جرائم العنف والقتل “مرض” يمكن علاجه، هكذا تخلّصت إسكتلندا من لقب “عاصمة القتل في أوروبا”

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/01 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/20 الساعة 19:39 بتوقيت غرينتش
الشرطة الاسكتلندية \ shutterstock

في عام 2005، تمت تسمية مدينة "غلاسكو" في إسكتلندا "عاصمة القتل في أوروبا"، وتم تسجيل 137 جريمة قتل ذلك العام في إسكتلندا كلها، وبحسب تقرير للأمم المتحدة في نفس السنة، فإن إسكتلندا كانت الدولة الأكثر عنفاً في أوروبا.

قررت السلطات الإسكتلندية أن عليها إيجاد حل غير تقليدي،  فوضعوا خطة "معالجة" العنف باعتباره مرضاً وقرروا محاصرته كما يحاصَر الوباء، فكانت نتيجة ذلك الحل الاستثنائي، انخفاض نسبة جرائم العنف بحوالي 70% في أقل من 10 سنوات.

كانت جرائم العنف، وخاصة حوادث الاعتداء بالأسلحة البيضاء، منتشرة وبكثرة، على سبيل المثال كانت هناك 40 جريمة قتل باستخدام سكين، في مدينة "غلاسكو" وحدها، بين عامي 2006 و2011، كان أغلب الضحايا من الأطفال والمراهقين؛ وفي السنوات الـ10 اللاحقة التي طبقت خلالها الخطة الجديدة، انخفض هذا الرقم إلى ثمانية ضحايا فقط.

ليس هذا فحسب، بل كان عدد الأشخاص الذين يحملون السكاكين قد انخفض في جميع أنحاء إسكتلندا، وفقاً للأرقام الصادرة عن شرطة إسكتلندا، وفي السنوات من 2005 إلى 2007، كان هناك حوالي 10 آلاف حادثة مسجلة تضمنت وجود سلاح، لينخفض الرقم إلى حوالي 3 آلاف حادثة بعد 10 سنوات ما بين 2015 و2016.

مكافحة جرائم القتل كما تكافح الأمراض والأوبئة

في عام 2005 شكلت الشرطة الإسكتلندية وحدة سمتها "وحدة الحد من العنف" أو "VRU" وكان النهج الذي اتبعته هذه الوحدة، أقل ما يقال عنه إنه فريد من نوعه.

جرائم العنف
الشرطة الاسكتلندية \ shutterstock

كانت رسالتها الرئيسية هي أن جرائم القتل وجرائم العنف لم تكن مجرد قضية من اختصاص الشرطة فقط، ولكنها قضية تتعلق بالمجتمع كله، وكانت فكرة الوحدة بسيطة: "العنف يمكن منعه وليس حتمياً".

ضمت وحدة "VRU" رجال الشرطة، وأطباء ومتطوعين من وحدة الطوارئ الذين تعاملوا مع حوادث مماثلة، وبعض الناجين من أعمال عنف، ومختصين في برامج الإحصاء والوقاية من الأمراض، وأخصائيين اجتماعيين، والمدرسين، وحتى تجنيد المجرمين السابقين من الذين تركوا حياة الإجرام، ومشاركة تجاربهم مع الجيل القادم.

اعتبرت الوحدة الجديدة جرائم القتل وانتشار العنف مرضاً أو وباء، وقررت مواجهته على طريقة "الصحة العامة"، وهو علم الوقاية من الأمراض والأوبئة من خلال الجهود المنظمة بالتعاون بين المنظمات العامة والخاصة والمجتمعات والأفراد.

وعلى منهج "الصحة العامة" في تحليل بيانات السكان والتهديدات الصحية التي يواجهونها في حالة تفشي الوباء، وطريقة اتخاذ الإجراءات المناسبة لعلاج المصابين ووقاية الأصحاء من التقاط العدوى،

حللت وحدة "VRU"، جرائم القتل والعنف المنتشرة في إسكتلندا بنفس الطريقة.

ووضعت خطة لإيجاد "علاج" لجميع أشكال السلوك العنيف، بما في ذلك العنف في الشوارع، وعنف العصابات، والعنف المنزلي، وحتى التنمر في المدارس، والتنمر في مكان العمل، ومنع انتشاره بين أفراد المجتمع و"علاج" مرتكبي تلك الأعمال.

طريقة الترهيب والترغيب لمنع انتشار الجرائم 

باستخدام المعلومات الاستخبارية من قيادة عمليات الشرطة، حددت "VRU" خريطة تواجد جميع العصابات، وأماكن انتشارها، ومن ثم حددت الأشخاص الأكثر احتمالاً لارتكاب جرائم العنف، وطلبت منهم الحضور طوعاً إلى المحكمة.

جرائم العنف
حددت الشرطة مناطق انتشار الجرائم \ shutterstock

وعندما وصلوا إلى مراكز الشرطة، شاهدوا صورهم الشخصية لدى ضباط الشرطة، وعرفوا أنهم كانوا تحت المراقبة، ثم تبدأ الجلسة بتحذير من الشرطة: "نحن نعرف من أنت، وإذا واصلت أسلوب الحياة هذا، سنقوم بإلقاء القبض عليك، وعلى بقية أفراد العصابة، وسوف تذهب إلى السجن إذا استمر هذا الأمر".

ثم في تلك المرحلة يتدخل عناصر "VRU" متبعين أسلوب الترغيب ونهجاً أكثر إبداعاً وشمولية،

 تقول "كريستين جودال" أحد أعضاء "VRU": "لم يكن عليهم القدوم ولكن تم تشجيعهم من قبل الشرطة المجتمعية والمدرسين والأخصائيين الاجتماعيين وقد جاء الكثير منهم".

وتكمل "جودال": "تحدثنا إليهم عن الإصابات التي نراها نتيجة للعنف وتحدثنا لهم عن أم فقدت ابنها، ثم أخيراً، عرضنا عليهم مخرجاً".

ثم كانت هناك مساعدة في الإسكان وإعادة التوطين، وفرص التوظيف والتدريب،  وإعطاؤهم رقماً للاتصال به إذا أرادوا قبول العرض، وبالفعل قام عدد كبير منهم بذلك، وتم وضعهم في برنامج إعادة تأهيل، ولم يعد أغلبهم لأسلوب حياة العصابات بعد ذلك.

"أطباء ضد العنف" لتوعية طلاب المدارس ووضع حد أدنى لتسعير الكحول

في عام 2008، ومن ضمن مبادرة وحدة "VRU"، قام ستة جراحين من أقسام الطوارئ في مستشفيات إسكتلندية مختلفة، بتشكيل منظمة "أطباء ضد العنف" أو "MAV"، كان أولئك الأطباء قد شهدوا بأنفسهم الأثر المدمر لجرائم العنف، فقرروا التدخل لإيقاف تلك الجرائم قبل حدوثها.

جرائم العنف
شارك الأطباء تجاربهم مع طلاب المدارس \ shutterstock

تضمن أحد مشاريع المنظمة إرسال أطباء وحدات الطوارئ إلى المدارس، لمشاركة تجاربهم المروعة، مع الطلاب المراهقين، أنتجت "MAV" أفلاماً دعائية، وابتكرت خططاً ودروس وجلسات للمساعدة في إشراك المراهقين في النقاش.

وشجعت المنظمة ضحايا جرائم السكاكين على التعاون مع الشرطة، حيث أظهرت الأبحاث أن العديد من الهجمات لم يتم الإبلاغ عنها، خوفاً من انتقام العصابات، أو عدم الثقة بأفراد الشرطة .

كما شجعت المنظمة النقاشات في قضايا على المستوى الوطني، مثل قضية رفع الحد الأدنى لتسعير الكحول، لتقليل تعاطي الكحول وآثاره، خاصة أن أكثر من 80% من ضحايا الاعتداء في أقسام الطوارئ بالمستشفيات كانوا تحت تأثير الكحول، وكذلك الأشخاص الذين اعتدوا عليهم.

"شارع وسهم" فرصة ثانية لتغيير حياتهم

كان الشق الثاني من مبادرة "VRU"، هو منح فرصة ثانية للمدانين من أجل فرصة عمل وكسب المال بطريقة مشروعة، وإبعادهم عن عالم جرائم العنف، ومساعدتهم للتخلص من إدمان الكحول أو المخدرات، وتوفير التدريب والتوجيه والدعم للجناة الذين التزموا بتغيير حياتهم بعيداً عن العنف والجريمة.

وفرت "VRU" فرص عمل متعددة، منها وظائف في سلسلة شاحنات طعام تحت اسم "شارع وسهم" أو "Street & Arrow"، وكان شرط الانضمام إلى برنامج تدريبي مدته 12 شهراً، أن يكون الجناة خالين من المخدرات والكحول. 

وقال "إيان موري" أحد أعضاء "VRU": "هؤلاء الأشخاص يستحقون فرصة ثانية، إذا لم نفعل ذلك، فنحن نخاطر أن يصبحوا خطراً على أي شخص آخر، لذلك من المهم أن نقدم لهم الأمل والفرصة، إنهم حريصون على إظهار أنهم يريدون الإصلاح ليكونوا أعضاء منتجين في المجتمع، ليثبتوا لعائلاتهم وأطفالهم أن هذه هي الطريقة التي يجب أن تكون عليها الأمور".

تحميل المزيد