بملامح هادئة وابتسامة مزيفة، وكاميرا حديثة معلقة على صدره، كان يقترب كريستوفر وايلدر من أجمل الفتيات الصغيرات في المكان، ويسألها ببراءة إذا ما كانت ترغب في أن تصبح موديل الإعلانات الأولى القادمة في الولاية، وهو يشير إلى الكاميرا، وعندما تُبدي الفتاة حماساً ولو بسيط، كان القاتل المتسلسل وايلدر يخطط للجريمة بالفعل في ذهنه، ليستدرج ضحيته القادمة.
لمدة 22 عاماً روّع كريستوفر وايلدر الفتيات الجميلات في عروض الأزياء ومسابقات الجمال، وحتى على الشواطئ، في رحلة ما بين أستراليا و10 ولايات أمريكية انتشرت جرائم القتل والتعذيب والاعتداءات الجنسية على يد وايلدر، الذي لُقب بـ"قاتل ملكات الجمال"، هذه قصته التي أرعبت الآلاف من الجميلات عبر الولايات المتحدة، وموطنه الأصلي في أستراليا.
بدايات سفاح الجميلات كريستوفر وايلدر
وُلد كريستوفر وايلدر في 13 مارس/آذار عام 1945 لأب ضابط بحرية أمريكي، وأم أسترالية، وبحسب موسوعة القتلة المتسلسلين للكاتب الأمريكي مايكل نيوتن، فقد وُلد كريستوفر طفلاً ضعيفاً، وكان أقرب للموت منه إلى الحياة، وعولج من أمراض سوء التغذية في عامه الثاني بالكاد، واقترب من الموت غرقاً في عمر الثالثة في أحد حمامات السباحة.
ومع سنوات عمره الأولى لم تذكر أية مراجع تعرضه لمعاملة سيئة أو طفولة مسيئة قد تنعكس على تحولاته في الكبر، ولكنه أبدى استعداداً كبيراً في مراهقته للتحول نحو الجريمة، وبالفعل كانت أولى جرائمه الجنسية قد تمت وهو لا يزال في سن السابعة عشرة.
القاتل المتسلسل الذي فر إلى أمريكا
في سن السابعة عشرة اتُّهم القاتل المتسلسل وايلدر ومجموعة من أصدقاء السوء بارتكاب جريمة اغتصاب جماعي لفتاة على أحد شواطئ مدينة سيدني في أستراليا، وحوكم وأُدين بالجريمة، وحُكم عليه بحكم مخفف بالمراقبة لمدة عام مع تلقي العلاج النفسي.
لاحقاً اعترف وايلدر بأن علاجه النفسي كان يتضمن تلقي صدمات كهربائية، وهو ما أشعل في داخله خيالات جنسية لاغتصاب النساء وصعقهن بالكهرباء.
بعد فترة من المعاناة اتجه كريستوفر لمحاولة عيش حياة عادية مثل أقرانه، وقابل فتاة أسترالية عام 1968، وهو في سن 22 عاماً، واستطاع إقناعها بالزواج منه، وبعد ثمانية أيام فقط على الزواج بدأت زوجته تشك في تصرفاته بعد أن عثرت على مجلة إباحية وملابس داخلية نسائية في سيارته.
وبعد أن تركته زوجته خلال أقل من أسبوعين على الزواج، قام وايلدر بمطاردة ممرضة أسترالية، وحاول استمالتها من أجل ممارسة الجنس معها بعد أن عرض عليها مجموعة كبيرة من الصور العارية، ادعى أنه صورها لفتيات أخريات.
ولكن الممرضة المذعورة استطاعت الهرب وإبلاغ الشرطة، ولكن وايلدر استطاع الفرار من أي اتهام في هذه القضية بعد أن تخلص من الصور، وهنا بدأ وايلدر التفكير في ترك أستراليا والهجرة إلى أرض جديدة لا ماضي له فيها؛ وهداه تفكيره إلى عبور المحيط إلى أمريكا، موطن والده الأصلي.
أمريكا أرض الفرص والجرائم
قدَّم وايلدر طلباً للهجرة إلى أمريكا "أرض الفرص" في أواخر الستينيات، وبفضل خبراته في مجالات المقاولات الكهربائية استطاع أن يستقر في ولاية فلوريدا، وتمكّن من العيش بشكل أفضل، وابتاع منزلاً واستثمر أوقات فراغه في سباقات السيارات والتصوير الفوتوغرافي، الذي كان لاحقاً أحد أبرز أدواته لإغواء ضحاياه من الجميلات، وإقناعهن بأنه يعمل لصالح كبرى وكالات الدعاية والإعلان.
وبعد أن استقر القاتل المتسلسل كريتوفر وايلدر مادياً بدأ في العمل في مجال العقارات، واستغل مهارة التصوير الفوتوغرافي في الإيقاع بالفتيات الجميلات، خاصة في مسابقات الجمال، أو التجمعات الشاطئية، أو عروض ملكات الجمال التي تحدث على نطاقات صغيرة. ولكن تصرفاته المريبة سرعان ما لفتت انتباه الشرطة إليه.
اتُّهم وايلدر في مطلع السبعينيات بمحاولة الاعتداء جنسياً على فتاة في إحدى المدارس الثانوية، بعد أن أقنعها أنه مصور نجوم محترف، واتهمته فتاة أخرى على أحد الشواطئ بمحاولة إقناعها بإجراء جلسة تصوير عارية لها، ولكن التهم الموجهة إليه آنذاك لم تكن كافية لسجنه، واعتُبر مريضاً نفسياً مدمن جنس، ووُضع تحت الملاحظة مدة شهرين، وما لبث أن عاد لتصرفاته المريضة، وقام بتخدير واغتصاب فتاة استدرجها من أحد مراكز التسوق في مدينة ميامي، وقُبض عليه، ولكنه استطاع الإفلات من الحبس المؤقت بكفالة دفعها والداه.
الفرار من المحاكمة وسلسلة القتل
بعد أن فر القاتل المتسلسل وايلدر من محاكمته ارتحل وايلدر بين الولايات، وبدأت جرائمه تتخذ طابع العنف، بعد أن كانت تقتصر على الاعتداءات الجنسية، وفي فبراير/شباط عام 1984 قتل أولى ضحاياه، وهي فتاة بلغت من العمر 20 عاماً تُدعى روزاريو جونزاليس، بعد أن استدرجها إلى إحدى حلبات السباقات واغتصبها، ثم قام بقتلها.
وفي مارس/آذار قتل ضحيته الثانية إليزابيث كينيون، التي اشتهرت بجمالها الفائق، وحصولها على لقب ملكة جمال ولاية فلوريدا.
وتوالت جرائم القتل والتعذيب في أقل من شهر استطاع كريستوفر وايلدر اغتصاب وقتل وتعذيب من 10 إلى 12 فتاة، وتعددت وسائل تعذيبهن بين استخدام الغراء لغلق أعين الفتيات أو لتكميم أفواههن، وبين الصعق بالكهرباء، وكان التخلص من الجثث يتم عادة بإلقائهن فى أماكن متطرفة أو في قنوات الصرف القديمة.
وفي إبريل/نيسان 1984 في ولاية نيويورك كانت جريمة القاتل المتسلسل كريستوفر وايلدر الأخيرة باختطاف فتاة تبلغ من العمر 33 عاماً، ولكنه أطلق عليها النار دون أن يعتدي عليها، وألقى بجثتها في الطريق وفر إلى ولاية نيو هامبشير، وبعد أن انتشرت أوصافه وتم الإبلاغ عنه في 10 ولايات أمريكية، تعرفت عليه دورية شرطة بها ضابطان، وعندما توجها للقبض عليه حاول إطلاق النار عليهما، ولكن عندما فشل أطلق رصاصتين على نفسه، فلقي مصرعه وأصاب شرطياً بطلق ناري.
جرائم بعد الموت
وبعد عدة سنوات من وفاته فتحت السلطات الأسترالية ملف تحقيق لجريمة مصرع فتاتين تبلغان من العمر 15 عاماً اختفيتا عام 1965 من أحد شواطئ أستراليا، وبعد إعادة التحقيق والاستجواب ظهر اسم كريستوفر وايلدر مقترناً بهما.
كما ربطت تحقيقات أخرى في ولاية نيفادا بين كريستوفر وايلدر ومصرع ممثلة مبتدئة هي تامي لين ليبرت، التي شوهدت بحسب التحقيقات الحديثة عام 1983 بصحبة وايلدر، وقتما كان يدعي تمثيل وكالات الإعلان وشركات الإنتاج.
بخلاف وجود تحقيقات في عدة ولايات أمريكية ومدن أسترالية، جميعها تشير بشكل كبير إلى أن وايلدر قد يكون هو المتهم الأساسي فيها، ولكن مصرعه المفاجئ عام 1984 جعل الكثير من هذه التحقيقات تؤول إلى نهاية مسدودة.