عندما تُذكر جملة "أغنى إنسان في العالم"، فإن أول ما يتبادر لذهننا اليوم أسماء رجال مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس وبيل غيتس. ولكن لو عدنا بالتاريخ إلى الوراء سنجد قصصاً ملهمة لنساء تحدين الفقر وقمن بإنشاء عملهن الخاص واستطعن جمع ثروة كبيرة بأنفسهن دون الاعتماد على إرث أو ثروة عائلية.
ومن هؤلاء النساء، مليونيرة أمريكا الأولى، سارة بريدلوف، التي دخلت كتاب غينيس للأرقام العالمية كأول امرأة أمريكية تصل ثروتها لمليون دولار عند موتها عام 1919.
ألهمتها مشكلة تساقط شعرها لتحضير محلول لإعادة نمو الشعر وشفاء فروة رأسها المتضررة لتصبح سيدة أعمال رائدة في مجال مستحضرات التجميل، تعرف معنا في هذا التقرير على قصة المليونيرة الأولى في تاريخ أمريكا، سارة بريدلوف المعروفة باسم مدام سي جيه ووكر.
والداها كانا من العبيد وتوفيا عندما كانت في السابعة فقط
على الرغم من أنها معروفة الآن باسم زوجها، إلا أن الاسم الأول لسي جيه ووكر كان سارة بريدلوف.
وُلدت سارة في ديسمبر/كانون الأول من عام 1867 في مزرعة قطن في لويزيانا وقد كانت الأصغر بين خمسة أطفال، والأولى في عائلتها التي ولدت حرة. إذ كان والداها من العبيد السابقين الذين تم إطلاق سراحهم قبل وقت قصير من ولادة سارة، وتوفي كلاهما قبل أن تبلغ السابعة من عمرها.
بعد وفاة والديها، انتقلت سارة للعيش مع أختها لوفينيا وصهرها في فيكسبيرغ في ميسيسيبي عندما كانت تبلغ من العمر حوالي العشر سنوات، حيث عملت في قطف الثمار والأعمال المنزلية، وفقاً لموقع History.
زواج مبكر للهرب من الفقر ينتهي بالأمومة والترمل
للهروب من بيئة العمل القمعية وسوء المعاملة المتكررة التي تحملتها على يد زوج أختها، تزوجت سارة من رجل اسمه موسى ماك ويليامز وهي في سن الرابعة عشرة فقط. وفي عام 1885، أنجبت سارة ابنتها التي سمتها إيليا.
لكن زواجها لم يدم طويلاً فقد مات موسى بعد ذلك بعامين، مما اضطر سارة للانتقال مع ابنتها إلى سانت لويس، حيث كان إخوتها يعملون كحلاقين.
هناك، وجدت سارة عملاً كموظفة غسيل بأجرة 1.50 دولار في اليوم، وهو ما كان يكفي لإرسال ابنتها إلى المدارس العامة في المدينة.
لكن سارة كان لها طموح أكبر في تحقيق ذاتها، مما دفعها للالتحاق بالمدرسة الليلية العامة. فكانت تعمل خلال النهار وتدرس في الليل. كما أنها كانت تغني في جوقة كنيسة القديس بول الإفريقية الميثودية الأسقفية وأصبحت ناشطة في الرابطة الوطنية للنساء الملونات.
وفي المدينة نفسها، سانت لويس، التقت سارة للمرة الأولى بتشارلز جيه ووكر، الرجل الذي سيصبح زوجها الثاني والذي ألهم اسم إمبراطوريتها في نهاية المطاف.
إصابتها بتساقط الشعر ألهمتها لتبدأ عملها الخاص
بعد إصابتها باضطراب في فروة الرأس الذي تسبب في تساقط شعرها بشكل شديد، أصبحت سارة مهتمة بعلوم العناية بالشعر، وبدأت في تجربة مزيج من العلاجات المنزلية والمشتراة من المتاجر لحالتها.
في هذا الوقت تقريباً قابلت سارة، آني تيرنبو مالون، التي كانت رائدة أعمال في مجال العناية بالشعر والتي ستصبح منافسة سارة المستقبلية.
أصبحت سارة وكيلة مبيعات لمنتجات آني، وكانت واحدة من أوائل موظفي شركة مالون. وفي عام 1905، انتقلت من سانت لويس إلى دنفر في كولورادو، وواصلت العمل لدى شركة مالون من هناك، كما يشير موقع Biography.
بحلول هذا الوقت كانت سارة قد التقت بزوجها الثاني تشارلز جوزيف "سي جيه" وتزوجته. كان ووكر يعمل في مجال التسويق والإعلانات الترويجية وقد شجعها على الانفصال عن مالون في عام 1906 وتطوير علاجها الخاص للعناية بالشعر، الذي أطلق عليه اسم Walker's Wonderful Hair Grower.
كما تبنت لقبها المميز، مدام سي جيه ووكر، من اسم زوجها واشتهرت به.
شركة ووكر لمنتجات الشعر، أجور عالية ومبيعات مذهلة
بحلول عام 1907، كانت سارة وزوجها يسافران في جنوب أمريكا، للترويج لكل من خط منتجات العناية بالشعر وما اشتهر باسم "نظام ووكر" للعناية بالشعر، والذي تضمن مجموعة من مستحضرات العناية بفروة الرأس والشعر وأمشاط حديدية ساخنة تشبه إلى حد ما آلات فرد الشعر الحرارية اليوم.
أصبحت سارة ووكر سيدة أعمال بشكل رسمي وافتتحت مصنعاً ومدرسة تجميل في بيتسبرغ في عام 1908، وأصبح لها علامة تجارية مسجلة في النهاية تحت اسم Madam CJ Walker في إنديانابوليس في مقاطعة إنديانا.
لم تقم الشركة ببيع منتجات العناية بالشعر ومستحضرات التجميل فقط، لكنها قامت أيضاً بتدريب عدد كبير من مندوبي المبيعات وخبراء التجميل الذين عرفوا باسم "وكلاء ووكر" والذين روجوا لمنتجات الشركة و"طريقة ووكر للعناية والجمال"، وفقاً لموقع Time الأمريكى.
وفي الوقت الذي كانت فيه أجور العاملين لا تتعدى الـ11 دولاراً أسبوعياً كان موظفو شركة ووكر يتقاضون ما بين 5 لـ15 دولاراً يومياً.
كما وظفت شركة ووكر أكثر من 40 ألف امرأة ورجل أمريكي من أصل إفريقي في الولايات المتحدة وأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي. كما أسست الرابطة الوطنية لمصنعي مستحضرات التجميل الزنوج في عام 1917 وكانت أرباحها تعادل في العصر الحديث عدة ملايين من الدولارات.
وقد تجاوزت المبيعات 500000 دولار في العام الأخير من حياة سارة وتجاوزت ثروتها الإجمالية مليون دولار.
انفصال ووكر عن زوجها وانتقالها إلى نيويورك
في عام 1913، انفصلت سارة وتشارلز، وأصبحت هي المسؤولة عن السفر في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي للترويج لعملها وتجنيد آخرين لتعليم أساليب العناية بالشعر.
أثناء سفر والدتها، كانت ابنتها إيليا مسؤولة عن توسيع أعمالهم في مدينة نيويورك. وفي عام 1916، انتقلت ووكر إلى منزلها الجديد في منطقة هارلم في نيويورك وكانت تدير أعمالها من هناك.
انغمست ووكر بسرعة في الثقافة الاجتماعية والسياسية وأسست مؤسسات خيرية تضمنت منحاً تعليمية وتبرعات لمنازل المسنين، وكانت ناشطة في منظمات أخرى تركز على تحسين حياة الأمريكيين الأفارقة.
كما تبرعت بأكبر مبلغ من المال لبناء جمعية الشبان المسيحية في إنديانابوليس في عام 1913.
الفيلا التي بنتها أصبحت معلماً تاريخياً
قامت والكر ببناء قصر إيطالي سمته فيلا ليوارو تم تصميمه من قبل مهندس معماري أمريكي إفريقي بارع يدعى فيرتنر تاندي في عام 1918، وكان يقع في وادي هدسون شمال مدينة نيويورك.
وكانت فيلا ليوارو مكاناً للتجمع للعديد من الشخصيات البارزة في عصر النهضة، وتم تصنيفها كمعلم تاريخي وطني في عام 1976.
مركز ثقافي وطابع وبرنامج تلفزيوني لإحياء ذكراها
توفيت ووكر بسبب ارتفاع ضغط الدم في 25 مايو 1919 عن عمر يناهز 51 عاماً في فيلا ليوارو.
وقد تركت ووكر ثلث ممتلكاتها لابنتها، أما الباقي فقد وهبته لمؤسسات خيرية مختلفة.
في عام 1927، تم افتتاح مركز ووكر الثقافي، وهو مركز للفنون كانت ووكر قد بدأت العمل عليه قبل وفاتها، في إنديانابوليس. وهو الآن معلم تاريخي وطني مسجل.
كما أصدرت دائرة بريد الولايات المتحدة طابعاً لووكر كجزء من سلسلة "التراث الأسود" في عام 1998.
وقد تم تصوير حياة ووكر في البرنامج التلفزيوني لعام 2020Self Made، حيث قامت الممثلة أوكتافيا سبنسر بتجسيد شخصية ووكر وتصوير قصتها.