حتى لو لم تكن مطلعاً على قصص التاريخ وخفاياه، لا بد أنك تعلم أن اسم القائد المغولي "جنكيز خان" قد ارتبط بسفك الدماء في المقام الأول. حتى قيل إنه قتل سكان مدينة كاملة يبلغ تعدادهم قرابة مليوني شخص في ساعة واحدة، ثم قام بقطع رؤوسهم وتكديس جماجمهم فوق بعضها على شكل أهرام.
جنكيز خان بين الحقيقة والمبالغات
فلنبدأ من اسمه، "جنكيز خان" في اللغة الألتائية تعني "قاهر العالم"، وقد كان للرجل من اسمه نصيب، فقد شكل واحدة من أكبر الإمبراطوريات في التاريخ، وضمّ تحت لواء إمبراطوريته المغولية أجزاء شاسعة من الصين وأواسط آسيا.
كان جنكيز خان محارباً بارعاً وحاكماً عبقرياً استطاع تأسيس إمبراطوريته من الصفر، ووحد القبائل البدوية المنغولية تحت رايته لينطلق بعدها ويحكم أجزاء واسعة من العالم.
وقد حكم إمبراطوريته بقانون مدني وعسكري يدعى الياسق، قام بوضعه بنفسه، ولم تؤكد الإمبراطورية المغولية على أهمية العرق والإثنية في المجال الإداري، وتبنّت بدلاً من ذلك منهجاً يعتمد على الجدارة، وكان الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو حكم جنكيز خان وعائلته.
وقد تميز عهده بالفتوحات العسكرية الناجحة، فقد هزم قوات التتار وأبادهم وحاصر أسرة جين الحاكمة في شمال الصين، ثم قضى عليهم وتوسع بإمبراطوريته لتمتد إلى إيران وأفغانستان وتستولي على جنوب روسيا.
وبالرغم من الخلاف على طبيعة شخصية جنكيز خان، فهناك من يجد أنه وثني متعطش للدماء، وهناك من ينظر إليه على أنه حاكم صالح، إلا أنه لا خلاف على أن جنكيز خان قد قتل بالفعل الكثير من البشر خلال توسعاته وفتوحاته العسكرية، لكن هل تمكن من قتل سكان مدينة كاملة يبلغ عددهم 1,748,000 شخص في ساعةٍ واحدة فقط حقاً؟
مجزرة نيسابور
وفقاً لما ورد في موقع How Stuff Works الأمريكي، فقد ذكرت العديد من المراجع أن جنكيز خان قد قتل 1,748,000 في مدينة نيسابور، إذ يشير هذا الرقم إلى العدد التقريبي لسكان هذه المدينة الفارسية يوم إبادتهم في أبريل/نيسان من عام 1221.
في عهد جنكيز خان، كانت المدينة الواقعة في إيران اليوم مركزاً ثقافياً مزدحماً. وخلال حملته باتجاه الغرب بعد نجاحه في إخضاع الصين، كانت نيسابور الهدف التالي لقوات جنكيز خان.
وكان جنكيز خان غازياً شعبوياً نوعاً ما، فقد انتهج عادةً قاعدةً تنص على أن من يستسلمون لجيوشه سيبقون على قيد الحياة. وعادةً ما كان يترك العامة ليعيشوا خلال اجتياحه مدنهم، في حين كان حكامهم يُقادون عادةً إلى الموت، وهو نفس المصير الذي يلقاه أي شخصٍ آخر يجرؤ على التمرد.
لكن من سوء حظ عامة نيسابور أن توكشار، صهر جنكيز خان، قد قُتل بسهمٍ أطلقه أحد أبناء نيسابور داخل المدينة. وليس من الواضح ما إذا كانت المقاومة قد اندلعت بعد اجتياح قوات جنكيز للمدينة أم أن الحادث المشؤوم وقع أثناء الحصار الأولي، لكن الواقعة تسببت في جميع الأحوال في القضاء على جميع سكان المدينة.
إذ انفطر قلب ابنة جنكيز بسبب نبأ مقتل زوجها، وطلبت أن يقتل جميع سكان نيسابور عن بكرة أبيهم. وقد قام تولاي خان، أصغر أبناء جنكيز، بقيادة القوات لتنفيذ المهمة الشنعاء. حيث جرى قتل جميع النساء، والأطفال، والرضع، والكلاب، والقطط. ويزعم أن ابنة جنكيز طلبت قطع رؤوس جميع أبناء نيسابور للتأكد من موتهم كما أمرت بتكديس جماجمهم على شكل أهرام.
لكن وعلى الرغم من مقتل جميع سكان نيسابور على أيدي قوات جنكيز خان، لا يوجد ما يثبت أن جنكيز خان نفسه كان موجوداً في المدينة أثناء المذبحة.
علاوة على ذلك، من غير المنطقي أن تكون مذبحة مثل هذه قد وقعت في غضون ساعة واحدة فقط كما تقول الأساطير، إذ من المستحيل على القائد المغولي -وعلى أي شخصٍ آخر- أن يقتل هذا العدد من الناس شخصياً في هذا الوقت القصير (بدون إسقاط قنبلةٍ على الأقل).
وعندما نقول إن جنكيز قام بقتل هذا العدد الضخم من الناس في ساعةٍ واحدة فإن ذلك يعني أنه كان يقتل 29,133 شخصاً في الدقيقة.
ورغم أن العديد من المراجع التاريخية قد ذكرت أن جنكيز خان قد قتل سكان نيسابور في ساعة واحدة، فإن ذلك يبدو مجرد مبالغة، ولو أن عدداً هائلاً من الناس قد مات بالفعل على يد جنكيز خان وقواته.