قبل ظهور الأرقام العربية، كان النظام الأكثر استخداماً هو النظام الذي اخترعه الرومان. بدأ نظام الأرقام الرومانية، الذي لا يزال موجوداً حتى اليوم في بعض الظروف المتخصصة، بأبسط نظام أرقام على الإطلاق: نظام الفرز، لكن هذا النظام لم يكن كافياً ولا مجدياً للقيام بعمليات حسابية معقدة أو استخدامها في سائر العلوم وتحديداً الفلكية منها.
وفق نظام الفرز الروماني، تسجل العلامة العمودية كل عنصر في مجموعة: I ، II ، III ، IIII ، IIIII، إلخ.
يصبح من الصعب قراءتها بمجرد أن يكون لديك أكثر من 4 أو 5 عناصر للعد، لذلك قدم الرومان بعض الرموز الإضافية: V لخمسة ، X لعشرة، L لخمسين، C لمئة، وM لألف.
على سبيل المثال، باستخدام هذا النظام، يمكن كتابة الرقم ألف ومئتين وثمانية وسبعون (1.278) كـ MCCLXXVIII، أو في التدوين الحديث 1000 + 100 + 100 + 50 + 10 + 10 + 5 + 1 + 1 + 1 ، والتي يتم جمعها إلى 1278.
الترتيب الذي تكتب به الرموز M وC وL و X وV و I لا يهم، في حين أن الترتيب الذي نكتب به الأرقام في الرقم 1278 على سبيل المثال يُحدث فرقاً بالتأكيد.
كانت الأرقام الرومانية جيدة لتسجيل الأرقام وللقيام بعمليات الجمع والطرح البسيطة، وإن كانت مرهقة إلى حد ما للتجارة والتجّار. لكن الضرب والقسمة ليسا سهليْن على الإطلاق، ولا توجد طريقة يمكن للنظام الروماني أن يشكل أساساً لأي عمل علمي أو تقني.
في اللغة التقنية، لم يكن نظام الأرقام الرومانية موضعياً، وتأتي قوة وكفاءة الأرقام العربية من طبيعتها الموضعية، والتي شكلت اللغة العالمية الأساسية للعلوم التي ساهمت في نهضة البشرية وتطور معارفها.
تعود القصة للقرن الثالث عشر، عندما كتب عالم بيزاني شاب يدعى ليوناردو كتاباً بعنوان Liber Abaci ("كتاب الحساب") في العام 1202.
وصف فيه طريقة جديدة فعالة بشكل ملحوظ لكتابة الأرقام وإجراء العمليات الحسابية التي تعلمها من التجار والعلماء العرب أثناء السفر عبر شمال إفريقيا.
ولد ليوناردو عام 1175 بعد الميلاد وتوفي عام 1250، أما اسمه الكامل فهو ليوناردو بيسانو (ليوناردو بيزا)، لكنه معروف اليوم باسم فيبوناتشي، وهو الاسم الذي نشأ على الأرجح نتيجة تقلص الكلمة اللاتينية فيليوس بوناتشي (ابن بوناتشي)، حسب موقع جمعية الرياضيات الأمريكية MAA.
لا يوجد دليل على أن ليوناردو أشار إلى نفسه بهذه الطريقة، بل أشار إلى نفسه باسم "بيغولو"، وهو مصطلح في اللهجة التوسكانية يعني المسافر.
كان والد فيبوناتشي، غليلمو تاجراً بيزانياً (في حوالي العام 1192)، حيث شغل منصباً دبلوماسياً في شمال إفريقيا. كان مقر غليلمو في بوجيا (فيما بعد بوجي والآن بجاية في الجزائر)، وهو ميناء متوسطي في شمال الجزائر.
تقع بوجيا عند مصب وادي سومام، بالقرب من جبل غوراية وكيب كاربون. كانت واجبات غيلملو الرئيسية هي تمثيل تجار جمهورية بيزا في تعاملاتهم مع الجمارك.
في ذلك الوقت، كان تجار بيزا يتاجرون على نطاق واسع هناك وفي أماكن أخرى. (بحلول نهاية القرن الثاني عشر، أدى الصراع بين البابوية والإمبراطورية الرومانية المقدسة إلى استقلال العديد من المدن الإيطالية، وأصبح بعضها، وعلى الأخص جنوة والبندقية وبيزا، من كبار التجار عبر البحار).
سافر إيبوناتشي على نطاق واسع في الجزائر أو ما كان يعرف بـ"البربرية" مع والده، وتم إرساله لاحقاً في رحلات عمل إلى مصر وسوريا واليونان وصقلية وبروفانس، حسب موقع History of Information.
يبدو أنه تعلم الكثير من رياضياته في لغة البربر، ولاحظ أن التجار العرب يستخدمون نظاماً رائعاً لكتابة الأرقام والقيام بالحسابات.
بعد أن أنهى ليوناردو رحلاته وعاد إلى بيزا عام 1200، كتب (باللاتينية) عدداً من كتب الرياضيات، والتي نجا بعضها فقط حتى يومنا هذا.
كتابه الأول، والأكثر شهرة على الإطلاق، كان كتاب Liber Abaci، وصف فيه فيبوناتشي الأرقام الهندوسية العربية والنظام العشري ذا القيمة المكانية للتعبير عن الأرقام التي نستخدمها اليوم، وقدم تعليمات مفصلة حول كيفية الحساب (وهي العملية التي أصبحت تعرف باسم algorism، والتي أدت لاحقاً إلى الكلمة الحديثة الخوارزمية نسبة لمبتكرها الخوارزمي).
أشار فيبوناتشي دائماً إلى الأرقام على أنها "هندوسية" ثم استخدم مصطلح "هندوسية عربية"، وأخيراً "الأرقام العربية".
تألف كتابه من 672 صفحة، تحتوي على شرح هندسي لقواعد حل المعادلات التربيعية، لكن التركيز الرئيسي انصب على المسائل الحسابية.
وكان الفرق بين كتاب فيبوناتشي والكتب الأخرى التي نقلت علوم الخوارزمي أنه كان موجهاً للتجار وليس لعلماء الرياضيات، وقدم مفاهيم يمكن استيعابها من قبل الرجال العاملين وكيفية تطبيقها في الحياة اليومية.
أصل الأرقام العربية
والأرقام العربية أو الغبارية هي الأرقام التي طورها الرياضيون العرب واستعملت على وجه الخصوص في مناطق المغرب العربي حالياً، ويعتبر محمد بن موسى الخوارزمي أحد أبرز البناة الأوائل.
قام الخوارزمي بتصميم هذه الأرقام، وبينما لم تحظَ بانتشار واسع في المشرق العربي، لكنها لاقت استحسان العرب في الأندلس والمغرب العربي، ومن هناك انتشرت إلى أوروبا، ثم العالم كله على الشكل التالي: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، ثم أضاف الصفر.
وتعرف "الأرقام العربية" كذلك بـ"الأرقام الغُبَارِيَة"، لأنها كانت تُكتب في بادئ الأمر بالإصبع أو بقلم من البوص على لوحٍ أو منضدةٍ مغطاة بطبقة رقيقة من التراب.
وصمم الخوارزمي تلك الأرقام على أساس عدد الزوايا (الحادة أو القائمة) التي يضمها كل رقم. فالرقم واحد يتضمن زاوية واحدة، والرقم اثنان يتضمن زاويتين، والرقم ثلاثة يتضمن ثلاث زوايا، إلخ، ولذلك لا توجد زاوية في الصفر.
وذكر الخوارزمي في مقدمة كتابه "الجبر والمقابلة"، أنه قصد من تأليف الأرقام العربية تقديم أشكال ورموز معينة لاستخدامها بين الناس بدل استخدام الحروف في مسائل الميراث والوصايا والتجارة وغيرها.