أُعدم 4 آلاف جندي بأول أيام العيد! عن مجزرة يافا التي ارتكبها نابليون في فلسطين

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/18 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/18 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية لنابليون بونابرت القائد العسكري الفرنسي - iStock

"كل من له وجه إنسان سقط صريع جنونهم" هكذا وصف أحد المشاركين في جيش نابليون بونابرت القائد العسكري الفرنسي أثناء ارتكاب حصار ومذبحة يافا في فلسطين بالعام 1799، حينما كانت تحت الحكم العثماني، في التوصيف الذي نقله المؤلف والمؤرخ الإنجليزي كريستوفر هيرولد في كتابه "بونابرت في مصر".

يعتبر هذا التوصيف مؤشراً على شكل الأحداث التي جرت في مدينة يافا قبل 223 عاماً، إبان الحملة الفرنسية على مصر والشام، التي كانت شاهدة على واحدة من أفظع المجازر في أواخر القرن الثامن عشر، والتي  تضاف إلى سجل فظائع نابليون بونابرت.

بداية مذبحة يافا: عندما فشل نابليون في مصر فأراد تعويضه في الشام

بعد أن استطاع نابليون احتلال مصر وتحقيق عدة انتصارات، خسر في معركة اعتبرت ثورة في تاريخ المعارك البحرية، وهي معركة النيل أو "معركة أبي قير البحرية" في 1 أغسطس/آب 1798، أمام القائد البريطاني البحري المحنّك هوراشيو نيلسون، الذي دمَّر سدس سفن الأسطول الفرنسي، وفقاً لموقع Thought Co المهتم بالمواضيع التاريخية.

كانت هذه الهزيمة محورية في احتلال نابليون مصر؛ إذ أضعفت موقفه في السيطرة على البلاد التي كان يهدف من خلالها تأمين المستعمرات الفرنسية شرق المتوسط، ويفكر بأنها قد تفتح الطريق أمامه للهجوم على بريطانيا في الهند.

هنا؛ رأى نابليون أن عليه المحاولة وتحويل مسار حملته مع جزء من جيشه إلى الشام، وإبقاء الجزء الآخر في مصر، بهدف فصل الدولة العثمانية عن تحالفها مع بريطانيا، ومنع أي خطوة من شأنها طرده من مصر، وخطَّط للتمركز في مدينة يافا وجعلها قاعدة لغزو الشام، كونها تمتاز بموقع جغرافي جيد وبحسن التحصين والقلاع العالية.

قبل يافا.. رحل من مصر تاركاً القتل والخرب

بدأ نابليون بالزحف نحو شمال شرقي مصر في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1799، وقد تزامن ذلك مع أول أيام شهر رمضان وفقاً للمؤرخ  المصري عبد الرحمن الجبرتي، متجهاً نحو مدينة العريش، من أجل الدخول إلى مدينة غزة.

ولما وصلت هذه الأخبار إلى أحمد باشا الجزار والي عكا، أرسل جنوده إلى العريش لحماية حدود الولايات العثمانية في فلسطين، وفقاً لكتاب "بونابرت في مصر".

فور وصول الجيش الفرنسي مدينة العريش حاصروها وهاجموا قلعتها، وقطعوا الإمدادات التي أرسلها الجزار إليها، واستمر الحصار حوالي أسبوعين صمد فيها المسلمون إلا أنهم اضطروا في النهاية إلى التسليم بعد أن نفدت ذخيرتهم، بينما سيطر الفرنسيون على العريش وزحفوا إلى غزة.

بعد السيطرة على العريش، أرسل بونابرت رسائل دينية تحمل معاني إسلامية إلى أهالي غزة والرملة ويافا يخبرهم بأنه جاء ينقذهم من بطش أحمد باشا الجزار والمماليك، ودعاهم لعدم الخوف أو الذعر والاستمرار في نمط معيشتهم كما كانت، مؤكداً لهم أنهم في أمان وسلام من جنوده.

في ليلة 24 فبراير/شباط، وصل بونابرت إلى مدينة خانيونس (جنوب قطاع غزة)، وخلال ساعات وصلوا إلى مدينة غزة واستولوا عليها دون مقاومة، ووجدوا فيها حواصل مشحونة بالذخائر والأطعمة وأعمل فيها الجنود الفرنسيون بالسلب والنهب.

ثم توجه نابليون بجيشه إلى مدينة الرملة (بين مدينتي بيت لحم ويافا) ومدينة اللد (شمال شرق الرملة) في أول مارس/آذار، ووجدوا أهاليها قد فروا من مساكنهم وأراضيهم خوفاً من بطش الفرنسيين تاركين وراءهم مزيداً من المؤن.

ووفقاً للمؤرخ هيرولد، بقي نابليون وجيشه مع بعض المسيحيين المحليين الذين لم يفروا من المدينة ليومين، ثم توجهوا إلى يافا ووصلوها في الثالث من مارس/آذار، التي كانت تدافع عن حصنها قوة عثمانية كبيرة وبعض من أهالي المدينة.

خطة نابليون للسيطرة وحصار يافا


بعدما وصلت مقدمة الجيش الفرنسي أولاً إلى يافا، وأحاطوا بها وحاصروا سورها من الجهة الشرقية والغربية، وأرسلوا إلى حاكمها بأن يسلمها، إلا أن أحمد باشا الجزار لم يعطه موافقته على ذلك، وفقاً للجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار".

ثم في أواخر اليوم اكتملت صفوف العساكر الفرنسية، وانقسموا إلى ثلاثة طوابير، واحد منها توجه على طريق عكا بعيداً عن يافا بأربع ساعات، وفي اليوم التالي أمر نابليون بحفر خنادق حول السور، من أجل عمل متاريس تشدد من الحصار، بعدما وجد أن السور ممتلئ بجنود وعساكر الجزار.

حصار ومذبحة يافا نابليون في فلسطين
صورة تعبيرية لنابليون بونابرت القائد العسكري الفرنسي – iStock

بعد أن اقتربت الخنادق إلى السور مقدار 150 خطوة، أمر نابليون بنصب المدافع على المتاريس من ناحية، ونصبها بجانب البحر من ناحية أخرى، لمنع وصول جنود الجزار إلى مراكب الهروب المعدة سابقاً، ثم خدع جنود الجزار عندما رأوا أعداد الفرنسيين قليلة فخرجوا عليهم، ليتفاجأوا بأعداد كبيرة من الفرنسيين الذين قتلوا عدداً منهم، ثم عادوا للقلعة مرة أخرى، وشددوا عليهم الحصار.

ثم في السابع من مارس/آذار، أرسل نابليون رسالة مع رسوله إلى حاكم وأهالي يافا يطمئنهم فيهم على أرواحهم وجنودهم وأن سبب محاصرته لهم هو إخراج جنود الجزار العثمانيين من المدينة، وذلك كونهم اعتدوا على مدينة العريش، وأمهلهم ساعة لكي يستسلموا.

رفض أهالي يافا التسليم، واحتجزوا رسوله، فجن جنون نابليون وأمر جنوده بضرب المدينة بالمدافع، واستسلمت المدينة، ولكن نابليون نقض وعده وخان سكانها رغم وعودهم وإعطائهم الأمان، وقام جنوده بأعمال قتل إجرامية واغتصاب وسلب ونهب للمدينة.

مذبحة يافا.. إعدام 4 آلاف جندي بأول أيام العيد!

بدلاً من أن يحتفل المسلمون في يافا في أول أيام عيد الفطر ذلك اليوم، كان عليهم مواجهة أبشع وأفظع المجازر في ذلك الزمن، حيث أمر بإعدام أكثر من 4 آلاف جندي من الجنود المسلمين رمياً بالرصاص أو بحد السيف ثم رميهم في البحر، وسرقوا الذخائر والأموال والمراكب والأمتعة الثمينة، وفقاً للجبرتي.

وقد تحجج نابليون بارتكابه هذه المذبحة البشرية بحجج كثيرة، أبرزها صعوبة إبقاء جنود لحراسة أسرى المسلمين لأنه كان يريد استجماع كافة قواته لاحتلال عكا، وحجته الأخرى أن ثلث هؤلاء الجنود نقضوا عهدهم في العريش بأن لا يحاربوه.

أما عن أهوال ما حل بسكان مدينة يافا على يد الفرنسيين، فنقل المؤلف الإنجليزي هيرولد في كتابه "بونابرت في مصر" شهادات فرنسيين كانوا في الحملة على يافا، في فصل أطلق عليه اسم "الجزَّارون في الأرض المقدَّسة".

إذ يقول هيرولد: "راح الفرنسيون يقتلون أعداءهم كالمجانين طوال ذلك المساء كله، والليل كله، وفي صباح الغد، فالرجال والنساء والأطفال والمسيحيون والمسلمون وكل من له وجه إنسان سقط صريع جنونهم، كما قال مالو الذي ما زالت الصفحات التي كتبها في وصف هذا المشهد البشع تتجاوب بشعور الفزع والخزي".

هزيمة مدوية في عكا

بطبيعة الحال، تسبب الكم الكبير من الجثث المتحللة في يافا، في نشر وباء الطاعون الذي فتك بأعداد كبيرة من الجنود الفرنسيين وجنود الجزار أيضاً في المدن الأخرى، ولكن نابليون قرر الزحف نحو عكا التي اعتقد أنها ستسقط في وقت أقل من الوقت الذي سقطت فيه يافا، معتمداً على حالة الرعب التي نشرها.

في 20 مارس/آذار اتخذ الجيش الفرنسي موقعه أمام عكا، وبدأ الجنود الفرنسيون يحفرون الخنادق كما فعلوا في يافا، وبعدها بأسبوع أمر نابليون بالهجوم، فقذفت حصون عكا بالقنابل الفرنسية، لكن الجزار رد بنيران مضادة دمرت الكثير من القوات الفرنسية، ورغم ذلك استطاع الفرنسيون أن يتسلقوا أسوار المدينة، إلا أن صمود أهلها وجنودها ردهم خائبين.

حاول نابليون مهاجمتها أكثر من مرة، ولكن أحمد باشا الجزار تغلب على الفرنسيين واستطاع إلحاق خسائر كبيرة بهم، وخسروا الكثير من الجنود والضباط والجنرالات، في هزيمة فادحة قرر نابليون الرحيل على إثرها والعودة إلى مصر التي هُزم فيها أيضاً ورحل منها متخفياً إلى فرنسا.

تحميل المزيد