لمن يقرأ في أخبار الجريمة والعصابات يعرف أن الشر والدهاء درجات، ويعرف أيضاً أن هناك عدداً لا بأس به من عمل العصابات العائلي الذي يجمع ويقوي روابط الدم التي تجمعهم أكثر، وهنا ونحن نتحدث عن عصابة أبناء نيوتن سنجمع الأمرين، دهاء العصابات التي تجمعها روابط عائلية.
ربما لم يحظَ ويليس نيوتن وإخوته بشهرة تشارلي آرثر فلويد الملقب بـ "الفتى الوسيم" أو جون ديلنجر أو آل كابوني أو الزوجين بوني باركر وكلايد بارو، لكن عصابة أبناء نيوتن للأشقاء الأربعة كانت من أسوأ عصابات لصوص البنوك، رغم أن هويتهم ظلت مجهولة حتى لرجال الشرطة.
عصابة أبناء نيوتن
نفَّذ ويليس نيوتن وإخوته ما يقرب من 70 عملية سرقة مصارف خلال حوالي 5 سنوات في عشرينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى 6 عمليات سرقة قطارات، كما نجحوا في الاستيلاء على حوالي 3 ملايين دولار في عملية واحدة لا تزال أكبر حادث سرقة قطارات في تاريخ أمريكا، رغم أن بدايتهم كانت لا تشير إلى عصابة بهذا الاحتراف.
الأشقاء الأربعة؛ ويليس وويلي وجيس وجو، ولدوا في أسرة فقيرة لأب يعمل مزارعاً، ذهبوا إلى المدرسة لكنهم تركوها في سن مبكرة وبدأوا على الفور تنفيذ جرائم صغيرة وقضوا فترات قصيرة في السجن، وفق موقع Legends of America.
أصبح لدى ويليس سجل جنائي طويل قبل حتى أن ينفذ أول عملية سرقة لأحد المصارف وهو في عمر 25 عاماً تقريباً، إذ نجح مع بعض الخارجين عن القانون على تحصيل حوالي 10 آلاف دولار (ما يعادل حوالي 237 ألف دولار حالياً) من عملية سطو في عام 1916.
كان ويليس مدمن مخدرات واستطاع ضم إخوته إلى هذا النشاط الإجرامي ليُشكّلوا معاً "عصابة أبناء نيوتن"، وأصبح ويليس القوة المُحرّكة للعصابة، وبعض القواعد الأساسية التي من شأنها مساعدة العصابة لتصبح أنجح عصابة سرقة بنوك في التاريخ، لكن لم يستطِع أفراد العصابة الالتزام بتلك القواعد دائماً.
إذ كان عدم التورط في جرائم القتل إحدى أهم تلك القواعد، إلا أنهم أخفقوا في اتباع القاعدة، إذ تورطوا ذات مرة في تبادل لإطلاق النار أثناء عملية سطو نادرة نفّذوها خلال وضح النهار في كندا، وأدى ذلك إلى تلطيخ سمعتهم، حيث كانوا مشهورين بنمط العمليات النظيفة والهروب السهل، كما أشار موقع How Stuff Works الأمريكي.
أما في معظم الأوقات، فقد كان الأمر يتطلب عادة أداة تفجير لفتح باب الخزنة ويصبح المال حينها في متناول عصابة نيوتن، ثم يلوذون بالفرار، واشترك في ذلك الأشقاء الأربعة مع خبير متفجرات يُدعى برنت غلاسكوك في عمليات سرقة البنوك والقطارات عبر مختلف أنحاء تكساس والغرب الأوسط الأمريكي وحتى في مدينة تورنتو الكندية.
عصابة أبناء نيوتن بعيداً عن قبضة القانون
حرص أفراد عصابة نيوتن على سرقة البنوك دون الإيقاع بهم، ونجحوا في إخفاء هويتهم على عكس لصوص آخرين، لذلك لم يكونوا مضطرين إلى الهروب من الملاحقة القانونية، لأنه لم يكن أحد يعرف شكلهم، كونهم فضلوا العمل في الظلام، وفضلوا استهداف البنوك الواقعة في البلدات الصغيرة التي تفتقر إلى الأمن، ولم يقتحموا البنوك وهم يصرخون ويلوحون بالبنادق، كما أن غالبية سكان مدينتهم كانوا ينظرون إليهم باعتبارهم أشخاصاً مستهترين عديمي النفع؛ لأنه لم يعلم أحد أنَّهم لصوص.
حتى إن ويليس رئيس العصابة قال لاحقاً: "لم تكن ملامحنا معروفة. كنا ننجز عملنا في هدوء. كل ما أردناه هو المال فقط".
عصابة الأشقاء كانوا يسرقون عندما يحتاجون إلى المزيد من الأموال، لكن يبدو أن ذلك لم يكن على فترات متباعدة كثيراً، إذ كانوا يقيمون في أفخم الفنادق ويأكلون في أفضل المطاعم عندما يسافرون خارج تكساس، وكانوا ينفقون ببذخ حتى تنفد أموالهم، ثم يخططون للعملية التالية.
أكبر عملية على الإطلاق في تاريخ عصابة أبناء نيوتن
أما أكبر عملية سرقة نفذتها عصابة أبناء نيوتن التي كانت سبباً في إلقاء القبض عليهم، فكانت في قطار؛ إذ خطَّطت العصابة لسرقة قطار يسير على خط سكة حديد بين شيكاغو وإلينوي ونجحت خلال هذه العملية في الاستيلاء على حوالي 3 ملايين دولار.
ففي 12 يونيو/حزيران 1924، أوقفت عصابة نيوتن جنباً إلى جنب مع خبير المتفجرات برنت غلاسكوك وبضعة منضمين جدد إلى العصابة، قطاراً كان في طريقه لتوصيل أموال نقدية إلى عدة بنوك على طول خط سيره، واستولت العصابة على الأموال ووضعتها سريعاً في 63 حقيبة في أربع سيارات مسروقة.
لكن وسط ارتباك المداهمة الليلية وبعد هروب أحد العمال المسؤولين عن مكبح القطار لإبلاغ السلطات، أطلق غلاسكوك النار بالخطأ على دوك نيوتن، ظناً منه أنَّه أحد مسؤولي الحراسة بالقطار، ورغم هرب أفراد العصابة، لكن السلطات عرفت هويتهم بعد اعتراف مفتش بريد شارك بالعملية على نفسه، بعدما هددته السلطات بتسجيلات مراقبة خط الهاتف الخاص به، وهي معلومات قادت السلطات إلى الطبيب الذي عالج إصابة دوك نيوتن.
محاولة الهروب
حاول أفراد العصابة الهرب إلى خارج الولايات المتحدة، إذ عبر ويليس نيوتن الحدود إلى المكسيك وهرب الأخ الأكبر، جيسي نيوتن، لفترة من الوقت داخل تكساس وبحوزته حوالي 35 دولار ألف دولار (أي ما يعادل حوالي 528 ألف دولار في الوقت الحالي).
لكن في النهاية، استطاعت الشرطة إلقاء القبض على جميع المتورطين في غضون أشهر وقدّمتهم إلى المحاكمة، لكنهم تلقوا أحكاماً بالسجن، معظمها أحكام خفيفة إلى حد ما مقابل ما سرقوه من أموال، وفي نهاية المطاب، لم يقض أي منهم عقوبته بالكامل وأُطلق سراحهم جميعاً لحسن السير والسلوك، كما لفتت مجلة Texas Monthly.
وأمضى الأشقاء الأربعة بقية حياتهم في هدوء بدون مخالفة القانون، باستثناء مرة واحدة حاول فيها دوك وويليس سرقة بنك في تكساس وهم كبار في السن، إذ كان دوك في السبعينيات من عمره وبلغ ويليس الثمانين من عمره.
وقد أُنتج فيلم أمريكي عام 1998 بعنوان The Newton Boys يتناول قصة حياتهم، كما ظهر الأشقاء الأربعة في فيلم وثائقي عام 1975 بعدما تخلّوا عن نشاطهم الإجرامي، ومع ذلك، بدوا فخورين وعمليّين في نفس الوقت، حيث قال ويليس مباشرةً أمام الكاميرا: "هذا كان عملنا وكنا نؤديه مثل الطبيب والمحامي وأي شخص آخر".
وكان هناك مبرر للسرقة أيضاً؛ إذ قال ويليس لصنّاع برامج وثائقية: "كنت أعلم أنَّ جميع المصرفيين أغنياء ولم يهتموا بإلحاق الأذى بنا نحن المزارعين الفقراء، فلماذا لا أسرق منهم؟ الأمر مجرد لص يسرق من لص آخر".
لكن القصة الرومانسية، كما رواها ويليس وإخوته والعديد من المؤرخين، ليست بالضرورة القصة الحقيقية، إذ يراهم بعض المؤرخين مجرد محتالين ومجرمين.
قد يهمك أيضاً: صاحب الكلمات الرنانة والملابس باهظة الثمن.. عن جون غوتي أقوى زعيم عصابة في أمريكا خلال الثمانينيات