شيئاً فشيئاً، يساعد الباحثون في الكشف عن ظروف العيش قديماً. وبدأ العلماء ببطء في اكتشاف وإعادة إحياء العالم القديم. يتضمن ذلك صناعة عطر يُعتقد أن كليوباترا كانت تستخدمه خلال سنوات حكمها مصر بين 51 و30 قبل الميلاد؛ لكن الأمر ليس بسيطاً على الإطلاق.
وحسب ما نشرته مجلة Science News العلمية في عددها الصادر مايو/أيار 2022، اكتشف عالما الآثار روبرت ليتمان وجاي سيلفرشتاين، وكلاهما من جامعة هاوا، مصنعاً للعطور خارج مدينة تل الربع في عام ،2012 مليئاً بزجاجات العطور والمساحيق التي تحتوي على بقايا العطور.
وتقع المدينة المكتشفة في شرق دلتا النيل، وكانت عاصمة مصر، حتى تم استبدالها بمدينة ثميوس في عهد مصر اليونانية الرومانية.
وبالفعل، تعاون الباحثان مع عالمة المصريات في برلين دورا غولدسميث، وأستاذ الفلسفة اليونانية والرومانية في براغ، شون كوغلين، لاستخدام "علم الآثار التجريبي"؛ في محاولة لإعادة إنشاء عطر كليوباترا.
وباستخدام الأشعة السينية، تم تحليل الجزيئات الموجودة بالجرار، وضمن ذلك طمي النيل المستخدم في صنع الحاويات ومخلفات المحتويات.
وعُثر على بقايا المحتويات داخل أمفورا، وهي جرة يونانية أو رومانية أنيقة قديمة ذات مقبضين وعنق ضيق.
وتبين استخدام الطين المستورد لتصنيع زجاجات العطور، كما عثروا وقتها على مجموعة من المجوهرات الفضية والذهبية بالقرب من الأفران، ما يشير إلى وجود تبادل نقدي مقابل العطور الثمينة.
وبعد عدة محاولات، توصل الفريق إلى صناعة روائح قوية وحارة ورطوبة ضعيفة، رائحتها أقوى من العطور الحديثة، حسب ما نشرته مجلة Smithsonian.
وعكس العطور المتداولة في عصرنا الحديث، كان العطر الفرعوني أكثر كثافة، وذا قوام مشابه لزيت الزيتون.
واحتوى العطر على مكونات عدة مثل زيت التمر الصحراوي والقرفة ومستخلص الصنوبر والهيل وزيت الزيتون وغيرها.
عطر كليوباترا
في أيام كليوباترا، عُرف هذا العطر باسم عطر مديسيان أو Mendesian، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى المدينة التي نشأت فيها، Mendes، وهو الاسم الروماني للمدينة التي اكتشفت الطور فيها.
بسبب شعبيتها الهائلة لدى الطبقة العليا، نجت الوصفة المكتوبة في اليونانية والرومانية القديمة.
وفي ورقة بحثية نُشرت في سبتمبر/أيلول 2021 بمجلة علم آثار الشرق الأدنى Near Eastern Archaeology بعنوان "Eau de Cleopatra"، وصف الباحثون كيفية استخدام المصادر الكلاسيكية والتقنية الحديثة جداً لعلم الأحياء القديمة لتحديد الرائحة وإعادة تصنيعها.
وبينما طرحت تساؤلات عن استخدام مكونات دقيقة غير واضحة مثل مستخلص الصنوبر الذي يمكن الحصول عليه من شجر الأرز والجنوب، فإن الباحثين عاكفون على دراسة البقايا في زجاجات العطور التي عُثر عليها وتحليلها كيميائياً لمطابقة الوصفة المصنَّعة بما تركه التاريخ.
عطر كليوباترا في المخيلة الأدبية
وأبهر سر تركيبة عطر كليوباترا العديد من عشاق علوم المصريات، إذ ترددت أسطورة، مفادها أن كليوباترا كانت تصب كثيراً من عطرها الشخصي على أشرعة قواربها لدرجة أن مارك أنتوني كان يشم رائحتها قادمة من على بُعد كيلومترات حتى قبل وصولها إلى شواطئ طرسوس.
وحتى الكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير، كتب عن أشرعة كليوباترا المشهورة المعطرة والتي وصفها بأنها "عطرية للغاية لدرجة أن الرياح كانت تعشقها".
ولكن هل الصيغة المعاد إنشاؤها حديثاً هي عطر كليوباترا؟ قد لا تكون التركيبة مطابقة كلياً، ولكنها بالتأكيد أقرب ما يكون لتركيبة عطر كليوباترا المفضل.