قبل أكثر من ألف عام، فتح جوهر الصقلي مصر بعد انتصاره على سلالة الإخشيديين وشرع في تأسيس القاهرة، واضعاً نصب عينيه مهمة إنشاء قصر كبير لنزول الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، ثم تأسيس الأزهر جامعاً ليصلي فيه الخليفة؛ وهذا الجامع كان يجب أن يكون للمدينة الحديثة أسوة بجامع عمرو في الفسطاط وجامع ابن طولون في القطائع.
تاريخ تأسيس الأزهر
بدأت جهود تأسيس الأزهر جامعاً في شهر رمضان من العام 359 هجري أو 970 ميلادياً، أما أول صلاة جمعة أقيمت فيه فكانت بعد اكتماله في العام 972، وكان يوم الـ7 من شهر رمضان ذلك العام.
ويقول عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي بكتاب "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة"، إن الهدف الأول من إنشائه كان الدعوة الإسلامية، لكنه مع الأيام تحول لأكاديمية تجذب طلاب العلم من سائر أنحاء الدولة الإسلامية.
إضفاء الطابع العلمي يعود فضله إلى الوزير يعقوب بن كلس الذي أمر سنة 378 هجرية بتحويله من فضاء للعبادة ونشر الدعوة إلى معهد للدراسة ونشر العلوم. ويعتبر الأزهر أقدم جامعة قائمة بشكل مستمر في العالم بعد جامعة القرويين، وكانت الدروس تُعطى بتكليف من الدولة ويؤجر عليها المدرسون.
ويرجح المؤرخون اختيار اسم الأزهر، نسبة إلى فاطمة الزهراء ابنة الرسول (رضي الله عنها)، إذ كان الهدف الرئيسي من تأسيس جامع الأزهر نشر مذهب الشيعة الإسماعيلية، بعدما تحولت القاهرة لمقر الدولة الفاطمية. وعيّن المعز، القاضي النعمان بن محمد القاضي، مسؤولاً عن تدريس المذهب الإسماعيلي، وكانت بعض الفصول تُدرَّس في قصر الخليفة، وكذلك في الأزهر، مع دورات منفصلة للنساء.
اتسمت العمارة في العصر الفاطمي بالجمال والروعة، وكانت تتسم بالإبداع والإتقان، وكان الفاطميون عند بنائهم للجامع الأزهر متأثرين ببلاد المغرب والأندلس وبمسجد عقبة بالقيروان تحديداً.
بعد ذلك، استكمل الخليفة، الحاكم بأمر الله، ترميم وتوسعة المسجد، ثم تم تشييد مسجد الحاكم بأمر الله؛ ليلقي الخليفة خطبه إلى جانب خطبة الجمعة، وتراجعت مكانة جامع الأزهر.
ولكن في عهد الخليفة التالي المستنصر، تم تنفيذ إضافات وإصلاحات للمسجد استكملها العديد من الخلفاء من بعده.
كما أنشئت مكتبة ضخمة للأزهر تضمنت 1005 مخطوطات قيّمة، هدفها نشر المذهب الشيعي.
صلاح الدين الأيوبي والإطاحة بالفاطميين
لكن عندما أطاح صلاح الدين الأيوبي بالدولة الفاطمية عام 1171، أهمل المسجد من منطلق معاداة التعاليم الشيعية التي كانت تروَّج في الأزهر، وحظر القاضي صدر الدين بن درباس الصلاة فيه.
أفل نجم الأزهر كمركز تعليمي وتوقفت الدروس في باحاته، كما أهملت مكتبته الضخمة ودمرت المخطوطات الفاطمية.
ورغم توقف الدروس الدينية، بقيت الدروس العربية، وأخيراً قرر الأزهر اعتماد التغييرات التعليمية التي فرضها صلاح الدين لاستعادة التمويل من الدولة واستكمال تعليم الطلاب.
عهد المماليك
عندما سيطر المماليك على مصر، عادت صلاة الجماعة بالأزهر في عهد المماليك بأمر من السلطان بيبرس في عام 1266 بعد إهمالٍ دامَ أكثر من 100 عام.
وذكر المؤرخون جهود ترميم المبنى وإصلاحه قبل أن تُلقى خطبة الجمعة الأولى منذ عهد الخليفة الفاطمي الحاكم في 16 يناير/كانون الثاني 1266، وقد ألقيت على منبر جديد انتهى تجهيزه قبل الخطبة بـ5 أيام فقط.
جذب الأزهر الطلاب من مناطق مصر الأخرى والدول المجاورة، وتجاوز عدد طلابه طلاب المدارس الأخرى ليثبت الأزهر مكانته كصرح علمي في حدود القرن الرابع عشر باعتباره مركزاً لدراسات الشريعة والفقه واللغة العربية، وأصبح قِبلة الأنظار للطلاب من جميع أنحاء العالم الإسلامي.
حظي الجامع الأزهر على مرّ العصور منذ نشأته وحتى وقتنا الحاضر، باهتمام الخلفاء والسلاطين والأمراء والحكام بعمارته من حيث التوسعة والإنشاءات والترميم لا سيما العصر المملوكي، وكان آخرها أعمال الترميم الشاملة التي انتهت في عام 1439هـ/2018م والتي استمرت ثلاث سنوات تقريباً.
تبلغ مساحة الأزهر 12 ألف متر مربع تقريباً، حسب ما ذكره على موقعه الرسمي، وفي السابع من رمضان من كل عام، يحيي الأزهر الشريف ذكرى تأسيسه بحضور عدد من علماء الأزهر وقياداته وعلمائه.