لماذا سمي شهر رمضان بهذا الاسم؟ لكل شهر هجري أو ميلادي اسم مميز، ولمعظم الأسماء معانِ لغوية وتفسيرات تاريخية وراء اختيارها دون غيرها، وبما أننا في شهر الصيام الذي يحدث أن يعطش فيه الصائمون قد نربط المعنى اللغوي بالاسم "رمضان"، الذي كان يعرف سابقاً باسم شهر "ناتق".
لماذا سمي شهر رمضان بهذا الاسم؟
أولاً؛ معنى "رمضان" لغوياً
من ناحية لغوية، الرمضاء هي الأرض التي حميت من شدّة حرارة الشمس أو الحجارة المحماة، إذ إن الرَّمَضَ هو شدّة الحَرّ، ويقال رمِضت قدَمُه أي احترقت من الرَّمضاء، أي من شِدَّة الحرِّ، أو رمَّض الرَّاعي الغنمَ، أي رعاها في الرَّمضاء أي في الأرض التي حَمِيت من حرارة الشمس، أما الجذر "ر م ض" فيدل على معنى الحِدّة، سواء حدة الحر أو غيرها، كما شرح "معجم المعاني".
لكن هناك تفسير لغوي آخر للرمضاء يتعلق باستغلال القدماء لحرارة الشمس الشديدة في صيد الظباء؛ إذ أشار عمار يحيى، المحرر اللغوي بموقع الجزيرة الإلكتروني، إلى تتبعهم الظبي في منتصف النهار وبعدما يصاب بالإرهاق وتتفسخ قوائمه من شدة الحر يأخذونه، ويطلقون عليه اسم "التّرمُّض".
لكن بعيداً عن الغنم والظباء، فإن الرمض في الفِصال (مفردها الفَصيل، وهو ولد الناقة) هو أن تبركَ حين يشتد الحَرّ من النهار وتحرق الأرض خفافها، وهو وقت الضحى، وقد ذكرت أحاديث نبوية الرمض والرمضاء بهذا المعنى.
"شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ" أي شدة الحر.
"صلاة الأوّابين إذا رمِضَت الفصال" – حديث مذكور في فضل صلاة النافلة وقت الضحى
ثانياً؛ أسباب اختيار اسم شهر رمضان
يصيب بعض الصائمين العطش في رمضان، لكن هل العطش كان سبب اختيار اسم رمضان لشهر الصيام؟ حسب المحرر اللغوي، فإن اختيار أسماء الشهور والفصول قديماً ارتبط بأحوال الطقس التي تصاحبها، إذ اختير اسم الربيع ليصاحب موسم الندى والمطر، أما رمضان فوافق فترة الرمض والحر الشديد.
وقد لا يرتبط اختيار الاسم بالحرارة فقط، بل بمعنى الشدة والحدة العام؛ إذ يطلق الرَّمَض أيضاً على حُرقة الغيظ، ويقال أرمضه الأمر أي أغاظه، وذلك لتشبيه شعور الغيظ بالحرارة الحقيقية التي تحرق الجوف، أيضاً يعرف كل شيء حاد في اللغة بـ "الرَميض"، فيوصف النصل بأنه رميض، والسكين والشفرة بالوصف ذاته.
ويعتقد بعض اللغويين أن هذا المعنى يرتبط باختيار اسم شهر رمضان لما فيه من حرارة ومشقة صيام وشدة؛ إذ ينقل الأكاديمي المصري فؤاد مرسي (1925-1990) في كتابه "معجم رمضان" بعض آراء التسمية ويقول إن الاسم اشتُق من الرمض وهو المطر الذي يأتي قبل الخريف فيجد الأرض حارة ومحترقة.
وهذا ينطبق على آراء اللغويين القدماء أيضاً؛ إذ قال الشاعر والأديب أبو بكر بن دريد الدوسي (223هـ/837م – 321هـ/933م) إنه عندما نقلت أسماء الشهور عن اللغة القديمة سميت بالأزمنة التي وقعت فيها، وأن رمضان وافق شهراً شهد حراً شديداً.
وحتى في العقود التالية لفرض الصيام اشتبه إن كان رمضان سُمي لأن فرض صيامه صادف شدة الحر، ونقل الدوسي "قيل بل لأن وجوب صومه صادف شدة الحر، وقيل الصوم فيه عبادة قديمة فكأنهم سموه بذلك"، حسب تقرير نشرته "الجزيرة نت".
وإن كانت تسمية رمضان سبقت فرض الإسلام للصيام، فهذا يؤكده فرضية أن أول من أطلق الاسم هو "كلاب بن مرة" من قريش، وهو الجد الخامس للنبي محمد، خصوصاً أن الصوم عرف في الجزيرة العربية قبل الإسلام من ديانات أخرى وبصيغ تختلف عن الصيام في الإسلام.
لكن أيضاً؛ إن نظرنا للمعنى الآخر المتعلق بالشدة والحدة مقارنة بالمشهد التاريخي، فقد يكون سمي هذا الشهر برمضان لأن العرب كانوا "يرمضون" أسلحتهم فيه أي يدقونها بالحجارة لتصبح مسنونة وحادة، استعداداً للحرب في الشهر التالي (شوال) قبل حلول الأشهر الحرم (ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب) حيث كانت العرب تتوقف عن القتال في فترات ما قبل الإسلام، في عادة مأخوذة من النبي إبراهيم، حين رفع القواعد للبيت العتيق، وأذن في الناس بالحج.
ورغم أن أشهر السنة القمرية لا ترتبط بالفصول الأربعة، ويتبدل وقوع شهر رمضان في فصول السنة المختلفة على حدٍ سواء، لكن الأكاديمي المصري فسر هذه النقطة في كتابه بالإشارة إلى الرأي الغالب عن اشتقاق رمضان من الرمضاء لأنه كان يأتي في شدة الصيف كل سنة، وأن عرب الجاهلية كانوا يحسبون تاريخهم بسنة قمرية شمسية (مزج) ويضيفون 9 أشهر كل 24 سنة، وأن هذا الحساب "كان متبعاً في مكة دون البادية ومن يسكنها من الأعراب الذين لا يحسنون الحساب، ولكنهم يتبعون فيه أهل مكة بجوار الكعبة، لأن شريعة الكعبة هي التي كانت تسن لهم تحريم القتال في شهور من السنة وإباحته في سائر الشهور".
ما الاسم الذي سبق رمضان؟
يعتقد أن الاسم الذي سبق شهر رمضان هو "ناتق" لأنه ينتق أي يزعج بشدته، وقيل لكثرة المال فيه بعد غارات شعبان. وكان الاسم مستعملاً في اللغة العربية القديمة، وأنشد الشاعر العباسي المفضل:
وفي ناتِقٍ أَجْلَتْ لدى حَوْمَةِ الوَغَى ** ووَلَّت على الأَدْبَارِ فُرْسَانُ خَثْعَمَا