لا يوجد مكان تتجلى فيه الإمكانات الاقتصادية للبث المباشر على الإنترنت وكيف يمكن أن تتحول إلى صناعة بمليارات الدولارات، أكثر من الصين.
فالموضوع هناك لا يقتصر على دردشة بسيطة بين "المؤثرين" ومتابعيهم، أو البث المباشر لصناع محتوى الألعاب الإلكترونية من أجل الترفيه، لكن الموضوع يمتد إلى تسويق البضائع عبر البث المباشر وتجارة التجزئة بنظام متكامل وبنية تحتية مجهزة تسمح للجمهور بمشاهدة البث المباشر والدردشة مع المشاهدين الآخرين واختيار المنتج والدفع مقابله في نفس الوقت.
حتى بلغ إجمالي قيمة البضائع التي بيعت عبر البث المباشر في الصين في سنة 2021 حوالي 76.4 مليار دولار، واعتباراً من عام 2020 جذب الحجم المتزايد للمبيعات 1.23 مليون شخص مسجّل في الصين يبث بشكل مباشر، وفقاً لمنظمة "iiMedia Research" لتحليل البيانات.
أما عدد متابعي البث المباشر عبر الإنترنت في الصين فوصل إلى 703 ملايين خلال عام 2021 فقط، وفقاً لتقارير حول تطوير الإنترنت في الصين الصادرة عن مركز معلومات شبكة الإنترنت الصيني.
كل هذه الأرقام الضخمة لن تمر دون تنظيم أو قوانين تحكمها في ظل حكومة تفرض رقابة صارمة على كل شيء، فأصدرت مجموعة من القوانين واللوائح يتم تحديثها باستمرار التي تحدد المسموح والممنوع من سلوك لجني الأرباح من البث المباشر.
الدعاية الكاذبة ممنوعة
أصدرت "سلطات الإنترنت والضرائب ومراقبة السوق في الصين" في مارس/آذار 2022 إشعاراً لمنصات البث المباشر تحذرهم فيه من الدعاية التجارية الكاذبة أو المضللة فيما يخص السلع ومصنعيها أو الأداء والوظيفة والجودة والمصدر والشهادات التي فازت بها المنتجات أو تقييم المستخدم والإحصاءات الأخرى للمنتجات.
مع تكثيف الرقابة الضريبية الحكومية على الأفراد والشركات التي تمارس التجارة في قطاع البث المباشر.
يمنع بث الألعاب بدون تصريح.. وقوانين صارمة تخص القاصرين
بث الترفيه الذي يخص الألعاب الإلكترونية هو أيضاً يخضع للتدقيق دائماً، بعد انتقاد صحيفة تابعة للدولة صناعة الألعاب ووصفها بـ"الأفيون الروحي".
أصدرت الحكومة في أغسطس/آب 2021 قراراً للسماح للمراهقين بلعب الألعاب عبر الإنترنت لمدة ثلاث ساعات في الأسبوع فقط بين الساعة 8 مساءً وحتى 9 مساءً أيام الجمعة وعطلات نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية.
وفي 15 أبريل/نيسان 2022 أصدرت "الإدارة الوطنية للإذاعة والتلفزيون في الصين" إشعاراً بعنوان "تعزيز إدارة البث المباشر للألعاب على المنصات السمعية والبصرية عبر الإنترنت" وينص الإشعار على أنه يُحظر على منصات البث المباشر للألعاب ومنصات الفيديو القصيرة وأنواع أخرى من المنصات السمعية والبصرية بث ألعاب الفيديو دون الحصول على ترخيص.
ويجب على منصات الإنترنت أن تنفذ بصرامة تسجيل الاسم الحقيقي والبيانات الشخصية لمن يقوم بالبث، وتحظر تقديم خدمات البقشيش للقُصَّر مثل إرسال الأموال النقدية وشراء الهدايا والدفع عبر الإنترنت.
وتحظر على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 16 عاماً البث المباشر، بينما يجب على المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً الحصول على إذن من والديهم أو أولياء أمورهم قبل إجراء البث المباشر، بالإضافة إلى منع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً من إجراء عمليات شراء داخل الألعاب.
وعلى المنصات التي تقدم خدمة البث المباشر وخاصة منصات الألعاب، مراقبة ما ينشر ومراقبة التعليقات وتحسين قوانينها لخلق بيئة صحية على الإنترنت وزيادة التوجيه لمنشئي البث المباشر لتجنب السلوكيات السلبية.
التبذير والتفاخر بالممتلكات ممنوع
تمتلك الصين مجموعة من تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بها وهي تحت رقابة وسيطرة الحكومة ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أصدرت الحكومة تعليماتها لتلك المواقع بحظر ومراقبة المحتوى الذي يعتبر تباهياً بالثروة، مثل مقاطع الفيديو المتعلقة بامتلاك المنتجات الفاخرة و"إظهار المكانة الاجتماعية للفرد بطريقة غير مناسبة".
يقول تشانغ يونغ جون، وهو مسؤول في إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية: "هل المحتوى يساعد على إلهام الناس للعيش بطريقة إيجابية وصحية والسعي من أجل حياة أفضل؟ أم أنها تلبي بعض الإلحاحات المبتذلة، وتحفز الناس على احتقار الفقراء والتملق من الأغنياء، وممارسة مذهب المتعة، أو حتى الرغبة في الحصول على أموال مقابل لا شيء؟".
تشمل المحتويات المحظورة والتي تعد تفاخراً بالممتلكات أو التباهي بالثروة "السخرية من الفقراء" أو تصوير مبالغ نقدية كبيرة يتم رميها في الهواء، أو اختلاق القصص التي تتحدث عن الصعود من الفقر إلى الثراء، أو العودة للتو من الدراسة في الخارج، فجميع ذلك المحتوى محظور تماماً.
وأعلن مشغلو موقع "Xiaohongshu" الشبيه بـ "Instagram" في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أنهم وضعوا علامة على أكثر من 8700 منشور و"معاقبة" 240 حساباً اعتُبر أصحابها أنهم أظهروا ثرواتهم بشكل علني، وبعض تلك الحسابات كان لديها ملايين المتابعين.
ومع ذلك، لم تحدد المنصة الإجراءات المتخذة ضد هذه الحسابات، أو أصحابها لكنها أضافت أنها حسّنت خوارزمياتها التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للتعرف على محتوى التفاخر بالثروة بشكل أكثر دقة.
لا كلمات بذيئة ولا لغة مسيئة ولا أقراط للرجال أو ملابس فاضحة للنساء
شهد عام 2019 زيادة التوجيه لمنشئي البث المباشر لتجنب السلوكيات السلبية: يجب أن توجه المنصات المستخدمين للتحلي بأخلاق "أكثر حضارة"، وأن يكون لديهم تعبيرات عقلانية، وأن ينفقوا بعقلانية لخلق بيئة صحية على الإنترنت، والتخلي عن اللغة المبتذلة وغيرها من الأشياء غير المرغوب فيها مثل "عبادة المال ودوائر المعجبين".
كما أخفى المراقبون الصينيون ومنذ 2019 شحمة الأذن لبعض نجوم البوب الصينيين الشباب على شاشات التلفزيون والإنترنت، باعتبار الأقراط ومجوهراتهم نموذجاً أنثوياً للغاية بالنسبة للأولاد في البلاد.
الأقراط الرجالية ليست هي المادة الوحيدة المرفوضة التي تقوم الرقابة الصينية بطمسها ومنعها أو إزالتها. يرتدي لاعبو كرة القدم أكماماً طويلة لتغطية الوشم، وطُلب من النساء في مؤتمر ألعاب الفيديو عدم ارتداء ملابس مفتوحة من منطقة الصدر، ويمكن لمغني الراب في البرامج التلفزيونية وعلى الإنترنت أن يغنوا فقط حول الحب والسلام والوئام.
ويبرر المسؤولون في الصين أن هذه الرقابة للحفاظ على "الثقافة الصينية". وقد كتبت وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا" في تعليقٍ عام 2018 انتقد من وصفتهم بـ"المشاهير من الشباب المخنثين في الصين": "من أجل تربية جيل جديد سيتحمل مسؤولية التجديد الوطني، نحتاج إلى مقاومة التآكل من الثقافة غير اللائقة.. الأهم من ذلك، نحن بحاجة إلى رعاية الثقافة المتميزة".