضوء، وتصاميمها بالتأكيد هي الأجمل.
ويمكن أن يكون السبب أنه في اليابان القديمة كانت المرايا محبوبة بشكل خاص كعناصر نادرة وغامضة، وكانت تعتبر مصدراً للصدق؛ لأنها تعكس كل ما هو جيد وسيئ، والحقيقي والباطل. في الواقع، واحدة من أهم كنوز الإمبراطورية اليابانية هي المرآة المقدسة المسماة Yata-no-Kagami.
لغز حير تفسيره العلماء لعقود
أول مرآة سحرية ظهرت في أوروبا كانت ملكاً لمدير مرصد باريس الذي أحضر معه عدة مرايا عند عودته من الصين، إحداها كانت مرآة سحرية التي تم تقديمها إلى الأكاديمية الفرنسية للعلوم في عام 1844 باعتبارها لغزاً لم يرَ أحد شيئاً مشابهاً له حينها، وعلى الرغم من محاولاتهم، لم يتمكنوا من فهم آلية عملها تماماً.
ففي حين أن المعدن الموجود على الوجه الأمامي صلب تماماً، فإن الصورة المنعكسة للنقش على الطرف الخلفي تعطي الانطباع بأنه يجب أن يكون شفافاً بطريقة ما حتى يستطيع عكس الصورة.
ولقرون عديدة ترك "سحر" هذه المرايا العلماء وهواة جمع الآثار في حيرة من أمرهم، حتى إنهم صنفوا هذه الظاهرة على أنها "خداع بصري مستحيل" وبالتالي "سحرية".
في المجموع، لا يوجد سوى أربع مرايا سحرية تم إحضارها من الصين إلى أوروبا، ولكن في عام 1878، قدم أستاذان في الهندسة للجمعية الملكية في لندن نماذج مختلفة من اليابان. وللمرة الأولى قاما باكتشاف بعض التفاصيل التي تتعلق بطريقة صنعها وحاولا إيجاد تفاسير لطريقة عملها.
بعض التفسيرات التي تكشف طريقة عمل المرايا السحرية
وفقاً لليونسكو، قبل حوالي 1200 عام، تم الكشف عن نص صيني يسمى سجل المرايا القديمة، لكن هذا الكتاب ضاع بعد عدة قرون. ومع ذلك، في عام 1932، توصل العالم ويليام براج أخيراً إلى تفسير محتمل لعكس المرايا السحرية للتصميم الموجود على الجانب الخلفي لها.
على الرغم من أن سطح المرايا مصقول ويبدو مسطحاً تماماً، إلا أنه يحتوي على منحنيات دقيقة ومحدبة ومقعرة ناتجة عن التصميم. المنحنيات المحدبة (إلى الخارج) تبدد الضوء وتغمق مناطق انعكاسها. وبالعكس، تقوم المنحنيات المقعرة للداخل بتركيز الضوء وتضيء مناطق انعكاسها.
هذه الاختلافات الدقيقة على سطح المرآة تتوافق مع النقش الموجود على وجهها العكسي والتي تعكس الضوء بشكل مختلف؛ مما يتسبب في تكوين الصورة عندما ينعكس الضوء عن السطح. كما أن هذه الاختلافات، صغيرة جداً بحيث لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
كما يلعب أيضاً المعدن دوراً مهماً في آلية عمل المرايا، فهي مصنوعة من البرونز المطروق، ويتم تبريد الأجزاء السميكة بسرعة مختلفة عن تلك الرقيقة، ونظراً لأن المعدن يتقلص قليلاً عندما يتم تبريده، فإن المناطق السميكة تتأثر قليلاً.
لكن المناطق الرقيقة أكثر مرونة من الأجزاء السميكة، وتتأثر بشكل أكبر بالحرارة والتمدد، مما يسبب اختلافات طفيفة في السماكة.
يعتقد الباحثون أن مجموعة من طرق الصب والتلميع أيضاً تلعب دوراً في تشكيل هذه الاختلافات. من المحتمل أنه كان يتم إنتاج المرايا عن طريق صب البرونز المصهور في قالب بنمط ظهر المرآة. ثم يتم صقل السطح الأمامي إلى سطح محدب وفقاً له.
وأثناء التلميع، تنحني أجزاء المرآة الأقل سمكاً من الباقي (بسبب التصميم الموجود على ظهرها) إلى الداخل قليلاً تحت الضغط، لكن عند إزالة الضغط، ترتد الطبقات الرقيقة على شكل تحدب طفيف على السطح العاكس؛ مما يتسبب في إعادة انعكاس النقش الموجود على الخلف في المقدمة.
وهناك نظرية أخرى تفترض أنه بعد صقل المرآة، كان يتم تسخينها مما يتسبب في تمدد الطبقات الرقيقة وتصبح محدبة قليلاً، وبالتالي تشتت الضوء المنعكس في هذه المناطق، وتتسبب بانعكاس الصورة. ثم يتم تبريد المرآة بالماء فوراً بعد تسخينها لجعل التغييرات دائمة.
يعتقد اليوم أن Yamamoto Akihisa هو آخر شخص يصنع المرايا السحرية في اليابان. أجرت معه صحيفة "كيوتو جورنال" مقابلة معه وشرح الحرفي جزءاً من أسلوبه الذي تعلمه من والده، الذي تعلمه أيضاً من والده الذي تعلمه من جده.. وهكذا، عبر الأجيال.