في مدينة أثريبس المفقودة منذ فترة طويلة، في وسط مصر، اكتشف علماء الآثار أكبر مجموعة من "المذكرات" المصرية القديمة التي تمَّ العثور عليها منذ بداية القرن العشرين. 18 ألف قطعة فخارية منقوشة كتب العديد منها طلاب، ما قدم لمحة عما كان يتعمله أطفال مصر في زمن الفراعنة.
تُعرف شظايا الفخار المرسوم بالحبر باسم "أوستراكا"، وتم استخدام بقايا الجرار المكسورة والأوعية الأخرى بشكل يومي لأنها أرخص بكثير ويمكن الوصول إليها أكثر من ورق البردي.
بالعثور عليها قدمت العديد من المعلومات عن الحياة اليومية ومنها مثلاً قوائم التسوق وتسجيل الصفقات ومواد تعليم الطلاب كيفية الكتابة والرسم، وحتى بعض النصوص الأدبية.
درس أطفال مصر في زمن الفراعنة
في الواقع يبدو أن عدداً كبيراً من هذه المدونات الموجودة في الموقع الأثري هي بقايا مدرسة قديمة في ما يعرف اليوم "تل عتريب".
بدوره، قال عالم المصريات كريستيان ليتز من جامعة توبنغن في ألمانيا لمجلة Newsweek: "هناك قوائم بالأشهر والأرقام والمسائل الحسابية وتمارين القواعد و ما سمي بـ(أبجدية الطيور)، إذ تم تخصيص طائر لكل حرف يبدأ اسمه بهذا الحرف".
وتضمنت أيضاً رسومات لحيوانات مثل العقارب وطيور السنونو والبشر والأشكال الهندسية والآلهة، وفقاً لبيان صادر عن جامعة توبنغن، التي أجرت التنقيب بالشراكة مع وزارة السياحة والآثار المصرية.
وكان من اللافت مثلاً العثور على أكثر من 100 قطعة احتوت على تمارين كتابية متكررة للرموز نفسها على واجهتي القطعة وكأنها كانت نوعاً من العقاب بإعادة كتابة الكلمة أو الجملة عشرات المرات، في ما يبدو مؤشراً على أن الأطفال "المشاغبين" تم تأديبهم بنفس العقوبة الكلاسيكية المستخدمة حتى يومنا هذا.
اللغات المكتشفة
تمت كتابة معظم الملاحظات المكتشفة باللغة الديموطيقية، والتي كانت نصاً شعبياً تم استخدامه في عهد بطليموس الثاني عشر (والد كليوباترا)، الذي حكم من 81 إلى 59 قبل الميلاد ومرة أخرى في وقت لاحق من 55 إلى 51 قبل الميلاد.
خلال هذا الوقت، كانت مدينة أثريبس عاصمة دولة مصرية تقع على طول نهر النيل. وعلى الرغم من أن الديموطيقية المبسطة كانت النص الأكثر شيوعاً في هذا الوقت، إلا أن شكلاً مبسطاً من الكتابة الهيروغليفية كان لا يزال يُدرس للأطفال.
للكتابة على القطع، يغمس المستخدمون قصبة أو عصا مجوفة بالحبر.
اللغات المختلفة التي شوهدت على شارات أتريب من عدة مراحل زمنية، بما في ذلك الهيروغليفية واليونانية والعربية والقبطية، تشير إلى تاريخ المدينة المضطرب والمتعدد الثقافات.
الأبجدية القبطية، على سبيل المثال، هي مزيج من اللغات اليونانية والمصرية وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسيحية. وقد نص مكتوب على قطعة فخارية باللغة القبطية، ربما تمت كتابته في القرن السادس بعد سقوط مصر في أيدي الرومان.
التأثير الروماني
يمكن أيضاً استخلاص علامات أخرى من التأثير الروماني من قطع الفخار. بعد سقوط النظام البطلمي في القرن الأول الميلادي، على سبيل المثال، بدأت النصوص تشير إلى سلسلة من الأباطرة الرومان، بما في ذلك نيرو وفيسباسيان وتيتوس ودوميتيان وهادريان، الذين حكموا ما بين 117 إلى 138 م، حسب موقع Science Alert.
مرة واحدة فقط تم العثور على مثل هذه المجموعة الكبيرة من قطع الأوستراكا وكانت في أوائل القرن العشرين.
اكتشف علماء الآثار وقتها العديد من القطع الكتابية في قرية دير المدينة القديمة الواقعة على مسافة أبعد قليلاً من نهر النيل.
كانت هذه النصوص القديمة في الغالب ملاحظات حول الطب والممارسات الطبية. من ناحية أخرى، تخبر بقايا مدينة أتريبس المزيد عن شكل الحياة اليومية في واحدة من أقوى حضارات العالم القديم، حسب مجلة Smithsonian.
وقال ليتز: "سنتمكن من إجراء دراسة عن الحياة اليومية في أواخر العصر البطلمي أوائل العصر الروماني بمجرد أن نحلل جميع النصوص أو على الأقل جزء أكبر منها، الأمر الذي سيستغرق سنوات".