يحاول مجال الصحة النفسية للمرأة اليوم فهم التغيُّرات البيولوجية الجسدية التي تمرّ بها، مثل: الحمل والولادة وانقطاع الطمث والدورة الشهرية، وأثرها على الصحة النفسية والعقلية.
لكنّ البعض يعتبر أن التاريخ لم يكن متفهماً لطبيعة المرأة دائماً. وبالعودة إلى الوراء لقرونٍ طويلة، سنجد أن كثيراً من الفلاسفة والعلماء مثل أبقراط وأفلاطون وغيرهما، شخَّصوا بعض السلوكيات غير المرغوبة مجتمعياً أو اضطرابات هرمونية تمر بها النساء بكونها "هستيريا".
في هذا التقرير، نستعرض معكم تاريخ هذه الحالة أو الاضطراب الذي يعود للقرن الثاني قبل الميلاد، وكيف كان الأطباء يلجؤون للتشخيص به؛ لعدم فهمهم الكامل للتغيُّرات الهرمونية التي تمر بها المرأة وأثرها على نفسيتها.
"الرحم يتجوَّل في جسم المرأة"! التشخيص الطبي القديم للهستيريا
يعرِّف موقع Very Well Mind للصحة النفسية والجسدية، الهستيريا على أنَّها سمة من سمات بعض الحالات التي تظهر عند الأشخاص الذين يعانون من أعراض جسدية لها سبب نفسي.
وعلى مر التاريخ، تم تشخيص الهستيريا من خلال العديد من الأعراض النفسية والجسدية والسلوكيات المختلفة التي لم يستطع الأطباء تفسيرها.
ولأن الأطباء عجزوا عن إيجاد تشخيص أو توصيف لبعض التغيرات والاضطرابات الهرمونية التي تمر بها المرأة في مراحل مختلفة، مثل فترة ما قبل الدورة الشهرية أو الحمل والولادة وانقطاع الطمث أو عند التعرض لصدمة، فقد كانوا يفسرون هذه الأعراض على أنها اضطراب الهستيريا.
وقد تضمنت بعض الأعراض الشائعة للهستيريا حينها ما يلي:
- انتفاخ البطن
- ألم صدر
- الانفعال المفرط
- زيادة أو نقص الدافع الجنسي
- زيادة الشهية
- زيادة معدل ضربات القلب
"الأرحام المتحركة" تفسير المصريين القدماء والإغريق لـ"الهستيريا"
طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانت "الهستيريا الأنثوية واحدة" من "الاضطرابات" الأكثر شيوعاً التي تم تشخيصها. لكن الفكرة الخاطئة التي تربط النساء بالاضطرابات العقلية والسلوكية أقدم من ذلك بكثير.
يشير بحث تاريخي كبير قام به باحثون من جامعة كالياري في إيطاليا عام 2021، بعنوان "التاريخ الشامل للهستيريا الأنثوية"، إلى أن النصوص المصرية التي يعود تاريخها إلى عام 1900 ق.م، أشارت إلى أن الاضطرابات الهستيرية كان سببها "تحرُّك أرحام النساء" في جميع أنحاء أجسادهن.
الإغريق القدماء اعتقدوا أيضاً أن حركة الرحم كانت سبب الهستيريا أيضاً. ففي القرن الخامس قبل الميلاد، صاغ أبقراط، مؤسس الطب، مصطلح "الهستيريا" من كلمة "الهيستيرا" أو "الرحم" باليونانية القديمة، وعزا سببها أيضاً إلى حركات الرحم غير الطبيعية في جسم المرأة.
وقد اتَّفق أفلاطون مع أبقراط، واعتقد أيضاً أن للرحم قدرة على التجُّول حول جسد الأنثى حتَّى، مما يتسبب في مجموعةٍ من الاضطرابات الجسدية والعقلية عند النساء.
وقد كان يتم علاج هذه الحالة من خلال تعريض المرأة للروائح المختلفة؛ للتحريض على العطس الشديد، مما يُسبب تحرك الرحم، وكذلك تعليقها بالمقلوب؛ في محاولة لإعادة الرحم إلى مكانه "الصحيح"!
العلاج هو الجنس!
في اليونان القديمة، كان من الشائع تشخيص النساء بالجنون إذا لم يكن لديهنَّ الشهوة الجنسية الكافية. وكان يُعتَقَد أن النساء يمكن أن يشفين من هذه الحالات من خلال ممارسة الجنس، وذلك كان من العلاجات الموصى بها للنساء اللواتي يعانين من الهستيريا، وفقاً لموقع HuffPost.
والعكس أيضاً كان يعتبر حالة مَرضية، فقد كان يُنظر إلى الرغبة الجنسية الشديدة عند المرأة على أنها من أعراض الهستيريا.
وقد تراوحت العلاجات لهذه الحالة من تدليك الحوض؛ لإجبار المرأة على الوصول إلى النشوة الجنسية لإفراز السوائل الزائدة التي كان يعتبر أنها سيئة وخبيثة، أو وضع "علقات" على البطن لتقليل الدم في الرحم، أو حتى إجبار المرأة على الزواج.
تشخيص آخر: الهستيريا مرض نفسي ينتقل في الهواء ويصيب النساء أكثر
في عام 1748، وصف الطبيب الفرنسي جوزيف راولين الهستيريا بأنها "مرض بُخَارِي" ينتشر عن طريق تلوُّث الهواء في المناطق الحضرية الكبيرة.
وبينما أشار راولين إلى أنّ كلاً من الرجال والنساء يمكن أن يصاب بالهستيريا، فإن النساء، حسب قوله، أكثر عرضة لهذا المرض، بسبب "طبيعتهنَّ الكسولة وسريعة الانفعال"، وفقاً لما ذكره موقع Medical News Today.
وفي أطروحة نُشرت بين عامي 1770 و1773، وصف طبيب فرنسي يدعى فرانسوا دي لاكروا، الهستيريا بأنها شيء أقرب إلى عدم الاستقرار العاطفي، "يخضع لتغيُّراتٍ مفاجئة وترافقه حساسية عاطفية كبيرة".
كما اتفق دي لاكروا مع أسلافه على أن هذه الحالة تؤثر بشكل أساسي على النساء، وأن "الرجال نادراً ما يكونون في حالة هستيرية"، وأنه غالباً ما كان الحرمان الجنسي هو سبب الهستيريا الأنثوية.
بعيداً عن العصور القديمة.. ما التفسير العلمي للهستيريا؟
في أواخر القرن التاسع عشر، أصبح يُنظر إلى الهستيريا على أنها اضطراب نفسي حين استخدم طبيب الأعصاب الفرنسي جان مارتن شاركوت التنويم المغناطيسي لعلاج النساء اللاتي يعانين من الهستيريا.
وقد لعب لغز الهستيريا الذي حيَّر الأطباء والعلماء، دوراً رئيسياً في التطور المبكر للتحليل النفسي.
فقد كان المحلل النفسي النمساوي الشهير سيغموند فرويد يعمل مع طبيب الأعصاب شاركوت في مراقبة المرضى الذين تم تشخيصهم بالمرض وكذلك طرق العلاج.
ولكنَّ عمل فرويد مع زميله جوزيف بروير في علاج آنا أو، وهي امرأة شابة كانت تعاني من أعراض الهستيريا، هو الذي ساعد في تطوير العلاج النفسي.
فقد وجدت آنا أنَّ مجرد الحديث عن مشاكلها مع معالجها كان له تأثير كبير على صحتها. وقد أطلقت على هذا العلاج اسم "العلاج بالكلام"، ولا يزال يشار إليه على أنه العلاج بالكلام حتى يومنا هذا.
كما عالج الطبيب كارل يونج، زميل فرويد، امرأة شابة تدعى سابينا سبيلرين، كان يُعتقد أيضاً أنها تعاني من الهستيريا. وقد ناقش يونغ وفرويد في كثير من الأحيان حالة سبيلرين، التي كان لها تأثير على النظريات التي طوّراها.
تدربت سبيلرين نفسها لتصير محللةً نفسية، وساعدت في إدخال منهج التحليل النفسي في روسيا قبل أن يقتلها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية.
مع تقدُّم تقنيات التحليل النفسي وتوسُّع النظرة العلمية للاضطرابات النفسية، توقفت الجمعية الأمريكية لعلم النفس في عام 1980 عن استخدام تشخيصها الذي يحمل إسم "العصاب الهستيري"، وتم استبداله باسم "الاضطراب التحولي".
وأصبح علم النفس يشتمل على أنواع مختلفة من الاضطرابات التي كانت تُعرف تاريخياً باسم الهستيريا، وضمن ذلك اضطراب العرض الجسدي واضطراب الهوية التفارقي.
اضطراب الهوية التفارقي
اضطرابات الهوية التفارقية أو تعدُّد الشخصيات هي اضطرابات نفسية تنطوي على تفكك في جوانب الوعي، وضمن ذلك الهوية والذاكرة. تشمل هذه الأنواع من الاضطرابات الشرود الفصامي واضطراب الهوية الانفصامي وفقدان الذاكرة الانفصامي.
اضطراب الأعراض الجسدية
هناك العديد من الحالات التي تصنَّف تحت اضطرابات الأعراض الجسدية، منها:
- اضطراب قلق المرض.
- اضطراب الأعراض العصبية الوظيفية.
- الأعراض الجسدية الأخرى المحددة والاضطراب المرتبط بها.
- العوامل النفسية التي تؤثر على الحالات الطبية الأخرى.
- أعراض جسدية غير محددة والاضطراب المرتبط بها.
يتضمن اضطراب الأعراض الجسدية التركيز بشكل كبير على الأعراض الجسدية مثل الضعف أو الألم أو ضيق التنفس والتي تسبب صعوبات في الأداء الطبيعي للمهام والنشاطات اليومية. كما قد يكون الفرد مصاباً بحالة طبية تسببت بهذه الأعراض وقد لا يكون كذلك.