يمكن اعتبار عمر ابن سعيد من أوائل المسلمين الذين دخلوا إلى الولايات المتحدة؛ كان عالماً في الدين الإسلامي، بعد أن أمضى 25 سنة من حياته مع علماء الإسلام في إفريقيا، ودرس العلوم الإسلامية.
في العام 1807، أُسر أثناء صراعٍ عسكري وسيق إلى الولايات المتحدة "عبداً". فرّ من "سيّده" الغليظ في تشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية، فذهب إلى ولاية كارولينا الشمالية حيث أُسر مرّةً أخرى واشتراه أمريكي يُدعى جيمس أوين.
عاش أكثر من 90 عاماً، وبقيَ "عبداً" لغاية وفاته في العام 1864 بمدينة بلادن الأمريكية.
اشتهر عمر ابن سعيد بمخطوطاته التي كتبها باللغة العربية، إضافةً إلى سيرته التي كتبها في العام 1831، وهي الكتاب الوحيد باللغة العربية الذي يروي التجربة الشخصية لمُستعبَدٍ أمريكي.
الكتاب تُرجم للإنجليزية في العام 1925، قبل أن يختفي المخطوط الأصلي، ثم يُعثر عليه في 1996، ويُعاد ترجمته من قِبل أستاذٍ جامعي متخصّص، أضاف إليه تعليقاتٍ شخصية لتوضيح ما كان يقصده الشيخ في مذكراته.
من هو عمر بن سعيد؟
ولد ابن سعيد في العام 1770، في مدينة فوتا تورو بالسنغال حالياً، وسط عائلةٍ من التجار الأثرياء. تعلَّم اللغة العربية، وحفظ القرآن الكريم، ودرس الفقه الإسلامي، والرياضيات، وعلم الفلك.
أصبح إماماً ومُدرّساً في قريته، قبل أن يختطفه في سنة 1807 مسلّحو قبيلة "بامبارا" الوثنية خلال حربها مع قبائل "الفولان" المسلمة، التي ينتمي إليها "الشيخ عمر"؛ فقامت القبيلة ببيعه لتجار العبيد.
وقد تطرّق عمر بن سعيد، في مذكراته، لتلك الفترة المهمة من حياته، فكتب: "اسمي عمر بن سعيد، ولدتُ بفوتا تورو، ما بين الضفتين (يقصد نهر السنغال)، ودرستُ ببنوندو وفوتا".
ويتابع: "سعيتُ لاكتساب المعرفة وواصلت البحث عنها لمدة 25 سنة، ثم عدتُ إلى بلدي وبقيت 6 سنوات، قبل أن يَقدم إلى بلادنا جيشٌ كبير قتل عدداً كبيراً من الناس. لقد اصطحبوني معهم وساروا بي إلى البحر الكبير، ثم باعوني وسلّموني إلى رجلٍ مسيحي سار بي نحو السفينة الكبيرة في البحر الكبير".
ويقصد عمر بن سعيد بـ"البحر الكبير"، المحيط الأطلسي، الذي يفصل بين قارة إفريقيا والأمريكتين الشمالية والجنوبية.
وتابع " العم مورو"، كما كان يُلّقب بأمريكا، سارداً قصته الحزينة: "لقد أبحرنا لمدة شهر ونصف حتى وصلنا إلى مكانٍ يُدعى تشارلستون، حيث باعني إلى رجلٍ صغير الحجم وهزيل الجسم ولئيم اسمه جونسون. كان كافراً لا يخاف من الله أبداً".
هروب عمر ابن سعيد
ووفقاً لما ذكرته المؤرخة الفرنسية ذات الأصول السنغالية، سيلفيان ضيوف لصحيفة The Washington Post الأمريكية، فإنه من المحتمل أن ابن سعيد كان على متن واحدة من أربع سفن أمريكية كانت مليئة بـ"العبيد"، وأبحرت من ميناء سان لويس في السنغال سنة 1807، نحو مدينة تشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية، التي تسلّمت آنذاك حوالي 385 من الأفارقة المُستعبَدين.
وبسبب المعاملة القاسية لـ"سيّده"، قرّر ابن سعيد الهروب؛ لكن أُلقيَ القبض عليه بالقرب من مدينة فايتفيل في ولاية كارولينا الشمالية الأمريكية، بعد "شهرٍ واحد من المشي من قِبل رجالٍ يركبون الأحصنة"، كما جاء في سيرته الذاتية.
سُجن عمر بن سعيد "16 يوماً و16 ليلة"، وذلك قبل أن يُباع مرّةً جديدة إلى عائلة أحسنتْ معاملته، شكَرها في مخطوطه "كل ما يأكلونه، آكله. وكل ما يلبسونه، يعطونه لي".
وعن "سيّده" الجديد، كتب: "لم يضربني قط، ولم ينعتني أبداً بألقاب سيئة. فأنا لم أعهد أي ضرر على يد جيم أوين خلال العشرين سنة الماضية كلها".
وبحسب ما جاء في مجلة Jeune Afrique الفرنسية، المتخصّصة في الشؤون الإفريقية، فإنّ مالكه "الطيب" هو الجنرال جيمس أوين، شقيق جون أوين، حاكم ولاية كارولينا الشمالية.
سرّ كتابة سورة " الملك" في مقدّمة الكتاب
في العام 2012، قام علاء الريّس، الأستاذ المساعد في الأدب المقارن في جامعة "ييل" الأمريكية بالترجمة الثانية للسيرة الذاتية لعمر بن سعيد إلى الإنجليزية.
عَنوَن الكتاب بـMuslim American Slave: The Life of Omar Ibn Said؛ وبحسب الريّس، فإنّ صاحب الترجمة الأولى جون فرانكلين جيمسون، لم ينتبه لأهمية الآيات القرآنية التي كتبها ابن سعيد في مقدّمة الكتاب.
فعمر بن سعيد- كما يرى الريّس- قد تعمّد سرد سورة "الملك"، وذلك قصد انتقاد وضعه تجاه مالكيه، والتعبير بشكلٍ استفزازي عن رفضه لوجود أي حق لهم في امتلاكه.
ونفس الرأي تقريباً، أبدته ماري جين ديب، رئيسة قسم إفريقيا والشرق الأوسط في مكتبة "الكونغرس" الأمريكي، التي تملك اليوم النسخة العربية من الكتاب؛ وقالت ديب لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية: "من بين جميع سور القرآن، اختار ابن سعيد هذه السورة. ففي الإسلام كل شيء يخص الله وحده، ولا أحد مالكاً لشيء دونه. إن اختيار تلك الآية مهم للغاية، فهو بمثابة نقد أساسي لحق امتلاك إنسان لإنسان آخر".
صدر كتاب عمر بن سعيد بعنوان "حياة عمر بن سعيد من تأليفه شخصياً" في العام 1831، وكُتب بواسطة حبر الغال الحديدي، واعتمد مؤلفه غلافاً بنياً لحمايته.
ولا يحدد المؤرخون بوضوح سبب كتابة عمر بن سعيد لسيرة حياته، ومن هو الشخص الذي ذكره في الكتاب وأشار إلى أنه هو من طلب منه التأليف، إذ جاء في الكتاب "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والإحسان من قديم والجود والمنِّ والإجلال والكرم. الحمد لله الذي خلق الخلق لعبادته حتى يرى أفعالهم وأقوالهم".
ويتابع: "من عمر إلى شيخ حنته سألتني أن أكتب حياتي، لا أستطيع أن أكتب حياتي فقد نسيت اللغة العربية، ولا أفهم إلا القليل منها نحويّاً ولغوياً. يا إخوتي سألتكم بالله لا تلوموني، فأنا الآن ضعيف الجسد كذلك".
ووفقاً للأستاذ علاء الريّس، فإنّ "الشيخ حنته" قد يكون إيلي هانتر، من جمعية الاستعمار الأمريكية، وهي مجموعة كانت تشجع "العبيد" المحرَّرين على العودة إلى إفريقيا.
غموض حول حقيقة تحوّله للمسيحية
بعض الروايات التاريخية تفيد بأن ابن سعيد اعتنق المسيحية في 3 ديسمبر/كانون الأول 1820، أي قبل 11 عاماً من إصدار كتابه المثير. وبحسب موقع "الجزيرة.نت"، يوجد بالمقابل العديد من الباحثين المعاصرين الذين يعتقدون أنه ظلّ مسلماً، استناداً إلى تعلّقه بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كما عبّر عنه في كتابه.
كما كتب عمر ابن سعيد على بطاقةٍ مؤرَّخة تعود لعام 1857 سورة "النصر"، التي تشير إلى تحوّل غير المسلمين إلى الإسلام "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً"، بينما يحتوي الجزء الخلفي من هذه البطاقة على خط يد شخص آخر باللغة الإنجليزية يُخطئ في تعريف السورة بأنها صلاة الرب ويشهد على وضع عمر كمسيحي جيد.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإنّ المخطوط الذي كتبه عمر بن سعيد عن سيرته الذاتية، أرُسل سنة 1836، إلى مسلمٍ يُدعى "لامان كيبي" أو كما يُطلق عليه "أولد بول".
كان كيبي "عبداً" في السابق، يقطن في نيويورك وجاء من المنطقة نفسها التي قدم منها ابن سعيد في غرب إفريقيا. ويُقال إن كيبي سلّم المخطوط إلى ثيودور دوايت، العضو المؤسس لـ"جمعية الأعراق الأمريكية"، الذي جمع بعض المخطوطات العربية بالإضافة إلى ترجماتها ورسائل وقصاصات صحف عن الموضوع الذي تهتم به مكتبة الكونغرس.
مخطوط عمر ابن سعيد الأصلي اختفى في القرن 20
أوضحت ماري جين ديب أنّ كتاب عمر بن سعيد، والمخطوطات الأخرى التي تخصّه، قد تناقلها العديد من الأشخاص، إلى أن اختفت في القرن العشرين.
ووفقاً للصحفي جوناثان كوريل، فقد عُثر على المخطوطة في صندوق بمدينة أليكسندريا بولاية فيرجينيا الأمريكية، من قِبل أحفاد جامع المقتنيات الأثرية، هاولاند وود، الذي كان من هواة جمع العملات النقدية الإسلامية.
وفي 28 مارس/آذار 1996، اشترى ديريك بيرد المخطوط الأصلي لكتاب عمر ابن سعيد بمبلغ 21 ألفاً و850 دولاراً، في مزادٍ علني بنيويورك لبيع مجموعة من المخطوطات الأمريكية الإفريقية المطبوعة.
وكان بيرد، مسلماً من أصل إفريقي، وتوفي في يوليو/تموز 2018 عن عمر 59 سنة؛ وقد كان حريصاً جداً على مشاركة مخطوط عمر بن سعيد مع كل مهتم بالثقافة الإفريقية الأمريكية.
فقد كان يتنقل بها بين الجامعات والمعاهد والمعارض المتخصصة، لأكثر من 20 عاماً، كما عرضها على مكتبة الكونغرس لشرائها والاحتفاظ بها كي تكون متاحة للجميع. ولكنه رحل عن الدنيا، قبل 6 أشهر فقط من أن يشهد على عرض مكتبة الكونغرس لكتاب "العم مورو" على منصتها الرقمية.