فكَّكوا حجارتها وسرقوها في صناديق.. “بوابة عشتار” مدخل مدينة بابل التي سرقها الألمان

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/05 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/26 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
بوابة عشتار التي سرقها الألمان وعرضوها في متحف في برلين Shutter stock

عند الحديث عن عجائب الدنيا السبع القديمة، قد يكون أول ما يخطر ببالنا مدينة بابل وأسوارها وحدائقها المعلقة البديعة، لكن أحد أعظم آثار هذه المدينة هو بوابتها العظيمة التي لا يعرفها كثيرون لسببين؛ الأول هو أنها كانت ضمن قائمة العجائب السبع ثم تم استبدالها بمنارة الإسكندرية.

أما الثاني فهو أن البوابة العظيمة الحجم والارتفاع غير موجودة اليوم في العراق، ولكن في متحف بيرغامون في مدينة برلين الألمانية.

تعرّفوا معنا على بوابة عشتار، إحدى عجائب بابل التي غيّبها التاريخ وسرقتها ألمانيا حجراً حجراً في صناديق لتعرضها بفخر في متاحفها.

بوابة عشتار
البوابة كما هي معروضة في متحف في برلين \ Shutter stcok

بُنيت بوابة عشتار من حجر اللازورد الفريد وكانت مدخل بابل الرئيسي

في القرن السادس قبل الميلاد، أعاد الملك البابلي نبوخذنصّر الثاني تشييد مدينة بابل، التي تقع في ما يُعرف الآن باسم العراق.

وتصف النصوص القديمة المدينة على أنها واحدة من أكبر المدن في التاريخ وأكثرها ازدهاراً، وأغناها بالعجائب وروائع الفن المعماري.

بعرض يتجاوز الـ30 متراً وارتفاع يصل لـ13 متراً، كانت بوابة عشتار ثامن أبواب المدينة ومدخلها الرئيسي، وكانت تعتبر إحدى أبرز عجائب هذه المدينة، وقد شيدها نبوخذنصر عام 575 قبل الميلاد، كما يشير موقع World History.

وقد استخدمت الأحجار المصقولة الشبيهة بالسيراميك، التي تحمل اللونين الأزرق الكوبالت والأخضر البحري في بنائها، والتي يعتقد أنها أحجار اللازورد والطابوق الفريدة.

كانت مكرّسة للإلهة عشتار ويصلها طريق فاره بمعبد كبير الآلهة 

نُسِب اسم البوابة إلى الإلهة البابلية عشتار، إلهة الخصوبة والحب والحرب والجنس، لأنها كانت مكرّسة لها، ويظهر ذلك من خلال نحت الأسد الأبرز والأكثر تكراراً الذي يمثلها.

ولكن بالإضافة إلى رسوم الأسد، تزين البوابة منحوتات لحيوانات أخرى لإظهار الولاء لباقي الآلهة البابلية، ومنها: الثيران الصغيرة التي تمثّل أدد؛ إله الطقس والتنانين التي تعتبر رمز الإله مردوخ؛ وهو إله بابل القومي وكبير الآلهة.

تفضي البوابة، التي تعتبر المدخل الرئيسي لبابل، إلى ممر مرصوف بالطوب يسمى طريق الموكب، ويزيد طوله عن نصف ميل ويصل إلى معبد كبير الآلهة مردوخ.

كان الطريق غاية في الروعة المعمارية الفنية، فقد كان مرصوفاً بالحجارة الحمراء والصفراء وكان تحت كل حجر منها نقش مكتوب فيه صلاة قصيرة من الملك نبوخذنصر لسيد الآلهة مردوخ.

ويحيط بهذا الطريق أسوار شاهقة من الآجر المصقول المزين برسوم الأسود والزهور. وكان يتم في هذا الطريق تسيير موكب يعرض تماثيل عشتار وآلهة أخرى في احتفالات السنة الجديدة.

كما حملت بوابة عشتار لوح تكريس منقوشاً على الحجر الجيري كتبه نبوخذنصر يتفاخر فيه بصرحه العظيم يقول فيه: "لقد وضعت الثيران البرية والتنانين الشرسة على البوابات، ومن ثم قمت بزخرفتها على نحو فخم ومترف، ليحدق فيها الناس في ذهول وتعجب".

كما شرح فيه الغاية من إقامة البوابة، إذ إنها استبدلت بوابتين قديمتين كانتا منخفضتين، لذلك هدمتُ وبنيت مكانهما البوابة العظيمة.

بوابة عشتار
مجسم يظهر البوابة مع طريق الموكب والأسوار \ Shutter stock

اكتشفتها إحدى بعثات التنقيب الألمانية

لمئات السنين، كانت مدينة بابل دفينة تحت الأتربة والأنقاض حتى عام 1887 عندما بدأت الحفريات الأثرية في بابل، من قِبَل فريق خبراء أثريين ألمان، برئاسة العالم روبرت كولدوي الذي عثر على "شظايا ذات ألوان زاهية" من الأحجار المصقولة التي اعتقد أن جدار المدينة كان يتشكل منها.

اكتشف أحد جدران المدينة أولاً ثم طريق الموكب، أما الاكتشاف الأكبر فقد حدث في عام 1902، عندما تم كشف النقاب عن مدخل المدينة الرئيسي، بوابة عشتار التي تم اعتبارها الأثر الأكبر والأكثر إثارة للدهشة من بين آثار بابل.

سقوط الإمبراطورية العثمانية جعل آثار بابل بين أيدي بريطانيا وألمانيا

ظلت أعمال التنقيب مستمرة لسنوات طويلة بحثاً عن جمع أجزاء البوابة وأسوارها وأبراجها لتصبح كتلة واحدة من جديد. لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى تسبب بإيقاف هذه العمليات عام 1914.

انتهت الحرب بعد أربع سنوات بانهيار الإمبراطورية العثمانية التي كانت المسيطرة على أراضي العراق التي عُثر فيها على البوابة وسيطرت بريطانيا على المنطقة.

لكن الألمان استطاعوا التفاوض مع القوات البريطانية وتم الاتفاق على شحن الآثار التي تم العثور عليها أثناء عمليات التنقيب إلى برلين، بما في ذلك بوابة عشتار الضخمة.

فككوا البوابة حجراً حجراً وسرقوها في صناديق وأعادوا بناءها

قد يكون التساؤل الأول والاستغراب الأكبر الذي يخطر ببال أي شخص يسمع بالبوابة أو يراها في المتحف هو، كيف استطاع الألمان نقل مثل هذا الصرح العظيم كل تلك المسافات ووضعه داخل متحف؟

أما الإجابة فهي في الحقيقة أكثر غرابة، فبالتأكيد يستحيل نقل البوابة وأسوارها كما هي، لذلك قام الألمان بتفكيكها قطعة قطعة ثم جمعوا حجارتها وقاموا بترقيمها لإعادة بنائها ثم وضعوها في صناديق وأرسلوها إلى ألمانيا.

وقد استغرق إعادة بنائها سنوات طويلة، إذ إنها لم تعرض في متحف بيرغامون ببرلين حتى سنة 1930.

ورغم جمالها وعظمتها، إلا أن البوابة الموجودة اليوم في متحف بيرغامون ليست كاملة فقد كانت البوابة الأصلية مزدوجة لكن المتحف استعمل الجزء الأمامي منها فقط، وذلك لضيق مساحة المتحف، كما جاء في موقع BBC.

أما البوابة الخلفية الأكبر فلا تزال في مخازن المتحف. كما كان للبوابة باب وسقف مصنوعان من خشب الأرز والبرونز، اللذان لم يعَد بناؤهما أيضاً رغم سرقة موادهما.

رسوم الأسود والزهور على أسوار بوابة عشتار \ Shutter stcok

حاول صدام حسين بناء نسخة للبوابة التي توزعت أجزاؤها في متاحف عدة حول العالم

شيد الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، نسخة لبوابة عشتار، لكن بحجم أصغر من الأصلي لتكون مدخلاً لمتحف وطني، ونسخة لقصر نبوخذنصر، لكن العملية لم تكتمل بسبب الحرب الأمريكية على العراق.

كما توجد أجزاء مختلفة من بوابة عشتار في متاحف عدة حول العالم، منها متحف إسطنبول للآثار ومتحف أونتاريو الملكي واللوفر ومتحف ميونيخ للفن المصري ومتحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك والمعهد الشرقي بشيكاغو، ومتاحف أخرى كثيرة.

تحميل المزيد