أنتجت الأساطير الإغريقية العديد من الوحوش الخيالية المرعبة، ابتداءً من ميدوسا، المرأة التي تحمل الثعابين على رأسها، وانتهاء بتايفوس الوحش ذي المئة رأس. ومن بين الوحوش الإغريقية المتعددة يبرز "كيميرا" لا لأنه وحش مخيف فحسب، بل لأن حالة طبية نادرة سميت تيمناً به فبقي اسمه حياً ومتداولاً حتى يومنا هذا.
أسطورة الكيميرا
تقول الأسطورة إن الكيميرا كان وحشاً مخيفاً بثلاثة رؤوس، فقد كان يمتلك رأس وجسد أسد من ناحية، ورأس وضرع ماعز من ناحية أخرى، أما ذيله فكان عبارة عن رأس ثعبان.
وحش كهذا كان سليل وحوش مرعبة أيضاً بكل تأكيد، فوالده هو تايفوس الشهير الذي امتلك مئة رأس من الثعابين، أما أمه فكانت إيكيدنا وهي نصف امرأة ونصف ثعبان. ويقول هوميروس في الإلياذة إن الكيميرا من أصل إلهي.
كان للكيميرا القدرة على إطلاق النار من فمه، وبهذه الخاصية المميزة وبمظهره المرعب وقف الأبطال الأسطوريون عاجزين عن مواجهته.
الكيميرا تنزف دماً أخضر
دمر الكيميرا ريف ليكيا الواقعة جنوب الأناضول وفقاً للأسطورة، فأحرق البلد بأكمله وخلف ساكنيه جثثاً متفحمة، ولم يستطع أحد إيقاف الكيميرا عند حده إلى أن طلب الملك أيوباتس النجدة من البطل المعروف باسم بيليروفون.
كان بيليروفون بحاجة إلى إشارة من الآلهة ليتمكن من هزيمة الكيميرا، فقرر النوم في معبد أثينا، وبينما كان البطل نائماً زارته الآلهة ليلاً كما تقول الأسطورة، وقدمت له لجاماً ذهبياً، وعندما أشرق الصباح خرج بيليروفون من المعبد ووجد بيغاسوس (وهو حصان ضخم مجنح) يشرب من أحد الينابيع، فقام بترويضه ولف اللجام الذهبي حول عنقه، ليصبح رفيقه بعد ذلك في مغامراته ضد الكيميرا.
وبمساعدة الحصان المجنح استطاع البطل قتل الكيميرا بضربة من رمحه، حيث نزف الوحش دماً أخضر ثم مات أخيراً.
وقد خلدت الكثير من اللوحات اليونانية مشهد مقتل الكيميرا على يد بيليروفون الذي وقف حصانه المجنح إلى جانبه.
حلم لا سبيل لتحقيقه
إضافة إلى الدلالة على هذا المخلوق الأسطوري، أصبحت كلمة "كيميرا" Chimera مرادفة لـ"الوهم" وتصف جميع المخلوقات الأسطورية التي تتكون من حيوانات مختلفة.
كما باتت الكلمة تستخدم في ثقافات مختلفة للإشارة إلى أي شيء يتكون من أجزاء متباينة أو ينظر إليه على أنه خيالي إلى حد بعيد أو غير قابل للتصديق أو مبهر حتى. كما تشير الكلمة أيضاً إلى الأحلام التي لا سبيل إلى تحقيقها.
الكيميرا.. حالة طبية فريدة
وبعيداً عن الأساطير أو المجازات الأدبية، دخلت الكيميرا أيضاً عالم الطب لتشير إلى شخصين كانا من المفترض أن يشكلا توأمين اثنين لكن بسبب خلل ما أصبحا شخصاً واحداً فقط.. سأشرح لكم الأمر أكثر..
نعلم جميعاً أنه في حالة التوائم، ينتج رحم المرأة بويضتين يتم تلقيحهما بحيوانين منويين مختلفين وينموان سوياً في الرحم ليشكلا توأمين غير متطابقين.
لكن في بعض الحالات، وقبل أن تنمو البويضتان الملقحتان بشكل مستقل، تقوم إحدى البويضتين بابتلاع البويضة الأخرى والاتحاد معها فتتشكل بويضة واحدة تنمو لتصبح جنيناً بشرياً واحداً، لكن أنسجته ومعلوماته الوراثية كانت في الأصل لشخصين منفصلين كان من المفترض أن يكونا توأمين غير متطابقين.
هؤلاء الأشخاص يسمون في عالم الطب باسم "الكيميرا" ويتميزون بأنهم قد يحملون دماً من فصيلتين مختلفتين، كما أنهم يحملون معلومات وراثية لشخصين بدلاً من شخص واحد، بمعنى أن خلايا الشعر على سبيل المثال قد تحمل حمضاً نووياً مختلفاً عن الحمض النووي الذي تحمله خلايا الكبد.
أول حالة كيميرا اكتشفت عام 2002
تعتبر الكيميرا اكتشافاً حديثاً نسبياً، فقد اكتشفت حالة كيميرا لأول مرة عام 2002، وفقاً لما ورد في موقع Scientific American.
فقد نقلت وسائل الإعلام في ذاك العام قصة امرأة تدعى كارين كيجان، احتاجت إلى عملية زرع كلى وخضعت لاختبار جيني مع أسرتها، لمعرفة ما إذا كان بإمكان أحد أفراد الأسرة التبرع لها.
لكن الاختبارات بينت اختلافات جينية بين الأم وأطفالها، بمعنى آخر، لا يمكن أن تكون كيجان أماً لأبنائها من الناحية الجينية.
وبعد إجراء المزيد من الفحوصات تبين أن كيجان تملك حمضاً نووياً في دمها مختلفاً عن الحمض النووي الموجود في أنسجتها الأخرى.. بمعنى آخر كيجان هي بالفعل أم أبنائها، لكن لم يتطابق حمضها النووي معهم لأنها اثنان في واحد، أي أنها "كيميرا".