عندما فتح علماء الآثار البريطانيون التابوت الذهبي للفرعون توت عنخ آمون في عام 1925، وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع العينين الجامدتين لقناع الموت الذهبي الذي كان يغطي وجه الملك الصبي.
ومنذ تلك اللحظة، وقع العالم في سحر قناع الملك توت عنخ آمون.
يقدِّم القناع الذهبي بانتصابه الشامخ ونظرته الساكنة وقسماته المتلألئة بلون الذهب نظرةً خاطفة نادرة على الحياة في مصر القديمة، ويتحدث إلينا عن تقاليد حضارته المفقودة، ومعتقداتها، وقدراتها الفنية.
فمن كان هذا الملك الصبي الذي خُلِّد بالذهب؟ وكيف وجد علماء الآثار مقبرته؟ ولماذا يعتقد بعضهم أن القناع كان مخصصاً لشخص آخر؟
اكتشاف قناع توت عنخ آمون
في عام 1922، وتحديداً في وادي الملوك، اجتمع عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر واللورد كارنارفون مع شخصيات أخرى؛ لفتح الباب المغلق لغرفة الدفن في مقبرة توت عنخ آمون.
وكما قال هوارد كارتر: "كان الباب مغلقاً أمامنا، لكن ما إن فتحناه، حتى بدا كأننا طوينا قروناً وعُدنا لنقف في حضرة ملكٍ كان يحكم البلاد قبل 3 آلاف عام، كانت مشاعري غريبة، وأنا أصعد على المنطقة لأفتح الباب".
وأضاف وفقاً لما ذكره موقع The Great Courses Daily: "ما إن فتحنا المقبرة، حتى رأينا ثروات عجيبة، ولم نصدّق حظنا الجيد في اكتشاف ما يُعرف الآن بأنه القبر الوحيد لفرعون الذي بقي على حاله ولم يمس لآلاف السنين".
كما كتب كارتر في مذكراته بعد فتح التابوت، واكتشاف قناع الملك توت عنخ آمون: "كان الموعد مع الفصل قبل الأخير".
ويروي كارتر: "مومياء ملفوفة بدقة شديدة للملك الشاب، وقناع ذهبي بوجه حزين، لكن يكسوه وقار ساكن، حمل القناع هالةً إلهية، لكن الشبه يقود إلى كونه توت عنخ آمون، بصفاء وجهه وجماله، وبالتفاصيل ذاتها التي نجدها في صوره على التماثيل والتوابيت".
من هو توت عنخ آمون؟
لم يكن توت عنخ آمون ملكاً ذا أهمية كبيرة؛ كان فتى حكم تسع أو عشر سنوات فقط في المملكة الحديثة، منذ أن كان عمره نحو 9 سنوات.
وقد أدى موته المبكر والمفاجئ إلى محو وجوده عملياً من الذاكرة المصرية، وهو على الأرجح سبب عدم نهب قبره مثل أي شخص آخر.
وُلد توت في المملكة الحديثة (1550-1070 قبل الميلاد)، وهي فترة ازدهار الإمبراطورية المصرية، وقد ثبتت الاختبارات الجينية أن الملك توت كان حفيد الفرعون العظيم أمنحتب الثالث، ومن شبه المؤكد أنه ابن أخناتون.
يعتبر توت عنخ آمون شخصية مثيرة للجدل في تاريخ الأسرة الثامنة عشرة لمصر الجديدة؛ وذلك بسبب قلبه النظام الديني الذي فرضه والده وهو عبادة إله الشمس آتون إلى عبادة الآلهة المتعددة، كما قام آمون بنقل العاصمة الدينية لمصر من طيبة إلى تل العمارنة، وفقاً لما ذكره موقع History التاريخي.
لعنة قناع توت عنخ آمون
بعد فتح المقبرة بدأ قناع توت عنخ آمون يجول بين متاحف العالم، ولم تخلُ رحلاته من الشائعات التي تتهمه بجلب لعنة على كل شخص له صلة به، وفقاً لما ذكره موقع All That's Interesting الأمريكي.
بعيداً عن كارتر الذي نجا من تلك اللعنة، فإن شريكه كارنافون الذي اكتشف المقبرة معه مات عقب فترة قصيرة فقط من الاكتشاف، إثر إصابته بتسمم دم بعد أن لسعته بعوضة.
ليس كارنافون وحده بل أشخاص آخرون دخلوا المقبرة أيضاً، أحدهم مات وهو بعمر الـ35 بداء الفشل الكلوي، وآخر بسبب حريق، وثالث شنق نفسه؛ خوفاً من أن تلاحقه اللعنة.
قناع توت غنخ آمون صُنع من نوعين من الذهب
بمزيدٍ من الفحص، كشفت البحث أن قناع الملك توت صُنع من نوعين من الذهب، وعيونه من حجر السج والكوارتز، وتزينت حواجبه وجفونه باللازورد.
ويظهر على غطاء رأسه رمز يحمل صورة ثعبان الكوبرا، مع صورة النسر، مما يرمز إلى سيطرة الملك الشاب على مصر العليا والسفلى.
ومع كل ذلك، فإن اكتشاف كارتر للمقبرة لم يكن نهاية رحلة الفرعون توت عنخ آمون، ولا كان البداية.
هل هو قناع توت عنخ آمون أم زوجة والده نفرتيتي؟
شكَّك بعضهم في كون القناع يخص توت عنخ آمون من الأصل، وذهب بعض علماء المصريات البريطانيين إلى أن القناع صُنع في الأصل للملكة نفرتيتي، زوجة والد توت عنخ آمون.
واستندت بعض حججهم في ذلك إلى أن قناع الملك توت يبدو كأنه لشخص كان يرتدي الأقراط.
ومع ذلك، فقد دحض علماء المصريات البارزون هذه النظرية إلى حدٍّ كبير، فالأقراط لم يكن ارتداؤها قاصراً على النساء أو الأطفال في أيام الملك توت.
تعويذة سحرية على ظهره!
على ظهر القناع الذهبي يوجد نص كُتب بالهيروغليفية وهو عبارة عن كتابة غامضة يقال إنها "تعويذة"، والهدف منها مساعدة الملك الصغير في العبور للحياة الأخرى، وفقاً لما قاله موقع Egypt Manchester.
ويقول النص ما يلي: "يتكلم أنوبيس، المحنط، سيد القاعة الإلهية، عندما وضع يديه على نعش المتوفى وسلَّحه بما يحتاجه، اجتمع سوكار وأقامه أنوبيس، فدعمه شو يا جميل الوجه بين الآلهة، عينك اليمنى هي القارب الليلي، وعينك اليسرى هي قارب النهار، وحاجباك هما التاسوس، تاج رأسك أنوبيس، مؤخرة رأسك حورس، أصابعك تحوت، خصلة شعرك بتاح-سوكر".
كما يُعتقد أن هذه التعويذة على ظهر القناع تعيد الحواس للفرعون المتوفى، والتي كانت مطلوبة من أجل ولادة جديدة ناجحة في الحياة الآخرة كشخص يعمل بكامل طاقته، كما هو الحال في الحياة.
كيف مات الملك توت؟
هناك العديد من النظريات حول سبب مقتل الملك توت عنخ آمون، منها أنه كان طويل القامة لكنه ضعيف جسدياً، ومصاب بالشلل في قدمه اليسرى.
في حين تقول رواية أخرى إن زواج الأقارب التقليدي بالعائلة المصرية ساهم في تدهور صحته حتى إنه وُلد بتشوهات خلقية بسبب ذلك أيضاً.
في حين كشفت اختبارات الحمض النووي التي نُشرت في عام 2010، أن والدَي توت عنخ آمون كانا أخاً وأختاً، فيما تزوج هو عنخسين آمون وهي أخته غير الشقيقة.
ولأن بقايا توت عنخ آمون كشفت عن وجود ثقب في مؤخرة الجمجمة، فقد خلص بعض المؤرخين إلى أن الملك الشاب اغتيل، لكن الاختبارات الأخيرة تشير إلى أن الثقب حدث في أثناء تحنيطه.