في السنوات العشر الأخيرة، أحدثت التطورات التقنية في تحليل الحمض النووي ثورة في الطريقة التي يمكننا بها رؤية ماضي البشر. وبالتنسيق مع علماء الآثار والأنثروبولوجيا وخبراء اللغات، توصل الباحثون لاكتشافات مذهلة، غيَّرت من نظرتنا للجنس البشري.
نعدد في ما يلي أبرز نتائج أحدث الاكتشافات عن ماضي البشرية من تحليل الحمض النووي في عامي 2020 و2021.
10. سكان أمريكا وأستراليا الأصليون لديهم جذور مشتركة في آسيا
افترض العلماء أن هجرة البشر قديماً كانت نادرة وأبسط مما أصبحت عليه لاحقاً، إلا أن نتائج بحوث السنوات الماضية كشفت عكس ذلك. في عام 2021، عثر علماء الآثار في نيو مكسيكو على آثار أقدام بشرية ترجع إلى 21.000-23.000 عام، أي قبل تاريخ استعمار الأمريكتين بآلاف الأعوام!
كما أظهر تحليل الحمض النووي من سكان أستراليا الأصليين أن لديهم جذوراً مشتركة مع السكان الأصليين الذين يعيشون في الأمازون اليوم، وليس سكان أمريكا الشمالية أو الوسطى.
9. تجارة الرقيق أثرت على التركيبات الجينية
كانت تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي أكبر هجرات قسرية في التاريخ، نُقل على إثرها 12.5 مليون شخص في سفن الرقيق على مدار مئات السنين. وساعد تحليل أخير باستخدام بيانات قاعدة بيانات شركة 23&Me في فهم المزيد عن هجرة الرقيق وتأثيراتها، حسب ما نشرت مجلة Nature العلمية.
ما توصل إليه الباحثون يدعم السجلات التاريخية عن مدى وحشية تجارة الرقيق. على سبيل المثال، تعرض سكان ما يُعرف الآن بالسنغال وكمبوديا إلى هجمات تجار الرقيق على مر قرون طويلة، إلا أن أحفادهم غير ممثلين بشكل كبير في التركيبة الجينية الموجودة اليوم في الولايات المتحدة. قد يرجع ذلك إلى معدلات الوفاة المرتفعة في المزارع.
8. يرجع الحمض النووي للإنسان البدائي إلى إفريقيا
تسود تاريخياً نظرية الهجرة الأولى من إفريقيا وأن معظم البشر غير الإفريقيين اليوم انحدروا من مجموعة صغيرة من البشر غادروا القارة منذ حوالي 60.000-70.000 عام. فالتقوا بمجموعات بشرية أخرى مثل الإنسان البدائي (نياندرتال) وإنسان دينيسوفا وتكاثروا.
وبسبب حدوث كل هذا الاختلاط خارج إفريقيا، افترضت الدراسات السابقة أن الإفريقيين ليس لهم أسلاف من سلالة الإنسان البدائي (نياندرتال). إلا أنه تبين أن المجموعات الإفريقية جلبت معها جينات الإنسان البدائي (نياندرتال) ونشرتها مع مجموعة الجينات الإفريقية فيما يُعرف بتدفق الجينات.
ونتيجة لذلك، يمتلك كل البشر مقداراً شبه متساوي من الحمض النووي للإنسان البدائي.
7. أقدم شجرة عائلة في العالم
تشتهر بريطانيا في العصر الحجري الحديث بالجنادل والركام الحجري الضخم وغيرها من الهياكل الحجرية، والتي غالباً ما تضم العديد من البشر المدفونين معاً. حتى الآن، لا تزال العلاقة التي جمعت رفات البشر المدفونين معاً غير واضحة. لكننا نعرف الآن أنها ربما كانت مقابر عائلية.
أظهرت دراسة باستخدام بيانات 35 شخصاً دفنوا معاً في ركام حجري طويل في هازلتون بالمملكة المتحدة، أنهم كانوا خمسة أجيال من عائلة واحدة. واستخدم العلماء العلاقات بين هؤلاء الأفراد لإعادة إنشاء أقدم شجرة عائلة في العالم، حسب ما نشر موقع Listverse.
وأظهرت شجرة العائلة علاقة بيولوجية مباشرة بين الذكور. بدا أن أحد الهياكل العظمية في المقبرة هو الأب، أو الجد، أو الجد الأكبر لكل الذكور الآخرين في المقبرة. وقد دُفن معه أبناؤه وأحفاده من امرأتين مختلفتين. وقد دُفنت المرأتان وأبنائهما في أماكن منفصلة في المقبرة، مما يشير إلى أن البشر قديماً تعرفوا على فكرة اختلاف الأنساب.
6. انتشار اللغات الآسيوية من خلال الزراعة
تغطي عائلة اللغات الألتائية قارة آسيا بالكامل، والتي تضم اليابانية والمنغولية والتركية. ولطالما كان انتشار اللغات على تلك المساحة الكبيرة محل خلاف حاد بين العلماء الذين لم يتفقوا على ما إذا كان انتشار اللغة يرجع إلى المزارعين أم الرعاة أو إلى هجرات العصر البرونزي.
استخدم العلماء الحمض النووي القديم ودراسات اللغة والبقايا الأثرية من أجل العثور على إجابة. وتوصلت الدراسة إلى أن موطن عائلة اللغات الألتائية قد يرجع إلى مزارعي الدخن الأوائل في شمال شرق آسيا. ثم انتشرت على مرحلتين؛ المرحلة الأولى تضمنت تمدد وانتشار مزارعي الدخن إلى أراضي جديدة، ناشرين لغتهم معهم.
بعد ذلك، انقسم شعب اللغات الألتائية إلى خمس "مجموعات فرعية" بعد العصر الحجري الحديث المتأخر واختلطوا مع شعوب أوراسية أخرى، وتزاوجوا منهم وتبادلوا المصطلحات اللغوية وتعلموا أساليب جديدة للحياة مثل زراعة القمح.
5. فهم كيفية وصول البشر واستقرارهم في جزيرة بولينيزيا
مثل الأمريكتين، تعد الطريقة التي استقر بها البشر في جزيرة بولينيزيا من المواضيع العلمية المثيرة للجدل. وجزيرة بولينيزيا هي منطقة الجزر التي تنتشر عبر أكبر محيط في العالم، وينتقل فيها البشر من مكان لآخر باستخدام الزوارق المفتوحة، حسب موقع ABC News.
ولوقت طويل، لم يتفق العلماء إن كان سكان أمريكا الجنوبية أم سكان أستراليا هم من استقروا في جزيرة بولينيزيا، أم كلاهما!
استخدمت هذه الدراسة الحمض النووي لـ430 شخصاً حديثاً من 21 جزيرة، ووجدوا أن استيطان جزيرة بولينيزيا بدأ في حوالي القرن الحادي عشر من ساموا، حيث انتقل البشر شرقاً، وربما استعمروا الجزر التي لم تكن موجودة إلا منذ مئات السنين. ووصلوا أخيراً إلى جزيرة القيامة حوالي عام 1200.
4. أبرز محتوى وراثي لإنسان دينيسوفا موجود في…
اكتشفت سلالة إنسان دينيسوفا لأول مرة في كهف في سيبيريا عام 2010. وعند مقارنة المحتوى الوراثي بأشخاص معاصرين، تبين أنهم يتشاركون المحتوى الوراثي بشكل أكبر مع من يعيشون حالياً في جنوب شرق آسيا!
تستند هذه الدراسة إلى أعمال بحثية سابقة توصلت إلى أن مجموعة السكان الأصليين المعروفين بـ"أيتا ماجبوكون" (يعيشون فيما يعرف الآن بالفلبين الشمالية) لديهم أكبر محتوى من الحمض النووي لإنسان دينيسوفا (حوالي 5% من تركيبتهم الوراثية)! وتوصل العلماء من ذلك إلى وجود بشر دينيسوفا في جزر جنوب شرق آسيا منذ 50.000 عام على الأقل.
وبدأت الفلبين تحظى بمزيد من الاهتمام. في عام 2019، أعلن الباحثون عن اكتشاف فصيلة جديدة من أشباه البشر، تُعرف بـ"إنسان كالاو"، عاشت في شمال الجزر منذ حوالي 60.000 عام.
3. كافح البشر تفشي فيروس كورونا منذ 20.000 عام
هل تعتقد أن فيروس كورونا جديد؟ تترك الفيروسات القديمة بصمة لها على الحمض النووي، يمكن للباحثين تحليلها والعثور عليها. واكتشف العلماء في هذه الدراسة تعامل البشر دائماً مع أنواع متحورة من فيروس كورونا منذ العصر الحجري!
كما دعمت الدراسة بحثاً سابقاً يشير إلى الاختلاط مع الإنسان البدائي (نياندرتال) جعل الأوروبيين أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا.
ظهرت أول جائحة لفيروس كورونا في شرق آسيا منذ حوالي 20.000 عام، أو منذ حوالي 900 جيل بشري. استمرت الجائحة عدة أجيال، وهي فترة طويلة بما يكفي لظهور ما يسميه العلماء "الضغط الانتقائي" على البشر.
كانت السلالات الأولى من الفيروس أكثر خطورة من متحور "كوفيد-19" الحديث، لكنها أصبحت أقل فتكاً بمرور الوقت.
2. الأوروبيون الأوائل وسكان أمريكا الأصليون
حللت دراستان حديثتان محتوى وراثياً لأشخاص عاشوا في كهف باتشو كيرو في بلغاريا منذ حوالي 42.000-45.000 عام. وتعد تلك الهياكل العظمية أيضاً من أقدم رفات "للإنسان العاقل" في أوروبا.
وجد الباحثون أن هؤلاء البشر لديهم أسلاف من فصيلة الإنسان البدائي (نياندرتال) "قبل عدة أجيال"، مما يشير إلى أن الاختلاط بجيرانهم من البشر البدائيين كان شائعاً للغاية.
كما اكتشفت الدراسة أن رفات البشر التي تنتمي إلى تاريخ لاحق من العصر الحجري القديم في نفس المنطقة أكثر ارتباطاً وصلةً بالأوروبيين المعاصرين، مما يوضح أن المجموعات السكانية كانت في حالة انتقال واختلاط دائمين.
1. يمكن استخدام عينات الحمض النووي من القمل في الدراسات المستقبلية!
من الواضح أن الحمض النووي البشري يظل محفوظاً في الطبقة التي يلصق بها قمل الرأس بيضه في شعورنا! جمع العلماء الباحثون عينات من شعر مومياوات أرجنتينية ماتت منذ 1.500-2.000 عام. هل يمكنك تخيل فحص شعر المومياوات القديمة باستخدام مشط قمل؟
ورغم ما قد تبدو طريقة ثورية (أو مبالغاً فيها بعض الشيء)، قد يكون هذا الأسلوب هو الأنسب والأكثر استدامة لاستخراج الحمض النووي البشري القديم. تتسبب التقنيات الحالية التي تستخرج الحمض النووي من العظام أو الأسنان في تدمير العينة الأصلية. لذلك السبب يتردد الكثير من علماء الآثار في إجراء تحليل للحمض النووي على عيناتهم النادرة. كما يمكن أن تكون هذه الطريقة مثالية لأخذ عينات الحمض النووي من الدول التي تتردد في السماح للعلماء الغربيين بنقل الرفات البشري.