تعتبر الثورة الفرنسية من أبرز الأحداث في التاريخ الأوروبي الحديث، مع ذلك هناك الكثير من الخرافات والمفاهيم الخاطئة المنتشرة حولها، فعلى سبيل المثال، لم تطلب ماري أنطوانيت من شعبها أكل الكيك بدلاً من الخبز، الذي بات نادراً بسبب انهيار الاقتصاد الفرنسي، كما أن الثورة لم تكن في بادئ الأمر ثورة فقراء وجياع كما هو شائع.
مفاهيم خاطئة حول الثورة الفرنسية
1. الثورة الفرنسية ثورة جياع وفقراء
من المفاهيم المغلوطة المنتشرة حول الثورة لفرنسية أنها ثورة قامت بسبب الفقر والجوع، وعلى الرغم من أن الفقراء كانوا محركاً أساسياً في الثورة الفرنسية بكل تأكيد إلا أنها لم تبدأ عندهم وفقاً لما ورد في موقع OUP Blog.
فقد بدأت الثورة من قبل أعضاء النخبة، وكان كثير منهم من طبقة النبلاء، وذلك بعد الأزمات المالية التي عصفت بالملكية الفرنسية، ما أدى إلى إفلاس الدولة وفقدان الثقة في النظام الملكي وزعزعة الاستقرار السياسي.
وتميزت الثورة الفرنسية بانقسامات بين أعضاء النخبة الحاكمة، إضافة إلى فقدان السيطرة على الجيش، إلى جانب انتفاض عامة الشعب من الفقراء ضد الملك كذلك.
2. اقتحم الثوار سجن الباستيل لتحرير السجناء السياسيين
اكتسب اقتحام سجن الباستيل من قبل الثوار الفرنسيين عام 1789 أهميةً شبه خرافية.
إذ اعتبر الثوريون ذلك الحصن بمثابة رمزٍ لسطوة وقمع النظام الملكي، ومن المفاهيم الخاطئة التي انتشرت حول هذا الاقتحام أن الهدف منه كان تحرير السجناء السياسيين.
قد تفاجئكم معرفة أن سجن الباستيل كان يؤوي 7 سجناء فقط حين اقتحمه الثوار، 4 منهم متهمون بالتزوير، أما البقية فلم يكونوا سجناء سياسيين على الإطلاق. إذاً ما هو سبب الاقتحام الحقيقي؟
ببساطة كي يحصل الثوار على الذخائر الموجودة في السجن.
كانت فرنسا آنذاك مثقلة بالديون وتمر بأزمة اقتصادية هائلة بما في ذلك التضخم ونقص الغذاء.
وقبل شهرين من الهجوم على الباستيل، جمع الملك لويس السادس عشر مجلس طبقات الأمة لوضع خطة. وتألّفت البلاد في ذلك الوقت من ثلاث طبقات: الأولى هي طبقة رجال الدين، والثانية هي طبقة النبلاء، والثالثة تتألف من بقية أبناء الشعب (وغالبيتهم من البرجوازيين والفلاحين).
وكانت الطبقة الثالثة تطالب بإصلاحاتٍ جادة، بينما خشي أعضاؤها من أن تحاول العناصر الأكثر تحفظاً في البلاد إخماد مطالبهم.
وتفاقمت هذه المخاوف في يوليو/تموز حين قام لويس السادس عشر بإقالة وزير المالية جاك نيكر، الذي كان يحظى بدعم الطبقة الثالثة.
وقد تسبب ذلك القرار، بالإضافة إلى حقيقة تحرك الجنود لمواقعهم المحيطة بباريس، في شعور أفراد الطبقة الثالثة بأن الملك يتآمر ضدهم.
ولهذا اقتحم نحو ألفي شخص قصر ليزانفاليد في 14 يوليو/تموز من أجل الحصول على الأسلحة، ثم تقدموا صوب سجن الباستيل للاستيلاء على ذخيرته.
3. الإصلاحيون الفرنسيون كانوا يريدون إنهاء الملكية بالإجماع
سلطت الأزمة الاقتصادية الضوء على بعض مشكلات فرنسا القائمة منذ زمن، وربما تكون أهمها هي التأثيرات السلبية للنظام الإقطاعي.
إذ لم يكتفِ النبلاء وكبار رجال الدين بامتلاك غالبية الأراضي، بل كانت مناصبهم تمنحهم العديد من المزايا وتعفيهم من الكثير من الضرائب أيضاً.
وبحلول صيف 1789، نظم الفلاحون أعمال شغبٍ صغيرة في جميع أنحاء البلاد، وكان غالبية الناس متفقين على حاجة فرنسا للتخلص من نظامها السياسي والاجتماعي، المعروف باسم "النظام القديم".
وفي يونيو/حزيران، أعادت الطبقة الثالثة تقديم نفسها في صورة الجمعية الوطنية، مع خططٍ لصياغة مسودة دستور. وفي أغسطس/آب، سمحت مجموعةٌ من النبلاء ورجال الدين للجمعية الوطنية بإلغاء الإقطاعية.
لكن لم يرغب جميع الإصلاحيين بإلغاء الملكية مع ذلك، ففي حين طالب اليعاقبة (النادي اليساري الذي قاده ماكسميليان روبسبيار) بالتخلص من الملكية على الفور، كان بعض الإصلاحيين يرون أن التغيير لا يجب أن يشمل لويس السادس عشر.
كذلك لم تكن الخيارات المتاحة مقتصرةً على "الموت للملكية" و"تحيا الملكية" فقط. إذ كانت العديد من الفصائل السياسية تريد ملكيةً دستورية ببساطة.
4. أدت الثورة الفرنسية إلى الإطاحة بالنظام الملكي مباشرة
يعتقد على نطاق واسع أن الثورة الفرنسية قد أسقطت النظام الملكي مباشرة عندما قامت عام 1789، لكن في واقع الأمر، أسفرت الثورة عن تأسيس ملكية دستورية استمرت ثلاث سنوات.
فمن الواضح أن الملك نفسه لم يقبل بهذا الحل، وحاول مع عائلته الفرار من فرنسا عام 1791 لأسباب لا تزال محل جدل بين المؤرخين.
وفي حين قال الملك لويس السادس عشر إنه أراد الخروج من باريس ليستطيع التفاوض مع الثوار على بعد مسافة آمنة، إلا أنه يعتقد أنه كان يرغب بلقاء جنرال متعاطف معه قام بحشد جنود الملك المخلصين خارج المدينة، وكان يأمل في الحصول أيضاً على تعزيزات من الجيش النمساوي للانقلاب على الثورة، وإعادة فرنسا إلى النظام الملكي المطلق.
لكن تم القبض على الملك قبل أن يتمكن من الخروج من باريس، واستمرت الاضطرابات في مختلف أنحاء فرنسا، وبدأ أنصار الملكية الدستورية والمعتدلون في فقدان نفوذهم ليحل مكانهم الراديكاليون أمثال اليعاقبة.
كما دخلت فرنسا حرباً مع النمسا، أدت إلى انهيار الاقتصاد الفرنسي، كل ذلك أدى إلى ثورة ثانية في 10 أغسطس/آب 1792، أطاحت تماماً بالنظام الملكي لتتحول فرنسا إلى جمهورية بعد ذلك، ويتم تقديم الملك إلى المحاكمة وقطع رأسه في 21 يناير/كانون الثاني 1793.
5. المقصلة من اختراعات الثورة الفرنسية
عادةً ما يُفترض أنّ اسم المقصلة بالفرنسية (جيوتن Guillotine) مستوحى من اسم شخصٍ يُدعى جيوتن. وهو افتراضٌ صحيح، إذ إن اسمه الكامل هو: جوزيف إيجنياس جيوتن، وقد كان طبيباً فرنسياً.
ومع ذلك كانت هناك نسخٌ أخرى من المقصلة، تُستخدم حول العالم قبل أن تصير معروفةً باسمها الفرنسي. حيث كانت هناك المقصلة الاسكتلندية (Maiden) منذ منتصف القرن الـ16 وحتى أوائل القرن الـ18.
بينما كانت تُدعى (Planke) في ألمانيا خلال العصور الوسطى، و(Mannaia) في إيطاليا إبان عصر النهضة.
في حين كانت مشنقة هاليفاكس الإنجليزية أقدم من الثلاثة، حتى إن فرنسا نفسها يُقال إنّها كانت تمتلك آلةً تُشبه المقصلة قبل القرن الـ18.
لكن جوزيف إيجنياس جيوتن لم يخترع فكرة المقصلة، ولم يكن صاحب التصميم المستخدم خلال الثورة الفرنسية. وكل ما فعله هو أنه اقترح توحيد طريقة تنفيذ عمليات الإعدام في أرجاء فرنسا، وفقاً لما ورد في مجلة Mental Floss الأمريكية.
إذ كانت طريقة إعدام الشخص تعتمد على مكانته الاجتماعية والاقتصادية، كما كان الحال مع غالبية أجزاء الحياة الأخرى في النظام القديم، حيث كان إعدام علية القوم يجري بقطع الرأس، بينما يتم إعدام غالبية المجرمين الآخرين شنقاً.
وكان يُنظر إلى قطع الرأس باعتباره طريقةً أكثر "كرامة" في الإعدام، إذ كانت أسرع وأقل ألماً -في حال كان السيّاف بارعاً في عمله بالطبع، لكن عملية الإعدام بالسيف أو الفأس كانت تحتمل الكثير من الأخطاء.
وقد كان جوزيف إيجنياس جيوتن من المعارضين لعقوبة الإعدام شكلاً وموضوعاً، لكنه أدرك على ما يبدو أن فرنسا لم تكن جاهزةً للتخلي عنها في وقتٍ قريب. ولهذا اقترح عام 1789 أن تستخدم فرنسا أداةً رسمية لقطع الرأس، حتى تجعل كل عمليات الإعدام آدميةً قدر الإمكان، وأوضح: "يمكنك أن تقطع رأس الشخص في غمضة عين باستخدام آلتي، ولن تشعر بأي شيء".
وبحلول خريف عام 1791 أصبحت عقوبة قطع الرأس رسمية وارتفعت أعداد أحكام الإعدام سريعاً، وبدت دعوة غيوتَان لاستخدام وسائل إعدام منصفة وفعالة فكرة جديرة بالاهتمام فجأة. فصمم مهندس يدعى أنطوان لويس المقصلة، وصنعها شخص آخر يدعى توبياس شميت.
وما أثار صدمة جوزيف إينياس غيوتان أن أحداً لم ينس دعوته، وبدأ الجميع يدعون هذه المقصلة بـ"غيوتان". وبعد وفاته عام 1814، قدم أفراد عائلته التماساً للحكومة لاختيار اسم رسمي مختلف لها، ولما لم تمتثل الحكومة لطلبهم غيرت عائلة غيوتان لقبها.
6. ماري أنطوانيت قالت "ليأكلوا كعكاً"
وفقاً للأسطورة، حين قيل لملكة فرنسا ماري أنطوانيت إن الفقراء لا يجدون خبزاً ليأكلوه، ردت قائلة: "ليأكلوا الكعك إذاً".
والتعبير الفرنسي كان تحديداً "Qu'ils mangent de la brioche"، الذي يعني حرفياً "ليأكلوا البريوش". والبريوش عبارة عن خبز فاخر بالزبدة يفوق قدرات الفلاحين البسطاء، وهو ليس كعكاً بالمعنى الحرفي، لكن هذا لا يغير الفكرة العامة.
على أن الصياغة الفرنسية الصحيحة تلقي القليل من الضوء على الطريقة التي انتشرت بها هذه العبارة. فأقدم تسجيل معروف لعبارة "Qu'ils mangent de la brioche" كان في كتاب Confessions للفيلسوف جان جاك روسو، الذي كُتب في ستينيات القرن الثامن عشر.
وكتب في جزئه السادس نقلاً من الفرنسية: "وأخيراً تذكرت العبارة الطائشة التي تفوهت بها أميرة عظيمة، التي حين علمت أن سكان الريف لا يجدون الخبز ردت بالقول: "لياكلوا البريوش!".
وماري أنطوانيت لم تنتقل إلى فرنسا وتتزوج ملكها المستقبلي حتى عام 1770، لذلك لنا أن نفترض أنها ليست "الأميرة العظيمة" التي ذكرها روسو.
ربما كانت ماريا تيريزا الإسبانية، التي تزوجت لويس الرابع عشر قبلها بقرن.
ويُزعم أنها اقترحت croûte de pâté أو الفطائر بديلاً للخبز للفقراء الجوعى. ونُسبت عبارة "ليأكلوا البريوش" أيضاً لاثنتين من عمات لويس السادس عشر، صوفي وفيكتوار.
لكن إلى أي مدى كانت ماري أنطوانيت عديمة المشاعر أو غافلة أو كليهما؟ ربما أقل مما تعتقد، وفقاً لكاتبة السيرة أنتونيا فريزر. فقرب حرب الدقيق التي اندلعت عام 1775، حين تسبب نقص الخبز في موجة من أعمال الشغب، كتبت الملكة إلى والدتها: "من المؤكد تماماً أننا أصبحنا ملزمين أكثر من أي وقت مضى بالعمل بأقصى طاقتنا لإسعاد هؤلاء الذين لا يسيئون معاملتنا رغم معاناتهم".
واشتهرت ماري أنطوانيت بتحاشيها المرور في الحقول، لأنها كانت تعلم أن ذلك سيضر بمحاصيل الفلاحين، وقد طلبت ذات مرة من زوجها 12 ألف فرانك لتحرير الفقراء المحبوسين في سجن الغارمين، لعجزهم عن دفع أجور مرضعات أطفالهم، وطلبت مبلغاً أكبر لمساعدة فقراء فرساي.
فهل ستنقذها هذه الأعمال الخيرية البسيطة من المقصلة؟ كلا بالطبع، فقد اتُّهمت بالخيانة وقُطع رأسها في 16 أكتوبر/تشرين الأول عام 1793.
7. الإعدام بانتظارك إذا كنت نبيلاً فرنسياً
يعتقد الكثيرون أن الثورة الفرنسية قضت على النبلاء تماماً، في واقع الأمر مات بعض النبلاء بالفعل أثناء الثورة، وتمت محاكمة كثيرين منهم، وبعضهم فروا من البلاد كي لا يتعرضوا لعقوبة الإعدام، مع ذلك لم يكن من غير القانوني أن تكون نبيلاً.
وقد صمد كثير من النبلاء في فرنسا وانتظروا تغير الأوضاع.
كذلك كان يعتقد أن أي شخص تتم محاكمته سيكون الإعدام مصيره بلا شك، لكن في الواقع تمت تبرئة حوالي نصف الأشخاص الذين خضعوا للمحاكمات الثورية. ومن المفارقات أن ذاك لم ينطبق على القادة الثوريين، إذ إن الإعدام كان مصير جميع القادة الثوريين الذين تم إرسالهم للمثول أمام المحكمة الثورية بين خريف 1793 وصيف 1794.